icon
التغطية الحية

الإيكونوميست: ولاية ترمب الثانية ستكون مدوية

2024.11.09 | 15:16 دمشق

ترامب
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ـ رويترز
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما أعلن دونالد ترامب عن فوزه في ساعات الصباح الأولى من يوم السادس من تشرين الثاني أمام حشد متزلف اجتمع عند مركز المؤتمرات بمقاطعة بالم بيتش، لم تكن لديه أدنى كلمة قاسية ليقولها، فلم يشتك أو يبد أي انتقاد مباشر لمنافسته المهزومة كامالا هاريس، أو لسيدها الرئيس جو بايدن، أي أن ذلك المرشح الغاضب الفظ الحاقد الذي رأيناه خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية قد رحل، ليحل محله السيد ترمب الذي تعهد بتوحيد شعب منقسم، تماماً كما فعل عندما أبدى كياسته بشكل مفاجئ في عام 2016 قبل أن يبدأ حكمه الذي اتسم بالاضطراب واستمر لأربع سنوات.

وهذه المرة أيضاً، أتى انتصار ترمب مدوياً بشكل أكبر، حتى إن لم يكن مفاجئاً، إذ لأول مرة خلال الحملات الثلاث التي رشح نفسه فيها لمنصب الرئاسة، حظي ترامب بتصويت الشعب، وبدا بأنه سيفوز في كل الولايات السبع المتأرجحة، وهذا ما منحه هامشاً أكبر في المجمع الانتخابي مقارنة بما حدث معه في عام 2016. ما يعني بأن جميع الولايات الأميركية البالغ عددها خمسين قد اتجهت نحو اليمين، وكل ذلك حدث على الرغم من عزل ترمب مرتين، وهزيمته في انتخابات 2020، ومحاكمته أربع مرات، وإدانته بعدد من الجنح وإثبات تورطه باعتداء جنسي، ناهيك عن تعرضه لمحاولة اغتيال خلال حملته الانتخابية، ولذلك فإن هذه العودة السياسية أكثر عودة لافتة في التاريخ الأميركي، وعن ذلك يعلق روجر ستون أحد أعضاء الحزب الجمهوري مبتهجاً: "إذا أردت أن تحول شخصاً ما إلى أيقونة، حاول أن تسجنه، أو أن تفلسه.. بيد أن كل تلك الأمور فشلت، وجعلت منه شخصية أهم وأشد نفوذاً بوصفه قوة سياسية".

ناخبون ديمقراطيون ساخطون

كانت تلك هي النتيجة نفسها التي تعهد بايدن بمنع حصولها عندما أعلن عن ترشحه لولاية ثانية في نيسان من العام الماضي، بيد أن القرار الذي اتخذه هو ومعاونوه بإخفاء تراجعه عن الشارع الأميركي والصحافة يبدو اليوم بمنتهى الأنانية، وذلك لأن حزبه عندما أجبره في نهاية المطاف على الانسحاب في تموز الماضي بعد أداء كارثي في إحدى المناظرات، لم يعد هنالك وقت كبير أو شهية عارمة لإجراء انتخابات تمهيدية تسودها روح التنافس، وهذا ما جعله يزكي هاريس، أي أنه سلم ترشيح الحزب الديمقراطي لامرأة سرعان ما انهارت حملتها السابقة في الترشح للرئاسة عام 2020.

اعتمدت استراتيجية هاريس على التخلي عن مواقفها التقدمية السابقة لصالح مواقف جديدة معتدلة، إلى جانب الابتعاد عن المقابلات الصعبة لئلا تضطر لأن تشرح عن نفسها، إذ لدى سؤالها عن مواطن اختلافها عن بايدن الذي خسر شعبيته، ردت بالقول: "لم يتبادر إلى ذهني أي شيء"، ولعل استراتيجية المزهرية التي اتبعتها كانت لتنجح لو كانت هاريس هي المرشحة التي يفضلها الشعب بنسب كاسحة، ولكن بالنسبة للناخبين الذين يزعجهم أمر التضخم والهجرة غير الشرعية، لم يبدُ على هاريس أنها تمثل تغييراً مهماً في عيونهم.

أتى أداء هاريس أضعف من أداء بايدن على مختلف الصعد، وبدلاً من الفوز بولاية تكساس الذي بقيت حلماً يراود الديمقراطيين منذ أمد بعيد، خسرت هاريس بـ14 نقطة، وفي عدد من الولايات التي كان من المتوقع لها أن تحقق فوزاً ساحقاً، فازت بنقاط تقل عن عشرة، ومن بين تلك الولايات إيلنوي ونيوجيرسي وفيرجينيا، في حين أن فوزها بفارق إحدى عشرة نقطة في نيويورك يمثل أسوأ أداء للديمقراطيين في هذه الولاية منذ عام 1988.

يبدو بأن الرجال من ذوي الأصول الإسبانية دعموا هاريس بشدة، وهذا ما يمثل جرحاً غائراً بالنسبة للتحالف الديمقراطي، إذ في عام 2016، فاز الديمقراطيون بنسبة 64% في الانتخابات التي أقيمت بمقاطعة ميامي-ديد بفلوريدا، وفي عام 2022، هبطت النسبة إلى 53%، وخلال هذه السنة حصد الديمقراطيون 44% فقط، على الرغم من أن أداء هاريس كان أفضل في المناطق ذات الغالبية البيضاء، وخاصة في تلك الولايات التي تشتمل على عدد كبير من الناخبين الحاصلين على شهادات جامعية، كما تراجعت شعبية هاريس في المدن التي تعتبر مراكز لتأييد الحزب الديمقراطي.

بالمقابل، كسب ترامب شعبية كبيرة في المناطق التي تعاني من ظلم كبير، ومن ارتفاع تكاليف السكن، ومن وجود جالية كبيرة من الأجانب فيها، إذ عن كل نقطة مئوية لزيادة عدد الأجانب عن متوسط عدد المواطنين في مقاطعة ما، تراجع تأييد الديمقراطيين بنسبة 0.17% ما بين عامي 2020-2024.

وقبل أيام من إجراء الانتخابات، عندما اتضح تقارب أعداد المصوتين لهاريس بشكل مثير للقلق، هدأ ناشطو الحزب الديمقراطي من روعهم عبر تأكيدهم بأن الناخبات سيدفعن بهاريس نحو الفوز، بما أن كل واحدة منهن ستتحدى زوجها، بسبب حنقها على إفراغ المحكمة العليا لحق الإجهاض الذي يكفله الدستور من محتواه في عام 2022، ولقد كان السخط على هذا القرار جلياً تماماً، وذلك لأن الناخبين في ولاية أريزونا وميسوري ومونتانا ونيفادا وافقوا على إجراء استفتاءات تكرس حق المرأة في الإجهاض، لكن ذلك لم يمنع كثيرين منهم عن التصويت ضد المرشحين الديمقراطيين في الوقت ذاته. ففي فلوريدا، وصل الاستفتاء الذي أجري لحماية الحق بالإجهاض إلى أن تنفخ الروح في الجنين إلى الحد الأدنى المطلوب وهو 60%، على الرغم من أن الولاية بأكملها صوتت لترامب بفارق 13 نقطة.

وهنا يواسي بعض الديمقراطيين أنفسهم بالقول بأن جميع الأحزاب التي حكمت في العالم تعرضت لانتقادات لاذعة من الناخبين الساخطين على الوضع الاقتصادي، ويأتي على رأس تلك الأحزاب حزب المحافظين في بريطانيا، والحزب النهضوي الذي يتزعمه إيمانويل ماكرون بفرنسا، والحزب الليبرالي الديمقراطي في اليابان، والفرق هنا يمكن في أن الاقتصاد تطور بشكل سريع في أميركا، كما ارتفعت الأجور، وخفف الاحتياطي الفيدرالي من حدة التضخم بشكل بالغ، كما بدأ بتخفيض نسب الفائدة، وعلى الرغم من فشل هاريس بتمييز نفسها عن رئيسها، فإنها أبدت تعاطفها على الأقل تجاه ارتفاع الأسعار وقدمت حلولاً (مضللة) مثل حظر التلاعب بالأسعار، بيد أن نسبة الساخطين ظلت عالية.

لعل الديمقراطيين الميالين لتفسير هزيمة هاريس على أنها تمثل موجة عالمية لمعاداة الأحزاب التي وصلت إلى الحكم قد فاتهم شيء أهم، إذ في عام 2016، عندما هزم ترمب هيلاري كلينتون، رفض الديمقراطيون هذه النتيجة بوصفها تزويراً للانتخابات سببه العنصرية والتمييز على أساس الجنس والتضليل الإعلامي الروسي، ولكن خلال هذا العام، ومع فوز ترمب بالتصويت الشعبي بفضل الدعم الذي قدمه له تحالفه مع الطبقة العاملة ذات الأعراق المتعددة، لم يعد هنالك من يؤيد تلك الحجج. كما من الصعب أن نثبت بأن هاريس تعرضت لتمييز على أساس الجنس بما أنها لم تسلط الضوء على جنسها إلا بنسبة ضئيلة خلال الانتخابات، وذلك بحسب رأي جون سايدس من جامعة فانديربيلت.

وتعليقاً على ذلك، تقول لين فافريك من جامعة كارولينا بلوس أنجلوس: "لقد فكر الشعب وقال: لماذا يؤيد هؤلاء الرجال السود ومن ذوي الأصول اللاتينية ترمب؟ الجواب: لأنهم محافظون"، أي أن توجه الحزب الديمقراطي نحو سياسة ذات هوية يسارية خلال السنوات القليلة الماضية، والجدل الذي قام حول عدم تجريم الهجرة غير الشرعية، وعدم تمويل جهاز الشرطة، والترويج لنظرية نقد الأعراق، كل ذلك جعل هذا الحزب يخسر شعبيته بين الأقليات، وهذا هو المقصد هنا، إذ على الرغم من أن الديمقراطيين من أمثال هاريس قد تراجعوا عن تلك الأراء وشرعوا بتقليد نهج ترمب في التعامل مع الجريمة والتجارة والهجرة، نجدهم قد فشلوا في وقف خسارتهم للسود وذوي الأصول الإسبانية، والعمال المنتمين للنقابات.

أخطأ الديمقراطيون عندما اعتقدوا بأن الناخبين المترددين سينبذون ترمب بسبب ما فعله في السادس من كانون الثاني عام 2021، وذلك عندما اقتحم حشد من أنصاره مبنى الكابيتول لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى هزيمته. لذا فإن ما يسميه السياسيون بالتعصب الحزبي السلبي، أو احتقار الآخر، قد اشتد عوده في أميركا خاصة في ظل نظام الحزبين.

وتعليقاً على تلك النزعة، يقول لي دورتمان من مؤسسة أميركا الجديدة ذات التوجهات اليسارية: "إن هذه الحلقة المفرغة باتت أمراً واقعاً، وهذا الوضع يتجه نحو الأسوأ، فقد كانت الانتخابات مقرفة وبشعة إلى أبعد الحدود.. لكن الشعب صوت لترمب بنسبة كبيرة لأنه جمهوري". لذا فإن المرشح الوحيد الذي استبعده الناخبون بالنتيجة عن الرئاسة هو جو بايدن، نظراً لكبر سنه وليس بسبب سلوكياته، أما ترمب الذي فاز بالانتخابات (والذي وصل إلى عمر 78 سنة وهذا ما جعله يفقد توازنه في بعض الأحيان بسبب كبر سنه) فسيعود إلى المكتب البيضاوي بعد فترة تقل عن 75 يوماً.

عاد لينتقم

في اعترافها بالهزيمة في الانتخابات في السادس من تشرين الثاني الجاري، حثت هاريس الديمقراطيين على تعزيز "روح التفاؤل" و"الإيمان" حتى مع شعورهم بأن أميركا "قد دخلت في عصر مظلم"، أما ترمب فسيؤدي اليمين الدستورية على الدرج الغربي لمبنى الكابتول في العشرين من كانون الثاني من عام 2025، ليعود بذلك إلى السلطة بطريقة ديمقراطية من المكان الذي حاول مؤيدوه قبل أربع سنوات أن يعيدوه إلى السلطة بالقوة، ولقد تعهد ترمب بطرد المستشار الخاص جاك سميث في غضون ثانيتين، وذلك بعد اتهامه له بجرائم تتصل بطريقة تعامله مع وثائق سرية ومحاولته تخريب نتيجة الانتخابات في عام 2020 (ولهذا ثمة من يقول بأن سميث المعترف بحتمية وقوع ذلك، ألغى تلك الملاحقات القضائية قبل كل هذا)، وفي إحدى المرات، أخذ ترمب يتخيل نفسه وهو يتصرف كديكتاتور في يومه الأول من الحكم، فقال: "سنغلق الحدود، وسنحفر ونحفر ونحفر، وبعد ذلك، لن أكون ديكتاتوراً".

سواء أكان ترمب ديكتاتوراً أم لا، يجب عليه أن يحكم من دون قيود نسبياً، فقد فقد الديمقراطيون السيطرة على مجلس الشيوخ، عندما خسروا مقاعدهم في أوهايو ومونتانا وويست فيرجينيا، ما يعني بأن الجمهوريين سيشغلون ما لا يقل عن 52 مقعداً من أصل 100 في المجلس، وهذا لابد أن يتيح لمرشحي ترمب في ذلك المجلس بالوصول إلى تلك المناصب بالتأكيد، ومن بينهم هؤلاء الذين سيشغلون المناصب الشاغرة في المحكمة الدستورية، وهذا بدوره سيطلق يد ترمب نسبياً في اختيار من يريد في الحكومة وفي غيرها من المناصب العليا.

على الرغم من أن السيناتورات المعتدلين من الحزب الجمهوري مثل سوزان كولينز من مين، أو ليزا موركوفيسكي من آلاسكا قد يعترضون على وجود مرشحين لمناصب قضائية أو تنفيذية غير أكفاء، فسيتعين عليهم عندئذ اختيار الحروب التي سيخوضونها. ومن المتوقع لقيادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ أن تكون على المستوى نفسه من الحذر، بيد أن الأسوأ بالنسبة للديمقراطيين يتمثل بفرصهم الضئيلة في العودة إلى المجلس في عام 2026، نظراً لوجود عدد أقل من المقاعد التي ستكون متاحة أمام التصويت في الانتخابات خلال ذلك العام، ولكن ثمة سبب منطقي يدفع للاعتقاد بقدرة الديمقراطيين على تغيير ذلك الواقع، ولهذا قد يصل الأمر بترمب إلى تعيين أغلبية مؤلفة من تسعة أعضاء لدى المحكمة العليا، بعد أن اختار ثلاثة قضاة خلال ولايته السابقة.

ولتمرير قانون كهذا، سيحتاج ترمب إلى سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب أيضاً، ومن المرجح لذلك أن يحصل هو أيضاً. بيد أن الهيمنة على هذا المجلس ستبقى في موضع الشك على مدار عدد من الأيام مع حسم نتيجة الانتخابات المتقاربة جداً في ولايات بطيئة بعد الأصوات وفرزها، مثل ولاية كاليفورنيا. ولكن من غير المعهود أن يفوز رئيس جديد بمنصبه من دون أن يفوز حزبه بالصدارة في مجلس النواب. وعلى أية حال، تبدي أسواق المراهنات ثقتها التامة بهيمنة الجمهوريين على الكونغرس في نهاية المطاف، كما حدث معهم في الرئاسة.

خلال ولايته الرئاسية الأولى، بدد ترمب معظم رأسماله في المجال التشريعي على محاولة فاشلة لإلغاء قانون أوباما كير، أما القانون الذي حمل توقيعه، وهو قانون خفض الضرائب والوظائف، فقد أحيل إلى زعيمين من زعماء الحزب الجمهوري في ذلك الحين، وهما بول ريان وميتش ماكونيل، وكلاهما لا يؤيدان شعار: "لتجعل أميركا عظيمة من جديد". لذا من المرجح لترمب في هذه المرة أن يتعامل مع قيادات يستوعبونه بشكل أكبر، أما الكونغرس فقد يبدي رغبته بفرض تمديد يقضي بخفض الضرائب الشخصية بموجب قانون خفض الضرائب والوظائف، بما أن أغلب بنوده ستنتهي صلاحيتها خلال العام المقبل. وبناء على الممارسات التي تمت مؤخراً، يرجح لمشروع القانون هذا أن يتحول إلى حزمة شاملة تضم الأولويات المالية لترمب، والتي قد تشمل استعادة بعض المعونات الخضراء التي قدمها بايدن، والحصول على تفويض من الكونغرس بشأن بعض التعرفات الجمركية القاسية وذلك للتعويض عن كم كبير من التخفيضات الضريبية الإضافية التي وعد ترمب بها خلال حملته الانتخابية.

وبالطبع، لم يبد ترمب في السابق أي اهتمام في عملية التشريع الطاحنة، بل جذبته بصورة أكبر تلك الصلاحيات الرفيعة التي تتمتع بها الرئاسة الإمبراطورية، ولذلك سيمارس سلطاته على الفور، وبما أنه تعهد بترحيل جماعي لـ12 مليون أو يزيدون من المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في البلد، لذا فإن ترمب قد يستعرض متابعته لذلك ووفاءه بوعده على الرغم من العقبات اللوجستية والقانونية الهائلة التي تعترض سبيله. وبالشكل ذاته، قد يحس ترمب أنه مجبر على البدء برفع التعرفات الجمركية المفروضة على معظم السلع المستوردة، وخاصة تلك الآتية من الصين، مما سيؤدي إلى ظهور تحديات قانونية فورية وسريعة في أميركا، كما قد يتسبب بفرض تعرفات جمركية انتقامية في الخارج. هذا ويمكن لترمب أن يستعين بسلطته في مجال العفو حتى يبرئ ليس فقط نفسه من عدد من الجرائم الفيدرالية التي اتهم بها، بل أيضاً ليبرئ من أدينوا بجرائم العنف في أحداث 6 كانون الثاني.

في هذه المرة، سيجري نزع أنياب الدولة العميقة بشكل حازم أكثر، بما أن ترمب تعهد بتحقيق ذلك خلال ولايته الأولى، ولهذا تستعد أجهزة المخابرات لمواجهة آثار ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لأرفع الموظفين في الدولة الذين يلعبون أدواراً مهمة في صناعة القرار، وذلك لأن ترمب سيسهل أمور طرد هؤلاء، كما سيزيد القلق بين أوساط الدبلوماسيين الأجانب، أما حلفاء أميركا في أوروبا فقد أصبحوا يفكرون بعصبية بما يمكن أن يحدث في حال تخفيض ترمب دعمه لأوكرانيا بشكل مفاجئ، أو في حال تقويضه بشكل خطير للتحالف الأمني لحلف شمال الأطلسي. أما الصين فستنظر إليه بعين الحذر، وسيتساءل الحلفاء الآسيويون الذين أمضى ترمب سنينا طويلة وهو يغازلهم عما إذا كانت علاقة الود بينهم وبين أميركا قد انتهت أم لما تنته بعد.

يعتمد قدر كبير من تلك التساؤلات على من سيعينهم ترمب في المناصب الكبرى، وفي ذلك ما يدفع للقلق بشكل كبير، وذلك لأن معظم الجمهوريين الذين لديهم إنجازات رفضوا أن يشغلوا مناصب في إدارته الأولى، ومعظم من اعتقدوا بأن بوسعهم تحمل ذلك انتهت بهم الأمور بالانسحاب، وذلك لأن أعمال الشغب التي وقعت في السادس من كانون الثاني تسببت بتضاؤل أعداد من يشغلون تلك المناصب، ومع ذلك مايزال هنالك عدد من الراشدين الذين يتنافسون على تلك المناصب، ومن بينهم سكوت بسينت وهو مستثمر ثري يطمح لأن يصبح وزير الخزانة، والسيناتور بيل هاجيرتي من تينيسي الذي يسعى إلى شغل منصب وزير الخارجية وتوم كوتون من آركنساس، الذي يود أن يصبح وزيراً للدفاع. بيد أن الدائرة المقربة من ترمب مؤلفة من منافقين وانتهازيين، لهذا من المفيد أن نتحدث خلال السنين الأربع القادمة عن مصطلح الكاكيستوقراطية بما أنها تعني المجتمع الذي يحكمه أسوأ الناس وأقلهم أهلية.

الشعبوية الترمبية

كائناً من كان، سيواجه وزير الأمن القومي لدى ترمب مهمة صعبة تتمثل بتنفيذ عمليات ملاحقة واسعة النطاق لتصيد المهاجرين غير الشرعيين، ولعل ذلك سيقابل بمعارضة شعبية عارمة. والأهم من ذلك سيكون اختيار ترمب لمن سيشغل منصب النائب العام، إذ على الرغم من تهجم الديمقراطيين على جيف سيشنز وبيل بار اللذين شغلا منصب النائبين العامين في ولاية ترمب الأولى وذلك بسبب تجاهلهما للقانون إرضاء لما يريده ترمب، تبين بأن لدى كل منهما جسارة أكبر مما اعتبره ترمب على الأقل ملائماً، ولذلك من المرجح له أن يختار مرشحاً أضعف لهذا المنصب في هذه المرة.

هذا ولدى الرئيس المنتخب مخططات شاملة من أجل وزارة العدل، فهو يرغب بإلغاء استقلاليتها وتحويلها إلى جيش قانوني تابع له يمارس عمليات مقاضاة وملاحقة انتقائية بحق خصومه السياسيين، فهو يعتبر ذلك بمنزلة انتقام على القضايا التي رفعت ضده. وعلى الرغم من أنه من المرجح للقضاة الفيدراليين أن يكبحوا جماح أسوأ ما لدى ترمب من دوافع، فإن تدخلاتهم ستصبح أقل بما أن تعيينات الرئيس ستغير وبالتدريج تركيبة السلطة القضائية.

لقد قدم ترمب نفسه بكل وضوح على أنه شخصية مهتمة بخلق تحولات في السياسة الأميركية، ولهذا قام بإعادة رسم شكل المذهب المحافظ الأميركي بشكل كامل، وحوله بالقوة إلى مذهب قومي وتجاري وانعزالي يسعى وراء رفاهية المجتمع. وهكذا أقصيت النخبة الجمهورية القديمة والتي رفض أعضاؤها بشكل واضح تأييد ترمب أو حتى المصادقة على هاريس. وبخلاف مايك بينس، فإن نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس يعتبر معاوناً متحمساً للترمبية كما أنه سيصبح وريثاً لتلك الحركة عند انتهاء فترة ترمب في السلطة عام 2029.

لم تنجح الثورة الترمبية في السيطرة على الحزب الجمهوري والبيت الأبيض (مرة أخرى) فحسب، بل أيضاً أخذت تدفع نحو قيام إصلاحات تراها الأحزاب اليمينية في مختلف بقاع العالم أنها تتبع للمذهب المحافظ، أما الشعبوية الترمبية فحدث عن انتشارها ولا حرج، ولهذا يتعين على الديمقراطيين، كما بدا واضحاً من خلال هزيمة هاريس، أن يخرجوا بصيغة تعمل على وقف تقدم هذه الثورة الترمبية، لكن الأسوأ من كل ذلك، هو أن معظم الديمقراطيين باتوا في حالة إنكار للدرجة التي وصلت إليها تلك المشكلة، فالدستور الأميركي قد يمنع ترمب من الترشح لولاية أخرى، لكنه لن يضع أي قيود على انتشار أفكاره.

 

المصدر: The Economist