لابد أن الروس صُعقوا من مطرقة تصريح بايدن، الذي رفض أن يصف بوتين بمجرم الحرب، ثم أدبر وعاد، ونطق "الجواب الأخير"، وتذكّر أن ذاكرته ضعفت، ووصفه بمجرم الحرب، والروس مثخنون من جراحات تغريدة ليندزي غراهام رئيس الكتلة الجمهورية في دوحة تويتر التي حُجبت عن الروس، فهذه حرب طويلة ورأس بوتين مطلوب، ولن يستطيع بوتين العودة إلى ما قبل غزو أوكرانيا، والهدف هو تفكيك روسيا حرفًا حرفًا وعظمة عظمة، وأسباب العداوة كثيرة، منها أن روسيا هي القطب الآخر، وهي دولة مختلفة دينيًا وعرقيًا وفكريًا وعقائديًا وإنها نووية وليست مثل العدو الإسلامي الجائع.
تتجنب وسائل الإعلام سببًا وجيهًا آخر، هو غيبي، وهو النبوءات بحرب منذرة بالقيامة وحرب هرماجدون، ونتذكر أن هوليود صانعة الوجدان الأميركي، ويتداول كثيرون أن السينما تتنبأ بالمستقبل والصواب إنها تصنعه، فهم يقلدون السينما وقد دأبت هوليود على صورة الروسي الشرير، هناك عشرات الأفلام الأميركية مثل المنتقمون، الذي يروي قصة سادية عميل سابق في المخابرات الروسية "كيه جي بي"، وقصة الأوغاد الأشرار في فيلم الإثارة "يوم مناسب لموت قاسٍ"، سأذكر ثلاثة من هذه الأفلام، أولها فلم تاريخي بعنوان "أشياء مخفية"، وزمن الفيلم هو الستينيات، يوقف شرطي أبيض سيارة فيها ثلاث نساء أفريقيات عالمات، فيتعجب من ركوبهن سيارة فاخرة، تبرز النساء الثلاث له بطاقاتهن التي تثبت انتسابهن إلى وكالة ناسا الفضائية العلمية، وعلماؤها جميعًا بيضٌ ناصعو البياض، فينظر الشرطي إلى السماء، ويتناسى عنصريته، ويقبل بانتساب "السوداوات" إلى نادي البيض الحصري، ويطلق سراحهن ويقول: لا تدعوا أولئك الروس الأوغاد يتفوقون علينا.
في فيلم "الحرارة الحمراء"، يمثل النجم آرنولد شوارزينغر دور ضابط سوفييتي موفد إلى واشنطن لاعتقال مجرم روسي هارب يصدّر المخدرات إلى الاتحاد السوفييتي الطاهر، الفلم حافل بالطرائف والسخرية من الأميركيين والروس معا، يسأل المحقق الأميركي زميله الروسي عن طريقة تغلب الروس على التوتر اليومي، فيقول: بالفودكا، ويذكر في الحوارات قسوة الروس وعنادهم، وسيطرة الدولة على كل شيء، ويقارنها بالحريات الأميركية، والرياضات الأميركية، والبيروقراطية الأميركية، لكن لا يغيبنَّ عن بال المشاهد أن الضابط الروسي أميركي، ليس فيه خصيصة روسية سوى زيّه العسكري ومسدسه، ولهجته المضحكة، وأنّ الصداقة التي جمعت بين الضابطين الأميركي والروسي عابرة وسريعة ومؤقتة، ولا يلبث صانع الفيلم أن يجمع بين الشرّين في فيلمه، الشرّ الإسلامي والشرّ الروسي، فجماعة "عبد الأليجا" "الأسود" توزع المخدرات في روسيا متعاونة مع المجرم الجيورجي الهارب فكتور.
تسبق أميركا القيادة الأوكرانية في معاداة الروس، وإن بخلت عليهم بالأسلحة الهجومية وأكرمتهم بالمعونات العسكرية الدفاعية، فالأوكرانيون يدركون أن روسيا دولة عظمى ويصعب الانتصار عليها، وأن بلدهم سيدمر لو استمرت الحرب، وهم يصافحون الروس الذين يخفضون لهم الجناح في الاجتماعات، ويقبلون بدولة منزوعة السلاح ومحايدة، لكن الأميركيين قد مضوا في المقاطعة بعيدا ويمهدون على طريقة فيلم "من أجل حفنة دولارات".
ويمكن مقارنة قصة غزو أوكرانيا بقصة الفيلم الثالث "جون ويك"، وهي قصة بوليسية أميركية نمطية، شائعة في هوليود؛ جون ويك، بطل ليس له مثيل في فنون القتال والدهاء وسوبرمان أرضي، متقاعد من الحروب والشرّ، مثل بايدن الذي تاب عن الحروب، تموت زوجته وتترك له جروا هدية لدى شركة رعاية حيوانات أليفة، فيتعلق به، تطمع عصابة روسية في سيارة جون ويك الأثرية وتستولي عليها بالقوة، وتقتل جروه، فيقرر الانتقام من أشرس عصابة روسية في نيويورك، ينزل إلى الطابق الأرضي، ويستخرج كنزه، والكنز هو صندوق الأسلحة الدقيقة المرتبة في سطور مثل قصيدة موت، ويبدأ بالانتقام. نجح الفيلم في شباك التذاكر، وأنتجت منه الشركة المنتجة سلسلة أفلام بلغت أربعة حتى الآن.
هناك فضيلة تكوينية للعدو وهي أنّ الإنسان يعرف هويته بعدوه، وستتداعى كل النظريات التي تقول إن الاقتصاد سيمنع الحروب، فالحرب اقتصاد أيضا، وقد أبرز استفتاء أن الأميركيين الذين بلغت نسبتهم 74% يفضلون غلاء الغاز الأميركي على رخص الغاز الروسي، لا بد من عدو.. تقول قصة قديمة إن ناسكًا نازع الشيطان فتصارعا وأمسك بتلابيب الشيطان وغلبه، وجلس فوق صدره ليقتله، فقال له الشيطان: إن قتلتني انتهى عملك، فممن ستحذّر المؤمنين أيها الشاطر، فيمسك عن قتله.
قد تكون أميركا وروسيا دولتين فيهما أسلحة فضائية، وناطحات سحاب، وصناعات إلكترونية، لكنهما دولتان بدويتان في الثأر والانتقام.