تعصف بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أزمة لم يشهدها منذ تأسيسه في العاصمة القطرية الدوحة خلال شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2012 حيث تأتي عملية التغييرات التي حصلت مؤخرًا تحت يافطة الإصلاح والتغيير، وضمن سياسات إعادة تفعيل مؤسسات الائتلاف التي أخذ الواقع السوري المعاش الكثير من رصيدها في الآونة الأخيرة، وانسحبت منها العديد من المكونات والأفراد على مدى سنوات خلت، وشابها كثير من الصراعات، منها الانسحابات النفعية المصلحية وسوى ذلك.
ويبدو أن أساس التكوين لهذه المؤسسة الرئيسية في المعارضة السورية وآليات إنشائها على أنقاض المجلس الوطني السوري، والتي جاءت بفعل دولي وإقليمي خارجي، قد ساهم فيما آلت إليه أوضاعها، ناهيك عن البنية التي يتكون منها الائتلاف التي لا تصلح لأن تكون أكثر انسجامًا وفاعلية، ومسيرتها التي تتحرك على هديها ضمن سياقات كانت تبتعد كثيرًا عن مستوى الدم السوري المُراق، وتنتابها بين حين وآخر حالات من تمترس مراكز القوى والفاعلين الرئيسيين الذين لايقبلون إلا أنفسهم أو من يدور في فلكهم، وهو ما كان له مفاعيله البائنة على جملة سياسات الائتلاف وآليات الصعود أو الخروج، التي أقل ما يقال فيها أنها تبتعد عن المسار الديمقراطي وفكرة الحرية التي قامت ثورة الحرية والكرامة برمتها على أساسها وضمن غاياتها.
لم يدر في خلد القائمين على الائتلاف أبدًا وخلال سنواته المنصرمة أنه لا بد من أن يكون معبرًا عن جموع السوريين، وأن يسير ضمن أهدافه ومبادئه التي وجد من أجلها، وهي خدمة السوريين وإنجاز العمل الوطني الديمقراطي المطلوب، الذي كان مبرر وجود كل مؤسسات المعارضة وأولها الائتلاف الذي يعدّ المؤسسة الأكبر والأهم وصاحبة الاعتراف الدولي الكبير الذي كاد أن يزلزل أركان النظام السوري، ويضع الائتلاف كممثل شرعي ووحيد في الجامعة العربية وسواها من المنصات الدولية.
لم تفلح كل التغييرات التي تميزت بالشكلانية في إيجاد البديل من داخل مؤسسة الائتلاف ليقتنع الناس وحاضنة الثورة السورية أن ما يجري هو فعل سياسي وإداري حقيقي
كل ذلك وغيره لم يخلق من مؤسسي الائتلاف وكل تكويناته التي لا فرق جوهري بينها من حيث الأداء، أي انبثاقات موضوعية تؤدي إلى إعادة إنجاز الإصلاح الداخلي المطلوب والمنوط به عملًا دؤوبًا وآليات حراك جدي تنتج أو تعيد إنتاج العمل الوطني السوري تحت غاية لا مناص منها وهي المصلحة الوطنية الشعبية أولًا وآخرًا، فلم تفلح كل التغييرات التي تميزت بالشكلانية في إيجاد البديل من داخل مؤسسة الائتلاف ليقتنع الناس وحاضنة الثورة السورية أن ما يجري هو فعل سياسي وإداري حقيقي سوف يتجاوز عن كل الأخطاء المرتكبة عن قصد أو غير قصد بحق الثورة وعذابات الناس خلال كل هذه السنوات.
المهم الآن وقد حصل ما حصل من تغيرات سواء في النظام الداخلي أو على هامشه، وأودت بوجود العديد من الشخصيات البارزة في الائتلاف وبمكوناتها تحت دعوى عدم تمثيلها الجماهيري والحقيقي في الشارع السوري المعارض والثوري، وكأن من بقي داخل الائتلاف يمتلك هذا التمثيل وينجزه، ويعبر عن روح وواقع السوريين الذين يعانون أشد المعاناة خاصة في الشمال السوري والمنافي، ومازلوا يعضون على الجرح دون أية آمال حقيقية في الوصول إلى مبتغاهم في الحرية والكرامة، من هنا فإن من حق الناس كل الناس السوريين الذين لم يجدوا في المعارضة السورية ائتلافًا وغير ائتلاف أي أفعال ميدانية وواقعية تشير إلى ولوجهم الطريق الصحيح وصولًا إلى المضي قدمًا على نهج ومسار الثورة السورية التي انطلقت منذ ما يزيد على أحد عشر عامًا. من حق السوريين حاضنة الثورة ومن ضحّوا بما يزيد على مليون شهيد من أجل الحرية والكرامة أن يضعوا أمام الائتلاف الذي يجري تغييرات قد تعصف بالائتلاف، وهو المؤسسة الكبرى والأهم في قوى الثورة والمعارضة، بعض التساؤلات، التي يمكن أن تتركز حول ما يأتي:
- ما الذي منع الائتلاف وقوى المعارضة السورية وخلال سنواتها المنصرمة من الاعتراف بأخطائها والوقوف أمام الدم السوري وتضحيات السوريين وبكل شجاعة للقول: نحن أخطأنا ومن ثم فإننا نعلن تخلينا عن مناصبنا ليحل بدلًا منا الجيل الأكثر شبابًا والأكثر خبرة ومن ثم أكثر تمرسًا بالعمل السياسي، ليكون الأقدر على إنجاز ما عجزنا عن إنجازه خلال سنوات مضت؟
- لماذا انتظر الائتلاف كل هذه السنوات وكل هذا الأداء الباهت وغير المجدي ليعلن اليوم عن إطلاق تغييرات شكلية، قد لا ترتقي إلى مستوى عذابات الناس، ولا تنجز المطلوب منها شعبيًا؟
- ولماذا صمتت القوى التي نراها اليوم تعلن الحرب على مؤسسة الائتلاف كل تلك السنوات وهي ترى الأخطاء والممارسات أمام أعينها، دون أن تؤتي بأي فعل جدي وواضح، بل تركت المتنفذين وقد تكون منهم، عبر الاستمرار في مسيرة الأخطاء، ومن ثم فهي اليوم وفقط اليوم أي بعد إخراجها عنوة من مفاصل الائتلاف، ومن منافعه الشخصية أو الحزبية لتعلن الانتفاض عليه، بعد أن أصبحت خارجه بفعل التغيير الإصلاحي المفترض؟
- وإذا كان للدور الإقليمي والخارجي فعله فيما آلت إليه الأمور، وإذا كان ذلك معوقًا عن إنجاز التغيير الذي تقول به بعض القوى التي أخرجت أو خرجت، لماذا لم نكن نسمع لها أي رأي في ذلك، يوم كانت الكعكة بين ظهرانيها وينالها من اقتسامها ما ينالها؟
- ثم ما الذي يجعل من الائتلاف مُصرًا على المُضيّ حثيثًا ضمن سياقات ومسارات اللجنة الدستورية لأكثر من سبع جولات متتابعة، واستمرار رحلة الشتاء والصيف إلى جنيف دون تحقيق أي منجز ولو شكلياً في مسيرة اللجنة الدستورية التي تم تجميد كل مسارات جنيف في الانتقال السياسي من أجلها وبلا أي تقدم وما زالوا يتمسكون بها في وقت كانت فيه آراء السوريين من أهل الثورة في الشمال، وبحسب دراسات ميدانية واستطلاعات رأي قامت بها بعض الهيئات، حيث أكدت أن مانسبته 5 بالمئة فقط من السوريين في الشمال السوري هم من يوافقون على استمرار الوفد المفاوض في الوجود ضمن ما يسمى اللجنة الدستورية.
- كذلك فإن كل السوريين أصبحوا في حيرة من أمرهم ولسان حالهم يقول كيف تستمر وفود الائتلاف وبعض الفصائل العسكرية في وجودها ضمن مسار أستانا واجتماعاته المستمرة، وهو الذي لم يحقق للسوريين سوى مزيد من الخيبات وقضم الأراضي المحررة، عبر سياسة مناطق خفض التصعيد وإعادتها قطعة إثر قطعة إلى حضن النظام السوري؟
- ولماذا لم تتحرك جديًا أي مؤسسة من مؤسسات المعارضة وخاصة الائتلاف/ المؤسسة الأكبر وذات العلاقات الإقليمية والدولية، لإطلاق سراح مئات آلاف المعتقلين السوريين وهم الجرح الغائر في جسد السوريين كلهم الذين ينتظرون معتقليهم على أحر من الجمر. وبقيت المعارضة تمارس وجودها في مسارات اللجنة الدستورية وأستانا وأحيانًا سوتشي، دون أن تفكر حتى بوضع شرط أنها لن تدخل في أي مسار تفاوضي من دون إطلاق سراح معتقلي الشعب السوري؟
إذًا المسألة أكبر وأشد مضاضة من كل هذه (التغييرات الإصلاحية) الشكلية التي يشهدها الائتلاف في الأيام الأخيرة، وما زال السوريون في مخيالهم يقولون: يبدو أنه لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، وأمام الائتلاف الوطني وكل المعارضة الكثير والكثير جدًا لإنجازه كي تكون مقبولة شعبيًا، وهي التي ساهمت خلال سنواتها السابقة في إفراغ تمثيلها الحقيقي من محتواه ولم تكن على قدر المسؤولية مطلقًا، وهي التي كان يفترض بها أن تكون المعبّر الأساس والأهم عن طموحات وآمال السوريين وآلامهم أيضًا.