بخلاف منطق المنفعة والاستهلاك السريع، تكمن قيمة الأنتيكات في قدمها وندرتها، إضافة إلى القيمة العاطفية لها، فهي قد لا تكون صالحة للاستعمال، وقد تكون مخالفة للموضة والسائد في العصر الآن، لكن قلوب الناس تخفق عند رؤيتها، ويسرح الخيال في ماضيها وما عاشته في عصرها.
كلمة "أنتيك" تعني بالفرنسية "العتيق"، وهي الأدوات والقطع الفنية المتوسطة القدم، التي توضع في البيوت والمكاتب، للزينة وإظهار الاحترام للماضي القريب، وهي تباع بأسعار متاحة لطبقات معينة من الناس، وهي بخلاف الآثار، فالآثار قديمة جداً، غالية الثمن، وكثير من الدول تعتبرها ملكا للشعب والإنسانية، يجب أن توضع في المتاحف وليس البيوت، ولا يجوز بيعها.
موقع تلفزيون سوريا زار محل حسين سلطان، وهو سوري يمتلك متجر"أنتيك" في إحدى خانات ولاية غازي عنتاب التركية، التي اختارها كملاذ بعد اندلاع الأعمال العسكرية في حلب عام 2012.
الأنتيك يرتبط بأحداث تاريخية
يقول حسين لموقع تلفزيون سوريا: "سوق الأنتيكات في سوريا كان مرتبطا بالطبقة الغنية، ومحالّنا في حلب كانت وجهةً للأثرياء والشغوفين بالتحف القديمة".
وفي وصفه لمفهوم "الأنتيك" يقول: "هي الأشياء القديمة التي توجد أدلة وسجلات موثقة على عمرها ومصدرها، وهي نادرة بسبب توقف إنتاج مثيل لها، وتشمل الإكسسوارات من قطع خشبية ونحاسية وكريستال وبورسلان".
ويُضيف السلطان: "بعض هذه الأنتيكات لها قيمة مادية ومعنوية كبيرة، لأنها ترتبط بأحداث مهمة سياسية وعسكرية، كالحروب وتغير الأنظمة، والاختراعات الكبرى، كبداية اختراع الكهرباء، وهي تشكل ثروة حقيقية لأصحابها ومعرفة هذه القيمة تتطلب ثقافة عامة جيدة، وقراءة وخبرة، إذ ليس كل ما يُقال عنه أنتيك، يكون كذلك بالضرورة".
ويضيف أنه باع سورياً طاولة كانت من مقتنيات سراي السلطان عبد الحميد، وقد صنعت في إسطنبول من الصدف وخشب الجوز.
تجارة التحف ليست مجرد مهنة، وإنما هي شغف، كثيراً ما يتوارثه الأبناء عن آبائهم، ويقول حسين: "ورثت المهنة عن والدي، الذي ورثها عن جدي. لقد أحببت هذه المهنة منذ نعومة أظفاري، والدي علمني كل تفاصيل العمل، علمني خاصة كيف أُقدّر القطعة وأُثمنها".
ويضيف: "كانت دائرة اهتمام أبي وجدي وأجدادي، تتركز على القطع المصنوعة من النحاس فقط، ثم توسعت لتشمل القطع النادرة من الخشب والنحاس والكريستال وغيرها، ما أدى إلى تغير صفة والدي في المهنة، من نحاس إلى إنتكجي أي إلى تجارة شاملة للأنتيكات".
في محل السلطان، يمكننا أن نرى مجموعة متنوعة من القطع العتيقة والأثاث من مختلف الأصول، بما في ذلك الأثاث السوري والفرنسي والإيطالي والإنجليزي. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن نشاهد تابلوهات فنية وقطعا نحاسية يتجاوز عمرها أكثر من مئة عام.
قطع نادرة من إسطنبول وبغداد
ويُشير صاحب المحل إلى أن زبائنه يتميزون بكونهم هواة للفن وجامعين للتحف، ويفتخر بتوفر قطع نادرة للغاية في محله. منها قطعة نحاسية صُنعت في بغداد قبل 300 عام، وقطعة أخرى من النحاس الإسطنبولي وعمرها يبلغ 350 سنة.
ويقول حسين سلطان عن مصدر تلك القطع: "نحصل على القطع من المزادات، وغالباً ما تتم المزادات في شقق الطبقة الثرية بعد وفاة مالكي القطع، وتحول ملكيتها إلى جيل شاب قليل الاهتمام بالأثاث والأدوات وقطع الزينة القديمة، وفي بعض الحالات يبيع أشخاص ما يملكونه من تحف لمواجهة ضائقة مالية، أو في حالات الحجز على الأملاك، أو الإفلاس".
ويختم سلطان حديثه بمقارنة مدى اهتمام الأتراك والسوريين بالأنتيكات، فيقول: " الأتراك أقل اهتماماً بالأنتيك من السوريين، وإذا شئنا الدقة، فإن تجربتي تؤكد أن اهتمام أهل حلب بالأنتيكا، أكبر من اهتمام أهل غازي عنتاب، ونحن نعمل جاهدين لجذب المواطنين الأتراك لهذه الثقافة، خاصة مع زيادة عدد الإنتكجية السوريين والأتراك في غازي عنتاب، وتنافسهم على شد اهتمام الجمهور".