icon
التغطية الحية

الإيكونوميست: هل ترحب الصين بحرب إيران مع إسرائيل أم تخشى وقوعها؟

2024.10.22 | 10:26 دمشق

آخر تحديث: 22.10.2024 | 10:30 دمشق

الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي (إلى اليسار) برفقة رئيس الصين شي جين بينغ وخلفهما أعلام البلدين- المصدر: الإنترنت
الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي (إلى اليسار) برفقة رئيس الصين شي جين بينغ وخلفهما أعلام البلدين- المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الشهر الماضي، تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، فساهمت الصين بتنظيم مهرجان سينمائي صيني في العاصمة الإيرانية طهران، وافتتح هذا المهرجان بفيلم مهم هو فيلم: "معركة بحيرة تشانججين" الذي يتحدث عن بطولة الجنود الصينيين الذين حاربوا القوات الأميركية في الحرب الكورية بين عامي 1950-1953، وفيه نرى شخصية ماو زيدونغ وهي تنصح زملاءها بالقول: "اضربوا ضربة واحدة لتجتنبوا مئة ضربة"، ثم أعرب أصحاب المدونات من أنصار الفكر القومي الصيني ارتياحهم لعرض الفيلم، فكتب أحدهم ممن يحظون بمتابعة وشهرة واسعة: "لا يمكن لإيران أن تقف مكتوفة الأيدي، حتى ولو كانت الولايات المتحدة تقف خلف إسرائيل".

في الوقت الذي يمعن المسؤولون الصينيون التفكير بالعنف الدائر في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين، نجد بأن توقهم للتصعيد ضعيف جداً، فقد أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ على إسرائيل في الأول من تشرين الثاني، ثم هاجمت إسرائيل وكلاء إيران بلا هوادة في كل من غزة ولبنان، بيد أن كل ذلك أقض مضجع الصين على الرغم من أنها تتفوق بقوتها ونفوذها على محور مؤلف من أربع دول يضم إلى جانب الصين كلاً من إيران وكوريا الشمالية وروسيا، غير أن هذه الدول أصبحت تمثل ما يسميه الغرب: "محور الاضطرابات" و"رباعية الفوضى"، إذ تشترك تلك الدول الأربع بازدرائها للنظام العالمي الذي ترأسه أميركا واستعدادها لتدميره، أما تعاملاتها الأمنية مع بعضها فتتم في الظل غالباً، ولكن على الرغم من استعراض الصين لعضلاتها فيما يخص تايوان، ثمة حدود تكبح شهوة الصين للنزاعات.

علاقة الصين بإيران

تمثل علاقة الصين بإيران ورطة لها، إذ يبدي قادة بكين قدراً كبيراً من التعاطف مع نظرة إيران للعالم، وخلال العام الفائت، حصلت إيران على عضوية كاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي عبارة عن ناد أمني واقتصادي أوراسي تهيمن عليه الصين وروسيا. وفي شهر كانون الثاني، انضمت إيران لمجموعة دول البريكس التي تحاول الصين وروسيا أن تعززها وتدعمها لتتحول إلى معقل للدول التي تشكك في الغرب.

تستفيد الصين أيضاً من التوريد الإيراني الغزير للنفط، ولهذا من الصعب تحديد حجم هذه التجارة وذلك بسبب الخطط الموسعة التي تستعين بها الصين وروسيا لتجنب العقوبات الأميركية. بيد أن التقديرات تشير إلى نسبة تتراوح ما بين 10-15% من واردات النفط الخام التي تصل إلى الصين، ما يمثل معظم صادرات إيران من الوقود.

وبما أن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط الأجنبي، لذا بات يقلقها احتمال تأثير توسع الحرب الدائرة في الشرق الأوسط على إمدادها بالنفط وعلى أجور العاملين في هذا القطاع، وذلك لأن إيران تبيع نفطها بسعر زهيد، لذا فإن أي غارة إسرائيلية تستهدف مقار النفط الإيرانية يمكن أن تجبر الصين على الاعتماد بشكل أكبر على جهة مصدرة أخرى لكنها تفرض تكاليف أعلى، كالسعودية مثلاً، وأيضاً يمكن أن تتعرض الشحنات السعودية للاعتراض في مضيق هرمز أو البحر الأحمر بسبب الغارات الصاروخية التي تشنها إيران أو الحوثيون الذين تدعمهم إيران في اليمن.

لكن الوضع لن يكون كارثياً بالنسبة للصين في تلك الحالة، وذلك لأن هنالك اعتقاداً يرى بأن الصين تمتلك احتياطياً يكفيها لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر في حال خسارتها لتلك الواردات، كما أن النفط يمثل 18% من واردات الصين من الطاقة، مقارنة بأميركا التي تبلغ وارداتها من الطاقة 34%. بيد أن قيام حرب كبرى قد يهدد المصالح التجارية للصين في الشرق الأوسط، وذلك لأنها أغدقت مليارات الدولارات على مشاريع طاقة وبنية تحتية، خاصة في دول الخليج مثل السعودية والإمارات. وتعد إسرائيل أيضاً من الدول التي حظيت باستثمارات صينية (على الرغم من دعم الصين للقضية الفلسطينية).

مبادرة الحزام والطريق

تراقب الصين حالة تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، فتستشعر في ذلك فرصة سانحة أمامها، ولهذا أقامت علاقات وطيدة مع إيران، وكذلك مع السعودية وغيرها من أعداء إيران، وتصف الصين أكبر استثماراتها في المنطقة بأنها جزء من مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة عالمية لبناء بنية تحتية تهدف لدعم التجارة والنفوذ الصيني. والنهج الذي تنتهجه مبادرة الحزام والطريق والذي لا يولي أي اهتمام بالسياسة يسهم في تقديم الصين كقوة لا يهمها التدخل بالمنطقة، بل كقوة تسعى إلى تعزيز صورتها في دول العالم الثالث التي ترى فيها قوة تعادل قوة أميركا من حيث وزنها وثقلها.

ولكن مع أولى البوادر التي هددت بتوسع النزاع في الشرق الأوسط، ومع احتلال إيران موقع الصدارة في هذا النزاع بما أنها أهم دولة صديقة للصين، كاد أن يفتضح أمر العجز الدبلوماسي للصين في المنطقة، على الرغم من محاولتها إظهار عكس كل ذلك، إذ خلال شهر آذار من العام الفائت، توسطت الصين لإتمام المراحل النهائية من اتفاق أبرم بين إيران والسعودية وهدفه إحياء العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت منذ أمد بعيد بينهما. وفي شهر تموز من هذا العام، أعلن الفصيلان الفلسطينيان المتناحران، أي فتح وحماس، عن اتفاق غامض عقد في بكين ويهدف إلى التعاون في تشكيل حكومة جديدة تمثل الشعب الفلسطيني بمجرد أن تضع الحرب في غزة أوزارها.

بيد أن كل تلك التحركات لم توقف العنف، إذ رفضت إسرائيل "إعلان بكين" لأنها لا ترغب بمنح حماس أي دور في المناطق الفلسطينية، كما أن اعتماد إيران على الصين في استيرادها للنفط الإيراني قد يعطي ظاهرياً نفوذاً للصين وسلطة تمارسها على الجمهورية الإيرانية، ولكن يبدو أن الصين ترى بأن هنالك فوائد أعظم ستجنيها في حال تورطت أميركا في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وهذه الفوائد أكبر بكثير من الفوائد التي ستحصل عليها في حال أبقت إيران تحت سيطرتها، إذ تعتقد الصين بأن تشتت أميركا في حروب بين أوكرانيا والشرق الأوسط قد يضعف رغبتها بمواجهة الصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي.

لكن هذا لا يعني بأن الصين متلهفة لتأجيج الصراع وصب الزيت على النار، لأن العلاقات الأمنية التي تربط بينها وبين إيران محدودة، وفي تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي خلال هذا الشهر، ورد بأن هنالك إشاعة عن تزويد الصين لإيران بتقنية الأقمار الصناعية دعماً للبرنامج الإيراني للصواريخ البالستية، بيد أن الاتفاق الذي أبرم في عام 2021 لم يترتب عليه سوى قدر ضئيل من التعاون العسكري بينهما، بصرف النظر عن بعض التدريبات المشتركة التي يعتبرها محللون غربيون متخصصون بالمعلومات الاستخبارية غاية في الأهمية. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق يلوح بقيام استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار على مدار 25 عاماً في الجمهورية الإيرانية، لم تبد الصين أي لهفة لإغداق المال على إيران.

علاقة الصين بروسيا

هذا ويمثل العضوان الآخران في رباعية الفوضى قلقاً أكبر بالنسبة للصين، وذلك لأن كلاً من روسيا وكوريا الشمالية تشتركان بحدود مع الصين وتتصرفان كمناطق عازلة أمام أي اعتداء تمارسه القوة الأميركية، ولكن الصين لم تعط أياً من هاتين الدولتين ثقتها الكاملة، ولذلك نجدها تقدم دعماً تقنياً هائلاً لصناعة الدفاع الروسية، في حين تقف ضد تزويدها بالأسلحة حتى لا تستخدمها في أوكرانيا (على الرغم من الشراكة الصينية مع روسيا التي يصفها كلا الطرفين بأن لا حدود تقف في طريقها)، كما أوضحت الصين معارضتها لتلويح روسيا باستخدام الأسلحة النووية في ذلك النزاع.

العلاقة المضطربة مع كوريا الشمالية

وفيما يخص كوريا الشمالية، فإن الصين لم تمنعها من التزود بالأسلحة النووية، بيد أن هذه الخطوة أثارت غضبها بشكل واضح، ولعل الصين نظرت نظرة متشائمة للاتفاق الذي اتخذ شكل معاهدة دفاعية والذي أبرمته كوريا الشمالية مع روسيا في شهر حزيران الفائت، إذ بما أن روسيا موجودة ضمن هذا الخليط، فإنها تهدد الصين بفقدان شيء من نفوذها وهيمنتها على كوريا الشمالية.

تجد الصين في كلتا صديقتيها المستبدتين فائدة تتمثل بمضايقة أميركا وقض مضجعها، بيد أنها تتعامل معهما بحذر هي أيضاً، وتبدي لهما شهوة ضئيلة تجاه أي مخاطرة أو تهديد مقارنة بالعضوين الآخرين ضمن رباعية الفوضى. أما في الشرق الأوسط، فنكتشف انعدام رغبة الصين بالتورط في صراع معقد، إذ في حال تطورت الأمور فعلاً بين إسرائيل وإيران، فمن المرجح لقادة بكين أن يتنحوا جانباً ويتخذوا وضعية المراقب وهم يتمنون كل الخير لمصالح الصين مع استمرار بقائها على الرغم من تبادل إطلاق النار بين الطرفين.

 

المصدر: The Economist