توضح قصة عبد الإيزيدي سياسة الثقب الأسود المتمثلة بمنظومة معالجة طلبات اللجوء في بريطانيا، كما تبين الثقب الأخلاقي الأسود الذي كشف عورة كنيسة إنكلترا.
فالإيزيدي المشتبه به لكونه ألقى مادة كيماوية على أم وولديها الصغيرين هو طالب لجوء أفغاني وصل إلى بريطانيا تهريباً في شاحنة خلال عام 2016، ورفض طلب لجوئه مرتين، وأتى الرفض الثاني بعد إدانته بالاعتداء الجنسي وكشف مواضع غير لائقة من الجسم في أماكن عامة.
إلا أنه منح بعد ذلك إقامة في بريطانيا بعدما زعم أنه اعتنق المسيحية، وأكد أحد الكهنة بأنه ملتزم كلياً بدينه الجديد. غير أن من يعرفونه وصفوه بالمسلم الذي يمارس تعاليم الإسلام على وجه حسن، وبأنه يشتري اللحم الحلال بشكل منتظم ويرغب بالعودة إلى أفغانستان حتى يبحث عن زوجة له هناك.
بما أن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد في أفغانستان، لذا كان بوسع إيزيدي أن يزعم بأن حياته ستصبح في خطر إن أعادوه إلى هناك، أي بمعنى أصح، عمد نفسه كي يتلاعب بتلك المنظومة.
خداع ما بعده خداع
تقول الكنيسة لا تنحوا باللائمة علينا في هذا، فقد عمدناه بنية صادقة، ثم إن من شأن الحكومة معالجة قضايا اللجوء، وليس من شأننا.
وفي ذلك خداع ما بعده خداع، إذ ثمة تاريخ طويل يثبت قيام طالبي لجوء بالتعمد حتى يدعموا ملفات لجوئهم، وهنالك تقريباً شخص واحد من بين كل سبعة مهاجرين ضمن مجموعة تضم 300 مهاجر أتوا على متن سفينة بيبي استوكهولم قد غير دينه إلى المسيحية.
في عام 2021، قام عماد السويلمين الذي عمد في كاتدرائية ليفربول بعد عام على رفض طلب لجوئه في عام 2016 بتفجير نفسه في سيارة أجرة بالقرب من مشفى التوليد بالمدينة. وفي عام 2016، ذكر كبير الكهنة في الكاتدرائية نفسها بأنها ساعدت 200 طالب لجوء على تغيير دينهم إلى المسيحية في غضون أربع سنوات، لكنه لم يتذكر اسماً واحداً لشخص غير دينه من الإسلام إلى المسيحية من بين من حصلوا على الجنسية البريطانية.
وخلال العام الماضي، حذر قس من الكاتدرائية من أن بعض طالبي اللجوء يحضرون إلى الكنيسة لغرض وحيد وهو تحقيق تقدم في طلبات لجوئهم، كما تبين من خلال حسابات على إنستغرام كيف يحث مهربو البشر المهاجرين على إتباع عيسى لأن ذلك يساعدهم في الحصول على الجنسية البريطانية.
غير أن الكنيسة ذكرت أنها لم تكتشف أي دليل يوحي بوجود ظاهرة تلازم على نطاق واسع بين اعتناق المسيحية والإساءة إلى منظومة معالجة طلبات اللجوء، ولعل ذلك يعود إلى أن الكنيسة لا ترى أي إساءة في تقديم طلب لجوء كاذب، وذلك لأنها لم تتكلم بالسوء عن ذلك مطلقاً، بل ألمحت إلى أن طلبات اللجوء تلك كانت كلها حقيقية وصادقة.
التعمد أساس لطلب لجوء جديد
وفي وثيقة مسربة من الكنيسة تحمل عنوان: دعم طالبي اللجوء: توجيه لرجال الدين في كنيسة إنكلترا، ثمة توجيهات للكهنة فيما يخص طريقة إطلاق حملة شخصية في حال رفض طلب لجوء لهم يد فيه. أي ورد في تلك الوثيقة ما ينصح بأنه في حال تغيير الشخص لدينه إلى المسيحية عقب رفض سابق لطلب لجوئه، فإن ذلك قد يتحول إلى أساس لطلب لجوء جديد.
ولم يرد في تلك الوثيقة أي إشارة للحاجة إلى الحذر من طالبي اللجوء الذين يحاولون التلاعب بالمنظومة، بل على العكس، وصفت الوثيقة طلبات لجوء من عمدوا حتى يكسبوا في قضاياهم جزءاً من "الخطاب المعادي للهجرة" عبر الوسائل الإعلامية التي تدعم السردية السياسية الأوسع عن الهوية البريطانية والحقوق والقيم البريطانية، كما اتضح في السابق خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
إن استغلال المعمودية يعتبر من الثغرات الكثيرة التي يستغلها جيش من المحامين والمنظمات غير الحكومية والخيرية في نظام اللجوء ببريطانيا وذلك لدحض أي حالة رفض.
والحق يقال هنا بإن نظام اللجوء لا يفي بهذا الغرض، إذ ما ظهر في البداية على أنه رد قائم على مبادئ وقيم على الظلم ترتب عليه وضع هزلي وسخيف أضحت بريطانيا بموجبه عاجزة عن حماية نفسها من العنف أو الأنشطة الإجرامية التي يمارسها من ينتهكون قوانين اللجوء.
وإذا كان دور الكنيسة يقتصر على جانب واحد من الفساد الذي يعتري منظومة اللجوء، فإن منظومة اللجوء تمثل أحد جوانب فساد الكنيسة.
إذ في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الأعيان ليناهض مشروع قانون الترحيل إلى رواندا، ذكر رئيس أساقفة كانتربيري، جوستين ويلبي، بأن طالبي اللجوء يحملون قيمة عظيمة، وبأن التراث المسيحي يرحب بالغريب على الدوام، وخلال العام الماضي، ضلل هذا الرجل الناس عندما وصف من طالبوا بالحد من أعداد طالبي اللجوء في بريطانيا بأنهم يستعينون بقصص مخيفة تظهر بأن كل من يأتون إلى بريطانيا طلباً للمساعدة ينبغي معاملتهم على أنهم كذبة ومحتالين، أو أدنى من البشر على حد تعبيره. بيد أنه لم يبد أي غضب عند استغلال المعمودية والكذب على الكاهن من أجل تقديم طلب لجوء مزيف.
وفي الوقت الذي تفشل فيه الكنيسة في إطلاق حملات لتدافع عن اللاجئين المسيحيين الحقيقيين حتى يتمكنوا من الوصول إلى بريطانيا، نراها تغض الطرف عمن اعتنقوا المسيحية كذباً ليتلاعبوا بالمنظومة، فهل هذا ما يعنيه كبير الأساقفة بسياسة التعاطف مع طالبي اللجوء؟.
المصدر: The Times