البرودة الدولية تجاه سوريا.. هل تعلَّق قانون قيصر؟

2024.07.26 | 06:40 دمشق

آخر تحديث: 26.07.2024 | 06:40 دمشق

645555555555555555
+A
حجم الخط
-A

توضح الاستنفار والتصعيد الإيراني-الأميركي تجاه التحرك التركي المدعوم روسياً في سوريا، حول ضرورة اللقاء والتباحث مع رئيس النظام بشار الأسد، فأسباب التطبيع بين الطرفين ملحّة تتلاقى فيها المصالح لدواعٍ أمنية واقتصادية ومعها الحسابات العربية والروسية، وتأثير الصراع والنفوذ مع الغرب وواشنطن بالتحديد.

فمن متطلبات هذا التقارب والتطبيع، أعباء النزوح للاجئين السوريين في دول الجوار، واستحواذ واشنطن حصراً على الورقة الكردية والحكم الذاتي تحت حجة محاربة داعش، وظهور استراتيجية طهران بوضوح حول ضرورة الوصول إلى البحر المتوسط، وخروج الجولان السوري المحتل من أية معادلة تتعلق بالمشاريع الإسرائيلية التوسعية.

بالإضافة إلى ذلك، اليد الطويلة التي باتت لإيران في الداخل السوري، إذ وجدت روسيا أن مجال الانفتاح والتطبيع بين دمشق وأنقرة سبقه شبه انفتاح عربي عليها، يمكن له أن يخفف من القبضة الإيرانية وتوسعها، خاصة أن تجربة حرب غزة وموقف النظام السوري المطواع منها، شكَّل دليلاً على هذا المسار المطلوب توظيفه من النظام السوري في هذه المرحلة.

الانفضاض عن أميركا

إذن تصعيد إيراني وأميركي تجاه مبادرة أنقرة حول سوريا، وصل إلى مستوى التفاهم بين الطرفين لمواجهة الحراك الإقليمي الذي استجد على الساحة السورية، وهذا ما تبدى من قلق واشنطن لفقدانها الكثير من الأوراق السياسية في الداخل السوري، بعد أن خفَّ الحديث عن تنظيم داعش والشماعة التي كانت وما تزال تعلق عليها واشنطن خط سيرها، وانكشاف مشروعها في الحكم الذاتي شرق الفرات، والخوف من وصول الرئيس دونالد ترامب للرئاسة في أميركا. فإما أن تستعدّ واشنطن المتخبطة بإدارتها على وقع تنحي بايدن والاستعاضة عنه بمرشح آخر، لأيام صعبة في سوريا، أو ستراجع سياستها وتدعم التقارب بين أنقرة ودمشق كي لا تجد نفسها معزولة في الإقليم.

العالم بدأ ينفضُّ شيئاً فشيئاً عن أميركا في الاقتصاد وفي العلاقات الدولية، حيث تقتضي الضرورة مواجهة التحدّي الصيني الاقتصادي الكبير، بإجراءات تتعلق بعقوبات في الاستيراد والتصدير وفي التقدم التقني والعلمي. وعلى الرغم من التفوق العسكري الأميركي الساحق، لكن لا أحد يريد الخضوع، والأميركيون عاجزون عن حسم الانتصارات في كلّ الجبهات، وليس لهم قدرة كبح روسيا أو التحكم في مسارات أزمات الشرق الأوسط، ومنها الحرب في غزة وجنوب لبنان. فإذا وصل ترامب إلى البيت الأبيض وأضعف أوكرانيا والأطلسي أو قوَّى إسرائيل، فستحدث انهيارات كبرى، في أوروبا وفي الشرق الأوسط، كما لا أحد يعلم كيف ستتصرف الصين إذا تعاظم تفوقها وسط التصدع الغربي: الأميركي والأوروبي.

فحماسة أردوغان لبدء التطبيع مع النظام السوري انطلقت بسبب المتغيرات الإقليمية التي تطول سياسة أنقرة ومصالحها في المنطقة. معتبراً أن على واشنطن حسم أمرها وتقبُّل الوقائع في سوريا مع كل من الروسي والتركي، أو أن تتحمل ارتدادات جلوس القيادات في أنقرة ودمشق إلى طاولة تفاهم برعاية روسية، ورسائل الرئيس التركي الانفتاحية المصحوبة بالكثير من الحماسة نحو دمشق، ستكون بداية لمسار جديد في التعامل مع دمشق، على أساس عقد اجتماعي جديد عادل وشامل، خصوصاً بعد التباعد وتضارب المصالح في ملفات متشعبة إقليمية عديدة.

طريق التسويات والحلحلة بين النظام السوري وأنقرة يلزمه وقت طويل، بسبب نفوذ العديد من العواصم والأجهزة الاستخبارية وأصحاب المصالح الاقتصادية فوق الجغرافيا السورية، ورغم تراجع حماسة تركيا للانفتاح على سوريا أمام الطاولة الرباعية التي نظَّمتها موسكو في أيار المنصرم، فهي تبدو اليوم منفتحة على وساطات روسية وعراقية وعربية، بعد تغير خارطة العلاقات السياسية بين دمشق والعديد من العواصم العربية.

لا يمكن لواشنطن التفريط بورقة ضغط قوية على النظام كــ"قانون قيصر"، لدفعه نحو تقديم تنازلات تحتاج إليها واشنطن.

قانون قيصر ونتائجه العكسية

فتشابك المصالح المتضاربة بين الدول على الأراضي السورية، جعلت مصالح النظام تتضارب مع حلفائه (إيران)، خاصة بعد عودة العلاقات وتحسُّنها مع دول خليجية وعربية. الدول المطبعة مع بشار الأسد، سواء كانت عربية أو غير عربية، تكشف بحسب تسريبات صحفية غربية عن نقل رسائل للنظام السوري، بعدم التحرك إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة، يقابله مكافأة سيحظى بها، وقد تكون عرقلة مشروع قانون مناهضة التطبيع وترك "قانون قيصر" معلقاً، كتسليفة مسبقة من هذه المكافأة.

لكن لا يمكن لواشنطن التفريط بورقة ضغط قوية على النظام كــ"قانون قيصر"، لدفعه نحو تقديم تنازلات تحتاج إليها واشنطن، أو إبقاء الجمود على حاله، إذ ستبقي على إبقاء سلاح العقوبات الاقتصادية، والاحتفاظ بالوجود العسكري المباشر في شرق البلاد، للسيطرة على منابع النفط التي تحقق الاكتفاء الذاتي لسوريا، وكذلك من أجل تقطيع أوصال محور المقاومة، الممتدّ من إيران إلى لبنان. فمشروع "عقوبات قيصر" هو ثمرة جهود أميركية كبيرة لسنوات، للضغط على حكومة دمشق وعزلها دولياً ومعاقبة حلفائها والتضييق على مصادر تمويلهم، لإجبارهم على القبول بالحلّ السياسي وتطبيق القرار الأممي 2254، وهو ما أثَّر على لبنان، ونال النصيب الأوفر من هذه العقوبات، فهو أعطى نتائج عكسية، فكان ضحيته الأولى الوضع الإنساني للشعب السوري.

تفعيل قانون قيصر أدّى إلى جمود الاقتصاد السوري، وارتفاع التضخم وانخفاض كبير بالليرة السورية، فلم تتأثّر به النخبة الحاكمة التي ازدادت ثراءً من خلال استغلال هذا القانون، عبر التهريب المباشر أو عبر مورّدين ووسطاء، في الوقت نفسه لم يردع قانونُ "قيصر" النظام، ورغم أنه محاصَر ومعاقَب فقد استطاع العودة إلى الحاضنة الدولية قبل العربية، وإعادة تكديس الثروات الماليّة للمحظيين والمحيطين به والأثرياء الجدد، بطرق معظمها ملتوية وغير مشروعة.

يبقى على النظام السوري قبل الولوج إلى تسوية مع أنقرة، انتظار محطة الانتخابات الأميركية، فصاحب القانون هو ترامب، المرشح الأوفر حظّاً في الاستحقاق المقبل بعد نجاته من محاولة الاغتيال، وقبول خصمه بايدن التنحي عن السباق، ولديه سياستان نقيضتان في الشأن السوري خاصة مع إيران وروسيا، وهو ما قد يجعل من سوريا ساحة صراع جديدة مع طهران، لكنه أيضاً قد يجعلها ساحة التقاء مع موسكو، من دون معرفة موقع رئيس النظام من كل ذلك.

فلا تملك الإدارة الأميركية من ناحيتها سوى ورقة "قسد" وذريعة محاربة داعش في سوريا، وهي دفعت ثمن رهانها بالتردّد الروسي والتوغّل الإيراني والغياب العربي المُفتعل، لتجد نفسها اليوم بين خيارين صعبين، إما الانسحاب من سوريا، أو الجلوس للتفاهم لتقاسم النفوذ، إلا إذا اختارت إشعال الجبهات العسكرية في سوريا لقلب الطاولات السياسية والأمنية كلها، وهذا رهن بوصول ترامب إلى البيت الأبيض.

فلقد قلبت مستجدات معركة الرئاسة الأميركية كل الحسابات، حيث إن طهران كانت تستعجل تفاهماً مع بايدن قد سقط، ولا تراهن على ترامب الذي ألغى سابقاً كلّ اتفاق معها، لذلك تبقي على استعراض قوّتها استباقاً لرياح ضغوط ترامب الآتية عليها. فأحد أهم شعارات المرشح الجمهوري وهجومه على بايدن، هو تركه إيران تصل إلى العتبة النووية، كذلك فإن التقارب بين نتنياهو وترامب في شأن الملفّ النووي الإيراني، قد يقود إلى سياسات تشعل حروباً في المنطقة. ولذلك فإن ما يُقلق الوضع الدولي اليوم، هو جنوح نتنياهو إلى تصعيد حربه ضد لبنان، واستمراره بتدمير ما تبقى من غزة، في حال حصوله على دعم جديد من الإدارة الأميركية الحالية المترنحة، والمنشغلة بحسابات المعركة الرئاسية، الساعية لكسب أصوات اليهود الأميركيين عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن.

المثير بهذا الشأن هو اشتعال كل الساحات من البحر الأحمر حتى المتوسط دفعة واحدة، وتدعيم نتنياهو بكل أوراق الضغط لدفع الإدارة الأميركية إلى تقديم كل الدعم لإسرائيل.

أيام قليلة ستكون مليئة بالمفاجآت ما بين الانفجار الشامل في الإقليم، أو الانفراج عبر التوصل إلى صفقة وقف إطلاق النار في غزة، فقد يكون انسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي هو إفساح المجال أمام التصعيد من دون رمي المسؤوليات على الرئيس القادم إلى البيت الأبيض. لكن المثير بهذا الشأن هو اشتعال كل الساحات من البحر الأحمر حتى المتوسط دفعة واحدة، وتدعيم نتنياهو بكل أوراق الضغط لدفع الإدارة الأميركية إلى تقديم كل الدعم لإسرائيل. فهل تستفيد طهران وتل أبيب من هذا التخبط الأميركي الأعرج وتدفعان إلى توسيع دائرة نفوذهما والمدى العسكري الحيوي لكلتا الدولتين في المنطقة؟ فاعتراض الحرس الثوري لناقلة نفط جديدة أمام جزيرة بوشهر الإيرانية، هو خطوة إضافية في هذا الاتجاه، بانتظار خطوة نتنياهو المقبلة، الآتية حتماً على حساب دماء الشعوب العربية.