تراجع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن شرط انسحاب القوات التركية الفوري من الشمال السوري للاستمرار في العملية التفاوضية مع أنقرة، مبدياً استعداده لرفع مستوى التطبيع في حال وضع إطار زمني وآليات تنفيذ لهذه المطلب برعاية روسيا وإيران.
جاءت تصريحات بشار الأسد خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني للشؤون الخاصة علي أصغر خاجي، والوفد المرافق له، يوم الإثنين، في العاصمة دمشق.
وتعكس هذه التصريحات تغيراً لافتاً تجاه التطبيع مع تركيا، إذ دأب مسؤولو النظام على ربط العملية التفاوضية مع إعلان أنقرة استعدادها للانسحاب الفوري من الأراضي السورية.
بشار الأسد يؤكد انفتاحه على المفاوضات وإيران تثمن صوابية الحوار
وقال بشار الأسد إن أهمية التنسيق في المرحلة القادمة وخصوصاً فيما يتعلق بـ"الاجتماعات الرباعية" في موسكو و"مسار أستانا".
وشدد بشار الأسد "على وضع استراتيجية مشتركة تحدد الأسس وتوضّح بدقة العناوين والأهداف التي تبنى عليها المفاوضات القادمة سواء كانت بخصوص الانسحاب التركي من الأراضي السورية أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من القضايا وتضع إطاراً زمنياً وآليات تنفيذ لهذه العناوين، وذلك بالتعاون مع الجانبين الروسي والإيراني".
من جانبه، ذكر خاجي أن إيران "تؤيد صوابية رؤية" النظام السوري بخصوص مختلف الملفات التي يجري التفاوض بشأنها، وأعرب عن ارتياح بلاده للتطورات التي تشهدها علاقات النظام الخارجية، وخاصة على الصعيد العربي.
الانتخابات التركية تفرض واقعاً جديداً للمفاوضات
لم تهدأ وتيرة تصريحات مسؤولي النظام السوري وعلى رأسهم بشار الأسد، المشددة على ضرورة الانسحاب التركي من الأراضي السوري قبل رفع مستوى التطبيع بين الجانبين، خلال الأشهر الماضية، مؤكدين رفضهم إعطاء الرئيس رجب طيب أردوغان "ورقة قوة في الانتخابات التركية"، التي عقدت الشهر الماضي، وانتهت بفوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة.
ومن خلال رصد تصريحات النظام السوري في الشهرين الماضيين، نجد أنه لا يمكن عزل التوجه الجديد تجاه أنقرة عن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، والتي تقدم فيها أردوغان وحزبه بفارق جيد على المعارضة، التي طالما تمنى الأسد فوزها، وخاصة بعد تعهدها بسحب جميع القوات من سوريا بما في ذلك إدلب، وتلبية جميع مطالب، ودفع تعويضات مالية للنظام، وفقاً لرسالة بعثها حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض (CHP) إلى بشار الأسد، وكشفت عنها صحيفة (Türkiye Gazetesi).
لذلك حاول النظام السوري قبيل الانتخابات وضع شروط صعبة، اعتبرتها إدارة أردوغان غير قابلة للتنفيذ، وهو ما يتوافق مع مطالب"حزب الشعب" إلى جانب الأحزاب المنضوية تحت سقف تحالف الطاولة السداسية، حيث عملوا على تخريب الاجتماع الذي توقع عقده في حينها بين أردوغان وبشار الأسد، بحسب الرسالة.
أما اليوم وبعد نجاح أردوغان في ولاية جديدة، فإنه بدا واضحاً الارتياح، الذي اعترى الحكومة التركية في تعاملها مع النظام السوري وشروطه، لا سيما في مسألة سحب القوات من شمالي سوريا، إذ أكد المتحدث الساق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، بعد يوم واحد من الانتخابات، استبعاده لأي لقاء في المدى المنظور بين أردوغان وبشار الأسد، مشيراً إلى أن عقد مثل هذا اللقاء يعتمد على الخطوات التي سيتخذها النظام مستقبلاً، وذلك خلافاً لما كان عليه الأمر قبل حسم الانتخابات.
وبناء على ما طرأ من مستجدات، فإن المضي في مسار المفاوضات الذي تدفع إليها روسيا، سيكون رهن ما يفصح عنه الطرفان خلال الأيام القليلة القادمة، إذ من المتوقع أن تنطلق جولة جديدة من الاجتماع الرباعي بين نواب وزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، في حزيران الجاري، في العاصمة موسكو، لكن ما بات مؤكداً حالياً هو أن أنقرة باتت في وضع أفضل لترتيب ملفات التفاوض مع النظام السوري.
خريطة طريق للتطبيع
ونهاية أيار الماضي، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إن العمل الفعلي على خريطة طريق للتطبيع بين تركيا والنظام السوري قد بدأ، وذلك بعد تصريحات تركية تحدثت عن اتخاذ خطوة جادة نحو إعادة العلاقات مع النظام.
إلا أن صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري نقلت، عن مصادر وصفتها بـ"المتابعة"، أنه من المبكر الحديث عن إعداد لجنة لمتابعة إعداد خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين النظام وتركيا، وفقاً لمخرجات الاجتماع الوزاري الرباعي الأخير في موسكو، مشيرة إلى أن العمل على الموضوع مرتبط بخطوات جدية وملموسة، أبرزها سحب القوات التركية من شمالي البلاد.
التطبيع التركي مع النظام السوري
وحتى وقت قريب، كانت تركيا من الدول القليلة التي حافظت على دعمها السياسي والعسكري للمعارضة السورية، وظلّت متمسكة بموقفها الرافض للانفتاح على النظام السوري والتعامل معه.
لكنّ هذه المواقف تغيرت أخيراً، حيث شرعت أنقرة نهاية العام المنصرم في مفاوضات علنية مع النظام السوري في العاصمة الروسية موسكو، حيث عُقدت لقاءات على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات، وتبعه لاحقاً اجتماع بين نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري، مطلع نيسان الماضي.
وفي 10 من أيار الجاري، استضافت موسكو وزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمته الافتتاحية عن أمله في أن يمهد الاجتماع الطريق لصياغة خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين الجانبين.