يعيش الاقتصاد الأميركي حالة من عدم اليقيين بين التضخم الذي ارتفع في الولايات المتحدة في يونيو إلى مستوى قياسي، فقد قفزت أسعار المستهلكين إلى 9.1٪ على أساس سنوي.
هذا المعدل هو أعلى مستوى منذ أكثر من 40 عامًا وأعلى من القراءة السابقة، عندما ارتفعت الأسعار بنسبة 8.6٪ عن العام المنتهي في مايو. كما أنه أعلى بكثير من نسبة 8.8٪ التي توقعها الاقتصاديون.
كما أظهر مؤشر أسعار المستهلك لشهر يونيو أيضًا أن الأسعار الإجمالية التي يدفعها المستهلكون لمجموعة متنوعة من السلع والخدمات ارتفعت بنسبة 1.3٪ من مايو إلى يونيو على أساس شهري.
من جهة أخرى تتوالى إشارات ركود الاقتصاد الأميركي التي تمثلت في انكماش الاقتصاد الأميركي 0.9 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثاني من 2022، في تصعيد جديد للمتاعب التي يواجهها أكبر اقتصاد في العالم، وانعكاس منحني عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل سنتين وأجل عشر سنوات في إشارة على توقع المستثمرين ركودا اقتصاديا قريبا وتباطؤ كلٍّ من قطاع التصنيع وقطاع الخدمات بالإضافة إلى قطاع الإسكان.
في حين بقي قطاع التوظيف هو الأقوى في مواجهة الركود على الرغم من الإشارات المتناقضة، فوفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي الصادرة يوم الجمعة في الخامس من آب الحالي، أضاف الاقتصاد الأميركي 528 ألف وظيفة خلال شهر تموز، بعد بيانات حزيران المعدلة بالرفع إلى 398 ألفًا، مقارنة مع التوقعات البالغة 258 ألفًا.
في غضون ذلك، انخفض معدل البطالة إلى 3.5% خلال الفترة، نفسها بأفضل من توقعات استقراره عند مستوى حزيران البالغ 3.6%، كما تراجع عدد الأشخاص العاطلين عن العمل إلى 5.7 ملايين شخص. في حين أظهرت بيانات إعانات البطالة في آخر قراءة لها ارتفاعا إلى 260 ألف متجاوزة توقعات الاقتصاديين.
تأتي كل هذه التطورات قبيل أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي وسط تراجع في شعبية الديمقراطيين بشكل عام وشعبية جون بايدن بشكل خاص
حيث أظهر استطلاع الرأي أجرته شبكة CNN تراجع في شعبية جون بايدن، كما أظهر أن معظم الأميركيين غير راضين عن حالة البلاد والاقتصاد. حيث لا يزال التضخم كما أن ثقة المستهلك تراجعت للشهر الثالث على التوالي.
كما أشارت الأرقام إلى أن 75٪ من الناخبين الديمقراطيين يريدون من الحزب أن يرشح شخصًا آخر غير الرئيس جو بايدن في انتخابات عام 2024.
كما أشارت دراسة جديدة أجرتها بلومبيرج إيكونوميكس لتأثير مؤشر البؤس المحسوب عن طريق إضافة معدلات التضخم والبطالة على نتائج الاقتراع، استنادًا إلى أنماط التصويت السابقة، يمكن لحزب الرئيس جو بايدن أن يتوقع خسارة 30 إلى 40 مقعدًا في مجلس النواب وعدد قليل من مقاعد مجلس الشيوخ أيضًا، مما يؤدي بسهولة إلى القضاء على الأغلبية الديموقراطية القليلة.
بطبيعة الحال، فإن الاقتصاد ليس سوى جزء واحد من الحسابات التي يقوم بها الناخبون. فالديمقراطيون يأملون أن الغضب من قوانين الإجهاض وحيازة السلاح والهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي من قبل حشد جمهوري سوف ينشط مؤيديهم. بالإضافة إلى العملية الناجحة التي أدت إلى اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أفغانستان مؤخرا.
تاريخيا خسر حزب الرئيس 33 مقعدا في انتخابات تجديد مجلس النواب منذ الحرب الأهلية حتى الانتخابات النصفية في عام 2018 كما يوضح المخطط المرفق:
في هذه المقالة سوف نقوم بنحليل متغيرات الاقتصاد الكلي الأميركية ومدى تأثيرها المحتمل على نتائج انتخابات التتجديد النصفي للكونغرس الأميركي:
1- التضخم والفائدة الفيدرالية:
في الأسبوع الماضي، استكمل بنك الاحتياطي الفيدرالي أكبر ارتفاعات متتالية في أسعار الفائدة منذ أوائل الثمانينيات، حيث يسعى إلى ترويض الأسعار المرتفعة وخفض التضخم عن طريق الضغط على إنفاق المستهلكين ومشتري المنازل من خلال استراتيجية (قتل الطلب الفعال).
ساهم ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في 40 عاما عند 9.1٪ في تموز إلى ارتفاع مؤشر البؤس (التضخم + البطالة) إلى 12.7٪. والذي من المحتمل ألا ينخفض كثيرًا قبل أن يذهب الأميركيون إلى صناديق الاقتراع.
تتوقع بلومبرج إيكونوميكس قراءة مؤشر بنسبة 12٪ في تشرين الأول عند حلول موعد الانتخابات وهو أعلى مستوى منذ أزمة الركود العظيم.
يلقى الديمقراطيون اللوم في التضخم على على الغزو الروسي لأوكرانيا، مما دفع أسعار الطاقة والغذاء للارتفاع، بينما أشار الجمهوريون إلى أن السبب في التضخم هو التحفيز النقدي وطباعة الدولار بصورة كثيفة خلال أزمة وباء كورونا الذي منحه بايدن الضوء الأخضر بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، فيما يسعى بايدن إلى تمرير خطة مكافحة التضخم من خلال الكونغرس الحالي التي تتضمن خفضا واسعا للضرائب.
يوضح المخطط المرفق مؤشر البؤس على مستوى الولايات الأميركية:
2- سوق العمل والميزة التنافسية للديمقراطيين:
جاءت بيانات سوق العمل الأخيرة مفاجأة وعكست الاتجاهات حول إمكانية دخول الاقتصاد الأميركي في الركود، انخفضت البطالة إلى 3,5 % أدنى مستوى لها منذ ستينات القرن الماضي، كما أظهر تقرير سوق العمل الأميركي عن شهر تموز إضافة 528 ألف وظيفة خارج القطاع الزراعي.
بيانات الوظائف الأخيرة تمهد لخطوات أكبر في اتجاه تشديد السياسة النقدية من قبل الفيدرالي الأميركي دون قلق على أداء سوق العمل في الوقت الحالي خاصةً بعدما صرح رئيس الفيدرالي عقب رفع لجنة السوق الشهر الماضي سعر الفائدة ب 0.75% بأن الفيدرالي سيعتمد على البيانات الاقتصادية في اتخاذ قراراته المُستقبلية بشأن السياسة النقدية، ما يُعطي مزيد من الثقل لهذه البيانات في المرحلة المُقبل لا سيما عن التضخم وسوق العمل الذي وصف الفيدرالي مؤشراته بأنها لا تدل على ضغوط انكماشية على الاقتصاد أو تعرضُه للركود إلى الآن، رغم بيانات إجمالي الناتج القومي الأميركي التي أظهرت بالفعل انكماش للربع الثاني على التوالي بشكل مبدئي بواقع 0.9% بعد انكماش ب 1.6% في الربع الأول.
كل ذلك سيشكل دعاية انتخابية مهمة للديمقراطيين حول قوة الاقتصاد الأميركي من خلال كفاءة سوق العمل.
يوضح المخطط المرفق مؤشر البؤس كمزيج بين التضخم والبطالة على مستوى الولايات المتحدة من عام إلى 2007 إلى تاريخه
3- فقاعة العقارات:
في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، خاطب المطورون العقاريون، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك بول فولكر، عبر البريد على أمل أن يخفف البنك المركزي من معركته لكبح التضخم، التي أدت إلى ارتفاع معدلات الرهن العقاري إلى 18%. رغم ذلك لم يتراجع الاحتياطي الفيدرالي عن خططه، حتى جاء ركود 1981.
من الناحية التاريخية، الرهن العقاري في صدارة القطاعات التي تتأثر بإجراءات الاحتياطي الفيدرالي لكبح التضخم، عن طريق رفع الفائدة حيث يبدأ البنك المركزي بممارسة ضغط تصاعدي على معدلات الرهن العقاري. لا يمضي وقت طويل بعد ذلك، إذ تتراجع مبيعات المنازل، وتتباطأ عمليات البناء الجديدة، ما يؤدي بالتبعية إلى انخفاض الطلب على مواد البناء، والسلع المعمرة (مثل النوافذ والثلاجات)، وما تلبث حتى يصل الركود إلى مختلف قطاعات الاقتصاد.
ظهرت بيانات مكتب تعداد الولايات المتحدة، تراجع مبيعات المنازل في الولايات المتحدة خلال حزيران، لتصل إلى 590 ألفا.
يأتي ذلك، في حين كانت التقديرات تشير إلى ارتفاع المبيعات عند 660 ألفا، مقابل مستويات 642 ألفا في أيار الماضي، بفعل تأثيرات أسعار الفائدة المرتفعة وارتفاع تكلفة البناء.
كما سجل متوسط سعر المنزل في الولايات المتحدة نحو 402.4 ألف دولار. كما ارتفعت إيجارات المنازل في الولايات المتحدة بنسبة 40% تقريباً منذ يناير 2021.
ارتفاع إيجارات المنازل لتصبح ثنائية الخانة عقبة أخرى تواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي في ظل سعيه للسيطرة على أسوأ مشكلة تضخم منذ عقود زمنية، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
يوضح المخطط المرفق التضخم في إيجارات المنازل على مستوى الولايات المتحدة من حيث الأقاليم الجغرافية:
الخلاصة:
يتوقف فوز الديمقراطيين في الانتخابات النصفية على قدرة الفيدرالي الأميركي في إحداث هبوط سلس للاقتصاد من خلال خفض التضخم إلى الهدف المستهدف عند 2% من دون إدخال الاقتصاد في الركود، طالما بقي قطاع الوظائف قوي فإن الفيدرالي الأميركي سيبقي على سياسة التشديد النقدي دون النظر إلى انكماش الاقتصاد، فتأثير التضخم أقسى سياسيا واقتصاديا على الأمد القصير من أثر الركود، فهل ينجح الفيدرالي بكبح جماح التضخم قبل الانتخابات؟