أرغمت "الإدارة الذاتية" يوم أمس الإثنين أصحاب المحال التجارية في الأسواق ضمن جميع مناطق سيطرتها، على الإغلاق حداداً في الذكرى الـ 22 لاعتقال عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني PKK، في عملية أمنية لقوات تركية وأميركية وكينية.
وأثار الإغلاق المفروض على الأسواق حالة سخط وامتعاض من قبل الأهالي الذين اضطروا للرضوخ خوفاً من فرض مخالفات مالية بحقهم أو إحراق محالهم من قبل "شبيبة الثورة" التي تتلقّى أوامرها من كوادر تابعة لقيادة حزب العمال الكُردستاني والمقيمين في جبال قنديل.
تهديد شركات الصرافة والحوالات والمحال التجارية
وكشفت مصادر خاصة ومحلية لموقع تلفزيون سوريا من سوق مدينة القامشلي، أن "الإدارة الذاتية" أرسلت رسائل مبطّنة عبر الواتساب تهدّد أصحاب جميع شركات الصرافة والحوالات ترغمهم على الالتزام بقرار الإغلاق، وهذا ما شكّل هاجساً لدى جميع التجار الذين اضطروا للالتزام بالإغلاق وحتى البقاء في منازلهم.
وتتجدد هذه الحالة في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" و"قسد" في الـ 15 من شباط من كل عام، حيث تشل الحياة وتغلق الأسواق وتوقف الفعاليات لإرغام الأهالي للتعبير على حدادهم في ذكرى اعتقال أوجلان.
الإدارة ترغم موظّفيها على المشاركة بالمسيرة
وأكدت المصادر أن الإدارة أجبرت موظّفيها في عموم مناطق سيطرتها على الالتحاق بمسيرات مركزية في كل من القامشلي والحسكة وبلدات أخرى في ريفيهما، والتي رُفعت فيها صور أوجلان، والشعارات التي تربط "حرية الكرد" بحرية أوجلان من السجون التركية، بالإضافة لتعليق صوره على السيارات وفي الساحات الرئيسية.
مخاوف الأهالي
وبسبب التهديدات وحالة الاستنفار، لم يرسل الأهالي أبناءهم للمدارس والجامعات التابعة للنظام السوري خوفاً من الاعتقال أو التشهير بهم على الحواجز المطلة على مداخل المدن أو ضمنها، لأنه سُمح فقط بفتح الصيدليات والمستشفيات والأفران.
وكشفت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا نهاية العام الفائت، وبالتزامن مع المفاوضات الكردية - الكردية، بأن مؤسسات الإدارة الذاتية تلقت توجيهات داخلية وسرية بإزالة صور وأعلام حزب العمال الكردستاني (PKK) من المؤسسات والمكاتب الرسمية التابعة للإدارة الذاتية في عموم مناطق سيطرتها.
وأوضحت المصادر أن التوجيهات شملت عدم رفع صورة زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وأعلام الحزب في المظاهرات مع خفض وتيرة تسيير المظاهرات المناهضة لتركيا والداعمة للعمال الكردستاني.
اقرأ أيضاً: بضغط أميركي.. الإدارة الذاتية تمنع رفع رموز "PKK" في مؤسساتها
وجاء ذلك بضغط من وفد الخارجية الأميركي الذي يرعى المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على الإدارة الذاتية.
من هو عبد الله أوجلان؟
أسس عبدالله أوجلان المولود في قرية ايمرلي بولاية أورفا جنوبي تركيا عام 1948، حزب العمال الكردستاني سراً عام 1978، بمشاركة عدد من رفاقه من متبني الأفكار الماركسية اللينينية، وتبنى حزب أوجلان الذي بات يعرف بأنه حركة يسارية، مشروعا لإقامة "دولة كردستان الكبرى".
وبعد عام من تأسيس حزب العمال الكردستاني، دخل أوجلان الأراضي السورية في نهاية عام 1979.
وعقد أوجلان المؤتمر الثاني للحزب داخل سوريا في عام 1982، لينجح بعدها باستقطاب آلاف المقاتلين الأكراد لبدء الحرب ضد تركيا عام 1984.
بدأ الحزب نشاطه العسكري عام 1984 ضد الدولة التركية، متخذاً من جبال قنديل شمالي العراق وجنوب شرقي تركيا منطلقاً لعملياته العسكرية التي تسببت في ذروة الصراع مع تركيا بمقتل أكثر من 40 ألف شخص وتدمير قرى بكاملها.
اقرأ أيضاً: عشرون عاماً على اعتقال أوجلان
كان أوجلان يرى حافظ الأسد نظاماً "مقاوماً للإمبريالية" وداعماً لـ "حركات التحرر الوطنية"، بل إنه اعتبر الأسد داعماً للشعب الكردي في الوقت الذي كانت سجون النظام تغص بالمعتقلين السياسيين الأكراد.
في أواخر التسعينات ازدادت حدة التوتر كثيراَ في العلاقات بين تركيا ونظام حافظ الأسد بسبب الدعم المتواصل من قبل الأخير لتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK، وإقامة زعيمه عبد الله أوجلان في العاصمة دمشق إلى جانب عدد من قياديي الحزب، ورعاية نظام الأسد الأب لمعسكرات تدريب الحزب في داخل الأراضي السورية ومنطقة البقاع في لبنان التي كانت تحت نفوذ جيش النظام في ذلك الوقت.
اقرأ أيضاً: ما هو اتفاق أضنة بين تركيا ونظام الأسد الأب، وعلى ماذا ينص؟
حشدت تركيا قواتها على الحدود مع سوريا في تشرين الأول من عام 1998، وهدّدت بعملية عسكرية في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس التركي حينها سليمان ديميريل "أن صبر تركيا قد نفذ تجاه سياسيات سوريا المعادية"، في إشارة منه لاحتواء النظام لقيادات حزب العمال وإنشائه معسكرات تدريب له داخل الأراضي السورية.
رضخ الأسد الأب لجهود الوساطة بقيادة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، التي تكللت بتوقيع اتفاق أضنة في 20 تشرين الأول عام 1998، والتي شكلت نقطة تحول فارقة في العلاقات بين البلدين، قدّم فيها الأسد تنازلاً كاملاً ووافق على المطالب التركية كافة.
وبعد أن طُرد أوجلان من قبل الأسد إلى روسيا ومن ثم انتقل بعد ذلك إلى دول أوروبية، ومارست الولايات المتحدة ضغوطا دبلوماسية هائلة بدفع تركي، على جميع الدول التي حطت طائرة أوجلان فيها، وفي نهاية المطاف لم يعد أمامه ملاذ آمن يمكن أن يلجأ إليه.
اعتقال أوجلان.. عملية مخابراتية مشتركة
استقر المطاف بأوجلان في العاصمة الكينية نيروبي، حيث قبضت تركيا عليه في نيروبي في 15 من شباط 1999 بعملية استخبارية معقدة.
وبحسب BBC، تزامن وصول أوجلان إلى نيروبي مع وجود نحو 100 عنصر أمن ومخابرات أميركيين في العاصمة الكينية، كانوا يعملون مع الجانب الكيني في التحقيق في الهجوم الإرهابي الذي استهدف السفارة الأميركية هناك في آب 1998.
واكتشفت المخابرات الأميركية وجود أوجلان في القنصلية اليونانية في نيروبي، فراقبت البعثة الدبلوماسية اليونانية هناك ورصدت اتصالاتها، وأبلغت المخابرات التركية بمكان وجود أوجلان.
كانت المشاركة الكينية في العملية الأمنية الثلاثية، عندما أقنعت أوجلان بمغادرة القنصلية والتوجه إلى المطار كي يغادر إلى هولندا، وفي الطريق كانت القوة الخاصة التركية بانتظاره.