تشهد المنطقة حالة مخيفة لازدياد احتياجات اللاجئين السوريين والمجتمعات التي تستضيفهم في حين يواصل التمويل المخصص لدعمهم بالتراجع، وكل تلك الأمور تحدث في لحظة دقيقة ومتقلبة في المنطقة، إذ بحسب ما ورد في النظرة الاستراتيجية الإقليمية لعام 2024 عن خطة اللاجئين وتعزيز القدرة على الصمود، والتي تعتبر المنصة الإقليمية الأساسية لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة، فإنه لم تتم تلبية الاحتياجات العاجلة لعدد من اللاجئين السوريين يفوق 6.1 مليوناً ولعدد من السكان يبلغ 6.8 نسمة من المجتمعات المضيفة.
تحديات جسيمة
ويقدر شركاء هذه الخطة بأنهم باتوا خلال عام 2024 بحاجة لمبلغ قدره 4.9 مليار دولار أميركي من أجل الاستجابة المتمثلة بتلبية الاحتياجات الأساسية للفئات المستضعفة من السكان وللمؤسسات المتضررة بسبب الأزمة السورية في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، وذلك لأن قدرة السلطات الوطنية والمحلية في تلك الدول على تلبية المستلزمات المتزايدة قد تراجعت بشكل كبير بسبب التحديات والمصاعب الكبيرة التي تواجهها والتي تتمثل بالتضخم وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وتدهور قيمة العملة، وارتفاع نسبة البطالة لاسيما بين صفوف النساء والشباب، وقد زاد الوضع سوءاً بسبب آثار حرب غزة والتغير المناخي.
أما وضع التمويل فقد أصبح مريعاً بمرور الوقت إذ تراجع من 60% وسطياً خلال الفترة ما بين 2015-2018 إلى 40% خلال الفترة ما بين 2020-2022، وخلال العام الماضي لم يصل سوى 30% من التمويل المطلوب، بيد أن تراجع مستويات التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية والتنمية إن دلت على شيء فإنما تدل على التخلي عن عدد أكبر من الناس وتركهم بلا أي دعم.
العمل على تبديد اليأس
يعلق أيمن غرايبة المدير الإقليمي لمفوضية اللاجئين الأممية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا فيقول: "بعد مرور 13 عاماً، ومع عدم وجود أي حل سياسي يلوح في الأفق، مايزال اللاجئون القادمون من سوريا بحاجة ماسة للحماية الدولية واللجوء، ومع تراجع التمويل، ينحدر ملايين اللاجئين نحو الفقر، ويتعرضون لمخاطر عديدة تهدد حمايتهم، ولهذا يتعين على المجتمع الدولي أن يواصل مشواره عبر تقديم المستوى المطلوب من الدعم وتوفير الحلول الملائمة لأكثر الفئات ضعفاً، أي علينا أن نتفادى ذلك الوضع الذي يسيطر فيه اليأس على كل شيء".
في الأردن، يهدد نقص التمويل الخدمات المقدمة لأشد الفئات ضعفاً وعلى رأسها الأسر التي تعيلها نساء والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا ما يهدد بتدهور الأوضاع المعيشية وزيادة التوتر بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة. أما تركيا فتشهد ضائقة كبيرة بسبب الزلزالين اللذين ضرباها قبل عام إلى جانب الضائقة المالية التي تعيشها، ما يعني بأن نقص التمويل سيحرم 450 ألف طفل ويافع لاجئ من التعليم، وستظهر فجوات في المجال الصحي، خاصة في مجال التطعيم، وسينتج عن ذلك مخاطر تهدد اللاجئين، في حين أن 346 ألف أسرة فقيرة ستخسر الدعم الغذائي المقدم لها.
ماتزال النظرة الاستراتيجية الإقليمية لعام 2024 عن خطة اللاجئين وتعزيز القدرة على الصمود تمثل آلية مهمة لتنسيق وتقديم المعونات الإنسانية والمساعدات التنموية المحلية، إذ يواصل الشركاء في عام 2024 المطالبة بدعم الجهود الحكومية في الدول الخمس المضيفة مع توسيع نظم تقديم الخدمات العامة لتتكيف مع الاحتياجات المتزايدة للسكان المتضررين والتي تشمل تقديم خدمات أساسية بنوعية جيدة، ومنها الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والصرف الصحي وإدارة المخلفات وتوسيع الفرص الاقتصادية.
ويعلق على ذلك الدكتور عبد الله الدردري الأمين العام المساعد لدى الأمم المتحدة والمدير الإقليمي لمكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، فيقول: "لا يقتصر واجبنا على إنقاذ الأرواح فحسب، بل يتعين علينا مع امتداد الأزمة أن نساعد الناس على الاحتفاظ بقدرتهم على التصرف والأمل بمستقبل أفضل، كما يجب لعملنا أن يسهم في ضمان صمود المؤسسات المحلية المسؤولة عن تقديم الخدمات الأساسية، أي أن تبقى قادرة على التأقلم مع الحاجات المتزايدة والتكيف مع ظروف العمليات المتغيرة بشكل سريع، كما علينا أن نضمن تبديد المعاناة عن المجتمعات بسبب زيادة حالات التوتر الاجتماعي نتيجة للتنافس على الموارد، كما علينا أن نضمن بقاء الأسر قادرة على الإنتاج والاعتماد على نفسها".
خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، وعلى الرغم من نقص التمويل، أسهمت الجهود الجماعية للشركاء في النظرة الاستراتيجية الإقليمية إلى تأمين خدمات الحماية لـ5.4 مليون نسمة، إلى جانب تأمين المساعدات الغذائية والنقدية لنحو 566 ألف نسمة، ومساعدة 13 ألف شخص على تأمين عمل وفتح مشاريع تجارية، وتدريب أكثر من 17500 موظفاً محلياً لدى المؤسسات العامة.
لطالما بقيت النظرة الاستراتيجية الإقليمية التي يترأسها برنامج الأمم المتحدة الانمائي والمفوضية العليا للاجئين في مقدمة الاستجابة الانسانية لتساعد حكومات الدول المضيفة على إدارة عواقب وآثار الأزمة السورية على اللاجئين القادمين من سوريا والمجتمعات المضيفة، والنظرة الاستراتيجية الإقليمية هي عبارة عن منصة استراتيجية معنية بالتنسيق والتخطيط وجمع التبرعات والمناصرة لصالح أكثر من 270 منظمة شريكة في المجال الإنساني والتنموي وتشمل وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية، ومؤسسات التمويل الدولية، والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية، وشركات القطاع الخاص.
المصدر: UNDP