icon
التغطية الحية

الترحيل مجدّداً.. جدل سياسي محوره السوريون في تركيا

2021.08.05 | 06:10 دمشق

إسطنبول
ترحيل سوريين من منطقة أسنيورت في مدينة إسطنبول - آب 2019 (AFP)
+A
حجم الخط
-A

ماشياً برفقة أبي وأخي أتمعّن وجوه المارّة المتأثرة بحر شمس الظهيرة والرطوبة العالية، وذلك في إحدى حارات المشاة المؤدية إلى ميدان "أسنيورت"، أحد أبرز التجمعات التجارية الرئيسية للسوريين في مدينة إسطنبول.

أحد الوجوه كان يحمل حماسة لا ينتمي لمن يسعى لقضاء حاجاته اليومية في ظهيرة صيف إسطنبول، شاب في أول سنين عشرينياته يقف على حافة الحارة الممتدة إلى ميدان "أسنيورت" يتفحص الوجوه كما أفعل، لكن بشغف أفتقره.

ما هي إلّا لحظات حتى اقترب الشاب من أخي الذي يسبقني بخطوة وسأله بتركية غير متقنة "هل أنت سوري؟"، أجابه أخي بالعربية "نعم".. "كملكك إسطنبول؟" سأل الشاب، وقبل أن يتلقّى الجواب أكمل "إذا مو إسطنبول ما تمر عالميدان عبوقفوا السوريين وعبرحلوا اللي كملكه مو إسطنبول، صار طالعوا سابع باص اليوم" ويقصد بالكملك وثيقة الحماية المؤقتة الصادرة عن الدولة التركية.

أجبناه بأن وثائقنا قانونية وعلى ما يرام وتشكرناه. استرسل الشاب بأريحية مبنية على الوجع المشترك "أنا بالزور نفدت، وهلأ (الآن) واقف هون عبنبه السوريين مشان ما يترحلوا".. هنأناه بالسلامة وتشكرناه على مجهوده، ثم أكملنا طريقنا.

اقرأ أيضاً: بينهم سوريون.. تركيا توقف 415 طالب لجوء في إسطنبول |فيديو

كان الشاب يسعى - قدر الإمكان - لتقليل عدد مَن سيرحل من السوريين اليوم.. هنا وبعد هذا الحوار السوري ارتسمت على وجهي ابتسامة وأنا امشي باتجاه ساحة الميدان. ولكن ما لبثت أن تبددت بمشهد الحافلتين في منتصف الساحة، حيث امتلأت إحداها بذوي الحظ العاثر والثانية "على الطريق". حاولت جاهدا أن أرى تلك الوجوه الحائرة من خلف زجاج الحافلة المعتم.. ثم أكملت طريقي.

حملة ضد وجود السوريين

كسابقاتها، تتزامن حالة التشديد الأمنية التي يرحل على أساسها من لا يملك وثيقة أو يملك وثيقة صادرة عن ولاية أخرى، مع حملة واسعة ضد وجود الأجانب في البلاد وعلى رأسهم السوريون، فيما يبدو أنها وسيلة لامتصاص زخمها.

حملة ليست الأولى لكن طبيعتها غير مسبوقة، فالمشاهد المتداولة لـ مئات الشبّان الأفغان يعبرون حدود تركيا عبر إيران، أثارت غضب ملايين الأتراك. حيث عبّر الكثير منهم عن اعتراضه على هذا "الاحتلال الصامت"، متخوفين مما يحمله اللاجئون من تهديد لهوية تركيا وطبيعتها الديمغرافية والاجتماعية.

غضب سيشمل الوجود السوري في البلاد، كيف لا ومئات الأساطير عن التسهيلات المالية التي يتلقّاها السوريون من حكومتهم تطوف بيوت ودكاكين الأتراك، تزامناً مع أزمة اقتصادية تمر بها البلاد. فضلاً عما راكمته السنين من الأحكام المسبقة في الذهن الجمعي للأتراك تجاه الإنسان السوري.

بُعد سياسي

لحملة التجييش الحالية أهمية سياسية غير مسبوقة أيضاً، وذلك مع اقتراب انتخابات 2023 المصيرية. إذ تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى أن ملف اللاجئين وأسلوب التعامل معه سيكون من أهم عوامل اختيار الناخب التركي للحزب الذي سيصوت له في الانتخابات المقبلة.

ويرجع ذلك لمصيرية هذا الملف من منظور بعض فئات الشعب التركي، فكما هو معروف عندما تواجه الشعوب أزمات، تبحث فئات منها عن طرف لإلقاء اللوم عليه ضمن منظور شعبوي. ويحقق محور الوجود السوري-والمليارات التي تحملت الحكومة التركية عبئها، الشروط الملائمة لتحميله اللوم.

فالسوريون هم "الآخر" الذي يُلام بسهولة على عادة الشعوب، ولا أصوات لهم تدافع عنهم في المجتمع التركي أمام الادعاءات الكاذبة التي تشجع على تحميلهم الكثير من الأوزار، لذا أنتج ازدياد غضب بعض فئات الشعب التركي اتجاه سياسات الحكومة التركية في ملف اللاجئين -الذي صب جله على اللاجئين أنفسهم- إغراءات جذبت بعض السياسيين الأتراك للشعبوية المبنية على رهاب الأجانب، وكان على رأسهم كمال كلتشجدار أوغلو رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض الأكبر في البلاد، والذي أعلن في فيديو مصور له عن نيته بإعادة السوريين إلى بلادهم خلال سنتين من وصوله إلى السلطة.

وتأتي وعود "كلتشجدار أوغلو" بإرسال السوريين مع مراعاة البعد الإنساني للقضية - وفق وصفه - في ظل غياب سبل عملية لتنفيذها، بحسب مراقبين للشأن التركي وسياسيين أتراك. إذ صرح "علي باباجان" رئيس حزب الديمقراطية والتقدم أن المعارضة لن تتمكن من تنفيذ وعودها، مشيراً إلى أن الأمر لا يتعدى كونه حملة لكسب الناخبين.

كما صرح ياسين أقطاي - أحد المستشارين البارزين في حزب العدالة والتنمية - أنه من "المستحيل عملياً إرسال السوريين إلى بلادهم"، في تعقيب منه على تصريحات "كلتشجدار أوغلو".

عنصرية وفاشية واضحة

أبرز ما نتج عن هذه الحملة هو تبني بعض السياسيين - من على رأس عملهم - شعارات عنصرية وفاشية مباشرة كاسرين حاجز المألوف، حتى وصل برئيس بلدية مدينة "بولو" والعضو في حزب "الشعب الجمهوري" تانجو أوزجان - الذي سبق أن أعلن عن إيقاف المساعدات للاجئين - أن اقترح على مجلس البلدية مضاعفة سعر فواتير المياه 10 أضعاف للأجانب بهدف تشجيعهم على الرحيل، بعد أن وصفهم بـ"عديمي الفائدة" و"العبء"، كما أكد أنه لو كان عنده السلطة لطردهم بالقوة.

والجدير بالذكر أن عدد الأجانب في مدينة بولو لا يتعدى بضعة آلاف ومن المستبعد أن يكونوا قد شكلوا عبئا كما يدّعي، لذا فالواضح أن ملف اللاجئين لا يتعدى كونه وسيلة لكسب الشعبية والانتباه بالنسبة لرئيس بلدية "بولو"، في ضوء الموجة المعارضة لوجود الأجانب والسوريين في البلاد.

حملات استنكار واسعة

شكلت تصريحات رئيس بلدية بولو صدمة للكثير من رموز المجتمع التركي من سياسيين وصحفيين وأكاديميين. فهذه التصريحات تُشكّل إنذارا للمرحلة التي وصلت إليها بعض الأصوات المعارضة لوجود اللاجئين. مرحلة يرى منها مَن وصل إليها بأن اللاجئين عدو وتهديد وجودي يجب التخلص منه بأي ثمن، مدعمة بكراهية قد تشكل تهديدا للاستقرار.

وجاءت ردود الفعل المستنكرة من عشرات الناشطين والجمعيات الأهلية والسياسيين والصحفيين الأتراك، الذين حذروا من أخطار الحملات الشعبوية المبنية على الكراهية، كما هاجموا الخطاب "الفاشي والعنصري" الصادر عن رئيس بلدية بولو.

وأكّدوا على أن أزمة اللاجئين السوريين يجب أن تقارب ضمن إطارها الإنساني بعيداً عن الاستغلال السياسي. بل وصل ببعضهم أن اعتبر اللاجئين السوريين والمقيمين منذ ما يقارب الـ9 سنوات في تركيا جزءا من المجتمع التركي ومواطني تركيا المستقبليين، ومنهم الصحفية التركية ناجيهان آليتشي وفق ما صرحت في مقال لها على صحفية "Haberturk".

كذلك أكّد بعض الخبراء الحقوقيين مخالفة تصريحات رئيس بلدية بولو العنصرية للدستور التركي. وعلى أساسها تقدمت العديد من الجهات مثل جمعية "حقوق اللاجئين" بالشكوى ضده للنيابة العامة. لتفتح النيابة العامة بدورها تحقيقا في الموضوع.

حزب الشعب الجمهوري يتبرأ

تبرأ حزب "الشعب الجمهوري" وعلى لسان رجالاته البارزين من تصريحات رئيس بلدية بولو تانجو أوزجان، إذ صرح "سعيد تورن" معاون رئيس الحزب ومسؤوله عن البلديات بأن "التهديد بحاجة إنسانية مثل الماء تتعارض جذرياً مع سياسات الحزب" كما أكّد أن تصريحات "أوزجان" تمثل نفسه فقط,

من جانبه أعلن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أغلو رفضه لتصريحات رئيس بلدية بولو قائلا: "لا أقبل خطاب أوزجان بأي شكل من الأشكال، وعلينا مناقشة موضوع اللاجئين بأسلوب مختلف".

ومن الجدير بالذكر أن تبرؤ الحزب من تصريحات رئيس بلدية بولو له أبعاد سياسية استراتيجية. إذ لاحظ الحزب استنكارا واسعا للمرحلة التي وصلت إليها التصريحات العنصرية بين فئات معارضة للحكومة التركية وحاسمة في انتخابات 2023، مثل الأكراد واليساريين على العموم.

موقف الحكومة التركية

مع اشتداد وتيرة الحملة، أظهرت الحكومة التركية والمتمثلة بتحالف حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" مواقف متباينة على الصعيد الرسمي، إذ أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثباتاً بتعهده بأن تركيا لن تلقي باللاجئين السوريين في أحضان "القتلة"، ما دام بالسلطة في البلاد.

أما رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي فأكد أن السوريين أمانة تركيا، وأن عودتهم مرتبطة بتشكل البيئة السياسية والإنسانية الملائمة، لكنه في المقابل استنكر ذهاب السوريين إلى سوريا في العيد، وأكّد على جدية التهديد الديموغرافي الذي يحمله اللاجئون، فيما يبدو أنها محاولة للتقرب من "القوميين" الرافضين للوجود السوري والأجنبي في البلاد.