تستمر حكومة الإنقاذ في إدلب بفرض سيطرتها على الأجسام النقابية الحرة العاملة في المحافظة وكان آخرها السيطرة على فرع إدلب لنقابة المحامين وتحويله إلى نقابة مستقلة رغم وجود نقابة للمحامين في الشمال السوري، ومن ثم إصدار تعميم يمنع المحامين من خارج النقابة الوليدة التابعة للإنقاذ من الترافع أمام محاكم وزارة العدل فيها.
منذ انطلاقة الثورة السورية كان للمحامين والحقوقيين دور بارز في مساندة المتظاهرين وكانوا سباقين في تنظيم صفوفهم في أجسام نقابية منظمة وبدؤوا بالترافع أمام المحاكم الثورية في مختلف المناطق انطلاقاً من عام 2013 وقد ذاع صيت هيئة محامي حلب الأحرار آنذاك، واستمر المحامون الأحرار بتنظيم أنفسهم وعقد الاجتماعات التشاورية فيما بينهم لتكون نقابة المحامين الأحرار في سوريا والتي أعلن عن تشكيلها بتاريخ 21-12-2019 تتويجاً لتلك الجهود.
وضمت النقابة المركزية المُشَكلة مئات المحامين تحت تسعة فروع لكل من: حلب وحماة وحمص والرقة ودير الزور والحسكة ودرعا واللاذقية وفرع لدمشق وريفها. بينما اعتذر فرع إدلب عن الانضمام للنقابة المشكلة لأسباب لم يفصح عنها آنذاك، لكن مصادر خاصة من فرع إدلب تحدثت لموقع تلفزيون سوريا أن سبب عدم انضمام فرع إدلب للنقابة رغم حضوره كثيراً من الاجتماعات التشاورية والتمهيدية قبيل إعلان تشكيل النقابة يتعلق بشخص رئيس الفرع المحامي عبد الوهاب الضعيف والذي وصفته المصادر بالتابع لحكومة الإنقاذ، وليبقى بعدها فرع إدلب وحيداً خارج نقابة المحامين الأحرار في سوريا.
تضييق على المحامين ودفع المنتخبين للاستقالة
تشكيل حكومة الإنقاذ لنقابة خاصة بها لم يكن قراراً وليد اللحظة، فهو نتاج سلسلة من إجراءات التضييق التي مارستها بحق المحامين منذ عام 2018 حين دهمت في منطقة خان العسل قرب حلب مكتب محامي حلب الأحرار، واستمرت إجراءات التضييق عبر إهانة بعض المحامين بتفتيشهم عند دخول المحاكم، ومنعهم من إدخال هواتفهم الشخصية معهم إلى المحاكم، وتوقيف أحد المحامين من قبل طالب علم شرعي وسجنه لبعض الوقت، وانتهاءً برفض نتيجة الانتخابات الحرة التي قام بها فرع إدلب في نقابة المحامين في الـ 26 من أيلول عام 2019 والتي حضرها 277 محامياً من العاملين في فرع إدلب.
وبعد تشكيل لجان للانتخابات والطعون بما يتوافق مع النظام الداخلي للفرع وتقدم 20 مرشحاً منهم للانتخابات حيث نجح 7 مرشحين في إدارة مجلس الفرع، هم أحمد دخان وغسان المري وعماد اليماني وسامح جرود ومحمد سلامة وحمد العبدو وعبد الوهاب الضعيف، وليجري السبعة الناجحون انتخابات فيما بينهم لرئاسة الفرع ترشح إليها كل من عبدالوهاب الضعيف (رئيس الفرع السابق) ومحمد سلامة وانتهت بفوز محمد سلامة بالفوز برئاسة الفرع، الأمر الذي دفع بالضعيف المقرب من الإنقاذ بحسب المصادر لرفض نتيجة الانتخابات والاعتراض عليها وعدم قبول عودته كعضو في مجلس الفرع بعدما كان رئيساً وتقديمه الاستقالة.
أيضاً وزارة العدل في حكومة الإنقاذ ناصرت الضعيف وأعلنت رفضها نتيجة الانتخابات بذريعة عدم دعوتها لحضور المؤتمر الانتخابي، ولم تعترف بمجلس الفرع المشكل بعد الانتخابات، لتجري بعدها لقاءات بين مجلس الفرع ووزارة العدل عرض خلالها مجلس الفرع على الوزارة إعادة إجراء الانتخابات بحضور وإشراف الوزارة التي رفضت العرض أيضاً، وأتبعته بقرار يقضي بإيقاف وكالات المحامين في محاكمها وبذلك تعطل عمل النقابة وتم التضييق على المحامين ومحاربتهم في لقمة عيشهم.
وهذا ما دفع رئاسة مجلس الفرع للاستقالة التي لم تقبلها وزارة العدل أيضاً، وردت عليها بتشكيل لجنة تسيير أعمال للفرع ريثما يتم إجراء انتخابات جديدة، لكن هذه اللجنة بدأت تمارس أعمال رئاسة الفرع بشكل كامل ولم تلتزم بمهمتها كلجنة تسيير أعمال وامتد عملها المؤقت من نهاية 2019 وحتى منتصف العام الجاري وبرئاسة المحامي عبد الوهاب الضعيف المقرب من الحكومة.
تشكيل نقابة تابعة للإنقاذ وإقصاء غير المنتسبين إليها
حكومة الإنقاذ وفي نهاية آذار من العام الحالي وبقرار صادر عن رئيسها حولت فرع إدلب إلى ما سمّته "نقابة المحامين السوريين الأحرار" بالرغم من وجود نقابة مركزية في الشمال السوري تضم المحامين من مختلف المحافظات السورية، وبالرغم من مخالفة النقابة لشروط قيام النقابات فهي تقتصر على محامي فرع إدلب فقط ولا تضم محامين من فروع أخرى .
لم تكتف حكومة الإنقاذ بتشكيل نقابة للمحامين تتبع لها بل استمرت في التضييق على بقية المحامين في الشمال السوري ومحاولتها إجبار المحامين على العمل تحت مظلتها، فأصدر وزير العدل فيها أنس سليمان في الـ 11 من تموز الفائت التعميم الذي حمل الرقم 5 والذي ينص على جملة من القرارات أبرزها المادة 1 والتي جاء في نصها: "للمحامين المنتسبين لنقابة المحامين السوريين الأحرار دون غيرهم حق مزاولة مهنة المحاماة، والترافع أمام محاكم وزارة العدل"
التعميم الذي أقصت مادته الأولى مئات المحامين في الشمال السوري وحرمتهم من العمل ومزاولة المهنة في إدلب ومنعتهم من تسلم القضايا والترافع أمام المحاكم في حال لم ينتسبوا للنقابة التي شكلتها الإنقاذ، وذلك بمحاربة واضحة للمحامين في لقمة عيشهم ومحاولة لإجبارهم على الرضوخ لحكومة الإنقاذ والتبعية لها، وهو ما يراه المتضررون منافياً لصفات وأخلاق مهنة المحاماة، حيث إن المحامي يجب أن لا يتقيد عمله بقرارات حكومية بل يخضع لنقابات حرة تنظم عمله لا تضعه بين خيارات الخضوع أو الإقصاء.
أيضاً طلبت النقابة المشكلة من الإنقاذ حديثاً من محامي فرع إدلب الذين أرادوا النأي بأنفسهم وعدم العمل في الوقت الحالي في النقابة التابعة للإنقاذ، ترقين قيدهم من جدول المحامين، مما يعني عدم احتساب الفترة الزمنية التي لم يمارسوا العمل بها في النقابة التابعة لحكومة الإنقاذ من مسيرة حياتهم المهنية وهو ما يؤثر عليهم في تأخير السن التقاعدي وراتبه أيضاً.
نقابة المحامين الأحرار ترفض قرار الإنقاذ والأخيرة لا تجيب على التساؤلات
نقابة المحامين الأحرار أعلنت رفضها للتعميم الصادر عن حكومة الإنقاذ وأصدرت بياناً أكدت فيه أنها كيان وطني ثوري مستقل، وجسم جامع لجميع المحامين الأحرار في سوريا، وكما رفضت محاولة أي جهة تمزيق هذا الجسم خدمة لمصالح وأيديولوجيات ضيقة، في إشارة ضمنية لحكومة الإنقاذ، وكما دعت النقابة عبر موقع تلفزيون سوريا حكومة الإنقاذ التراجع عن قرارها باستحداث نقابة مستقلة لكون هذا الإجراء يشتت شمل المحامين ويضر بهم وبالمواطنين.
محامون رفضوا التحدث بأسمائهم بسبب عملهم في النقابة التابعة لحكومة الإنقاذ أو بسبب تنقلهم بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب والجيش الوطني شمالي حلب، أعلنوا رفضهم الضمني للقرار الأخير الذي يقصي مئات المحامين ويمنعهم من العمل في إدلب وكما أنه يجبر المحامين على الرضوخ لما يُملى عليهم ويخفي صوتهم الحر.
أيضاً يرى أحد المحامين أن إجبار جميع المحامين بالتبعية لنقابة تابعة للحكومة من شأنه أن يؤثر سلباً على المواطنين، فبحسب قوله هناك محامون معروفون بمواقفهم وصلابتهم ونزاقتهم في المحاكم وسعيهم الجاد لنصرة موكليهم المظلومين، وهؤلاء لم ينتسبوا للنقابة التابعة لحكومة الإنقاذ وحرموا مؤخراً من الترافع أمام محاكمها، وكما أنه يرى أن إقصاء هذا الكم الكبير من المحامين يلغي التنافسية بين المحامين في تسلم القضايا والتوكل بها، ما يجعل من الممكن أن يؤدي مستقبلاً لارتفاع الأجور التي يتقاضاها المحامون وهو الأمر الذي سيرهق المواطنين مادياً.
بدوره قام موقع تلفزيون سوريا بمراسلة حكومة الإنقاذ ووزارة العدل فيها عبر ملهم الأحمد المسؤول عن التواصل الصحفي في الحكومة وطرح عليه جملة من الأسئلة لسماع وجهة نظرهم ومبرراتهم، إلا أننا لم نتلق أجوبة رغم انتظارنا لأكثر من عشرة أيام.
ولم يكن إخضاع فرع إدلب في نقابة المحامين هو الأول في سجل هيمنة حكومة الإنقاذ على النقابات والأجسام المستقلة، فالإنقاذ أخضعت نقابة الاقتصاديين الأحرار ودهمت نهاية العام الماضي مكتب نقابة المهندسين في إدلب وسيطرت عليه ورفضت انتخاباته الحرة وأعادت تشكيل نقابة خاصة بها ووضعت في رئاستها المقربين منها من المهندسين أيضاً.