الانتخابات البلدية: ثلاثة مرشحين لرئاسة تركيا وغزة حاضرة

يزحف ملايين الناخبين الأتراك غدا نحو صناديق الانتخابات لاختيار رؤساء بلدياتهم الكبرى مع مجالسها والبلديات الصغرى والمخاتير أيضا في ظل استقطاب عال كما هي عادة أي انتخابات تركية، فنسبة المشاركين في أي استحقاق انتخابي تركي تعتبر الأعلى على مستوى العالم في الدول التي تجري فيها انتخابات ديمقراطية. تدرك جميع الأحزاب صعوبة هذه الانتخابات لأنها تأتي في ظل أزمة اقتصادية تعصف بالمواطن بعد أن وصل التضخم لأرقام قياسية غير مسبوقة ولأن المشهد السياسي شهد متغيرات وتحولات كبيرة بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في العام الماضي، حيث انفرط عقد تحالف المعارضة وستدخل معظم أحزابه انتخابات الغد منفردة، التحالف الحاكم بدوره خسر حزب الرفاه من جديد الذي يتزعمه نجل نجم الدين أربكان بعد أن قرر خوض الانتخابات وحده.

هذا الخطاب الذي دغدغ عواطف ومشاعر بعض كان له أثر واضح في زيادة شعبية فاتح أربكان وفي زيادة أعضاء حزبه

العدوان الإسرائيلي على غزة سيكون حاضراً في انتخابات الغد وربما سيكون له تأثير في خيارات الناخبين، خصوصاً المنتمين للتيار المحافظ الأقرب لحزب العدالة والتنمية،  حيث اتهم فاتح أربكان زعيم حزب الرفاه من جديد عبر خطابات مرشحي الحكومة بالتقصير تجاه فلسطين، مركزاً هجومه على الجانب الاقتصادي وتفاصيل التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل.
وكذلك فعل حزب السعادة وحزب المستقبل أيضاً وحاولوا استمالة فئة من المحافظين عبر خطاب تصعيدي يزايد على الحزب الحاكم ويطالب باتخاذ المزيد من الإجراءات والقرارات تجاه مساندة الفلسطينيين.

ولمواجهة هذا السخط ركز حزب العدالة في رسائله على أنه رفض أن يوصف الفصائل الفلسطينية بالإرهاب ورفض إدانة فعل مقاومة المحتل في وقت تبنى فيه حزب الشعب الجمهوري المنافس الأبرز له رواية الغرب كاملة بما يتعلق بالعدوان حيث وصف رئيس حزب الشعب الجمهوري وفي أكثر من مناسبة الفصائل الفلسطينية بأنها إرهابية وتبنى الرواية الإسرائيلية في حقها بالدفاع عن نفسها.

الوضع معقد جدا لأن خريطة التحالفات معقدة ومتشابكة فمع وجود قوميين ومحافظين في الحكم والمعارضة يصعب كثيرا التنبؤ بنتيجة انتخابات الغد، والتي قد تشهد صعودا لأحزاب كانت كتلتها صغيرة وخصوصا في البلديات الفرعية (الصغرى) واليوم يعتبر حزب الرفاه أكبر منافس للعدالة والتنمية لأنه سيأخذ أصواتا من ذات التيار والكتلة المصوتة عادة للعدالة، خصوصا في إسطنبول التي يريد العدالة والتنمية استعادتها بأي ثمن تأكيداً لزعامته بعد فوزه العام الماضي، وخدمة لمشروع قرن تركيا الذي طرحه في السنوات الأخيرة مع حليفه حزب الحركة القومية، صحيح أن مقولة من يحكم إسطنبول يحكم تركيا سقطت في الانتخابات الأخيرة العام الماضي لكن يبقى لزعامة إسطنبول هيبتها وأثرها المعنوي على الناخبين والسياسيين معاً. ومن إسطنبول تحديداً يريد فاتح أربكان استعادة إرث والده في أن يكون هو وحزبه الممثل الأول للمحافظين تمهيداً لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات. انتخابات رئاسية لا يخفي أكرم إمام أوغلو سعيه لخوضها هو الآخر رغم أن حزبه يشهد انقسامات وخلافات كبيرة خرجت للعلن مؤخراً بين أنصاره وأنصار الرئيس السابق للحزب كمال كيلتشدار أوغلو. ويجب أن لا ننسى معركة تغيير الدستور والتي ستكون حاضرة هي الأخرى في خيارات الناخب؛ معركة بدأت منذ نهاية العام الماضي وتصاعدت كثيرا وتحدثت عنها في مقال سابق والمتوقع أن تبدأ خلال أشهر.

مع كل هذا التعقيد في المشهد الذي يتشابك فيه العامل الحزبي مع الأزمة الاقتصادية مع أزمات سياسية خارجية سيكون لها أثر واضح، ويضاف إليه عدم وضوح لمن سيصوت الناخب المنتمي للأحزاب الكردية وخصوصا أنهم كتلة وازنة في إسطنبول، سيكون من الصعب التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات وخصوصا في إسطنبول، العرب المجنسون بدورهم لم يصبحوا بعد كتلة وازنة ومؤثرة لعوامل عدة أهمها أن عددهم قليل وغير مؤثر، لكن في إسطنبول تحديدا في حال قرر العرب المجنسون حديثا المشاركة قد يكون لمشاركتهم أثر في تحديد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، لأنه في الانتخابات البلدية الأخيرة خسر بن علي يلدرم أمام منافسه أكرم رمام أوغلو بفارق بسيط جدا 13 ألف صوت فقط.

حزب العدالة ورئيسه رجب طيب أردوغان يريدون استعادة المدينة التي انطلق منها قبل أكثر من ثلاثة عقود لتكون لهم عونا في تأكيد زعامتهم لتركيا

انتخابات الغد في ظاهرها صراع على البلديات أي شأن خدمي لكن في تركيا الأمر مختلف كلياً، الجميع يخوض الانتخابات وعينه على رئاسة تركيا بعد أربع سنوات. حزب العدالة ورئيسه رجب طيب أردوغان يريدون استعادة المدينة التي انطلق منها قبل أكثر من ثلاثة عقود لتكون لهم عونا في تأكيد زعامتهم لتركيا، ولتكون عونا لمرشح الحزب لرئاسة تركيا سواء الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه أو أي مرشح آخر، أكرم إمام أوغلو يريد البقاء في منصب رئيس البلدية لأن عينه على رئاسة حزبه لاحقا قبل أن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية وهو يدرك أن خسارته قد تعني نهاية حياته السياسية، فاتح أربكان بدوره يدرك أن فوز مرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول أقرب للمستحيل، لكنه يسعى للفوز بالبلديات الصغرى لتوسيع قاعدته الشعبية تمهيدا لترشيح نفسه ليكون منافسا على رئاسة تركيا بعد أربع سنوات.

الحزب الذي سيفوز في بلدية إسطنبول هو الحزب الذي يستطيع إقناع معظم أنصاره أو أكبر عدد منهم للنزول والمشاركة بالتصويت، لأن هناك توقعات بعزوف البعض عن المشاركة ومن كل الأحزاب وأيضا من يستطيع إقناع الناخب المتردد بالتصويت له، عبر تقديم وعود خدمية لأن المتردد لا تعنيه كثيرا الصراعات السياسية، ويشكل العامل الخدمي أبرز محدد لخياراته في الانتخابات البلدية عادة.