icon
التغطية الحية

الأطباء السوريون في تركيا بين القوانين الصارمة وضرورة العمل

2023.12.12 | 15:39 دمشق

nmnamn.png
عيادة طب أسنان سوريّة في تركيا (SON HABERLER)
إسطنبول - غزل سلّات
+A
حجم الخط
-A

خلّفت الحرب التي ما تزال مستمرة منذ أكثر من عقد في سوريا، ما يزيد عن 13 مليون مهجّر بين نازح ولاجئ وفقا لموقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وسعياً لكسب لقمة العيش، اضطر الكثير من المهجّرين إلى العمل ضمن ظروف قاسية وغير مناسبة، لكنهم أجبروا على التعايش معها والخضوع لها، خاصّة في تركيا التي كان النصيب الأكبر من اللاجئين السوريين حول العالم، حيث تحتضن ما يزيد عن 3 مليون لاجئ سوري.

ويواجه العديد من السوريين من أصحاب الكفاءات والخبرات العلمية والعملية، قوانين وشروط تمنعهم من مزاولة مهنهم: كشرط تعديل الشهادة وشرط امتلاكهم للجنسية التركية، مما دفع كثير منهم للعمل في مجالات أبعد ما تكون عن تخصصهم، بينما استطاع آخرون الحصول على فرص عمل في المنظمات الإنسانية والمراكز الطبية المخصصة للاجئين، في حين افتتح العديد من الأطباء السوريين عياداتهم الخاصة من دون تراخيص رسمية وبشكل غير قانوني، فقط من أجل كسب لقمة العيش في ظل الظروف الصعبة.

"ليس باليد حيلة"

علي (اسم مستعار) طبيب أسنان سوري رفض الكشف عن اسمه الحقيقى خوفاً من الملاحقات القانونية، يعمل في عيادته الخاصة بمدينة مرسين جنوبي تركيا دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، فرغم تخرّجه من كلية طب الأسنان من جامعة تشرين، إلا أنه لا يستطيع مزاولة مهنته لسببين: الأول جنسيته السورية، والثاني حاجته لمعادلة شهادته.

ويؤكد الطبيب السوري لموقع تلفزيون سوريا أنه "يعمل في ظروف صعبة ومجهولة، وإن كان يستطيع العمل اليوم فالغد يبقى مجهولاً وليس باليد حيلة".

وأضاف: "نعمل بالأجهزة والأدوات المتوافرة، ولا نستطيع شراء أجهزة متطورة وحديثة لأنه في حال إغلاق العيادة يتم مصادرة جميع الأجهزة"، مردفاً: "اضطررت لتغيير مكان عيادتي عدة مرات لأسباب تتعلق بالعقارات والإيجارات، لكن هناك العديد من الأطباء الذين أعرفهم أغلقت عياداتهم إثر شكوى".

وفي سؤال عن الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية عند ضبط عيادة غير مرخصة، أوضحت الاستشارية القانونية نزيهة سلو أنّ الطبيب الحامل للشهادة الجامعية ويقدّم خدمات صحية من دون الحصول على ترخيص يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، مع دفع غرامة مالية، مضيفةً أنّه في حال كان الطبيب أجنبي، يتخذ بحقه قرار الترحيل على الفور.

"الجنسية التركية لا تخفف عبئاً"

محمد طبيب أسنان سوري حامل للجنسية التركية، يعمل ضمن عيادته الخاصة في ولاية هاتاي جنوبي تركيا من دون الإفصاح عن ذلك بشكل رسمي أيضاً، ورغم تخرّجه من كلية طب الأسنان من جامعة حلب في سوريا وخبرته التي تتجاوز 30 عاماً، لا يحق له مزاولة مهنته لحاجته إلى تعديل الشهادة.

وعن أسباب عدم إقدامه على تعديل الشهادة يقول محمد لموقع تلفزيون سوريا، إنّ الأمر ليس سهلاً، ويحتاج إلى جهد ووقت طويل لن يستطيع أن يحقّقه، خاصة أنه المعيل الوحيد والأساسي لأسرته.

وأضاف محمد: "يتعرض الأطباء السوريون الذين يعملون بشكل غير قانوني في تركيا للعديد من الإساءات من قبل المرضى، ولا يستطيع الطبيب التصرّف أو تقديم شكوى ضد المريض في تلك الحالات خوفاً من حدوث شكوى بحقّه، لأنّه يعمل في ظروف غير مستقرة وغير قانونية، فالسلطات التركية لا تتهاون في تطبيق القانون في حال تلقي شكوى ضد الأطباء السوريين".

وبحسب تصريحات وزير الخارجية التركي علي يرلي كايا، بلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية 237 ألفاً و995 فرداً.

وكانت الحملات الرسمية لتجنيس السوريين قد بدأت، عام 2016، بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إعداد حكومته لمشروع يسمح بحصول اللاجئين السوريين الراغبين على الجنسية التركية.

"الاستسلام للواقع"

يتفق أحمد اليماني طبيب أسنان سوري فيما يتعلق بأن تعديل الشهادة أمر ليس بالسهل، وقال لموقع تلفزيون سوريا: "أغلقت عيادتي الخاصة لفترة من الزمن، وبدأت بالتحضير لامتحان المعادلة، وكان من الصعب جداً العودة للدراسة بعد فترة انقطاع طويلة، لكن لم يحالفني الحظ ولم أتمكن من النجاح".

ويرى اليماني أن ضخامة المنهاج الذي يحتاج وقتاً كثيراً للدراسة وضيق الوقت في أثناء الامتحان بالنسبة لطبيب أجنبي لا يجيد اللغة التركية بشكل جيد وقوانين الامتحان الصعبة، جميعها عوامل شكّلت عائقاً أمام نجاحه.

وأضاف اليماني: "في النهاية استسلمت لصعوبة العمل في تركيا وقررت الذهاب إلى الكويت وبدأت العمل هناك بفضل الله".

"تجارب ناجحة"

من جانب آخر برزت بعض القصص الناجحة مثل حالة نور علي باشا وهي خريجة كلية الطب من جامعة حلب وتتحدث عن تجربتها في تعديل الشهادة قائلةً في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "تخرجت عام 2019 ثم اتخذت قرار إكمال دراستي والاختصاص في تركيا، نجحت في امتحان المعادلة بعد محاولات عديدة رغم الصعوبات التي واجهتني خلال دراستي".

وأضافت أنّها "بدأت بالتحضير للامتحان في منتصف 2020، لم يكن البدء من الصفر والتأقلم مع بلد جديد بالأمر السهل مما أثّر سلباً في البداية على دراستي وتركيزي، ووقعت بأخطاء كثيرة جعلتني أدخل الامتحان عدة مرات، ومنها دخوله من دون تحضير تام للتجريب وكسر حاجز الخوف، لكن هذا ما زاد الأمر سوءاً وتعقيداً".

وتابعت: "نهاية الأمر قررت أن أتلافى جميع الأخطاء قدر المستطاع، وخصّصت معظم وقتي للدراسة وحاولت إنهاء أكبر قدر ممكن من المنهاج المقرر، حللت كثيرا من الأسئلة بالرغم من أنني لا أحب حل الأسئلة وأفضل الدراسة المستمرة".

وأردفت: "اجتزت الامتحان وبدأت بالتدريب العملي في جامعة مصطفى كمال بمدينة أنطاكيا التابعة لولاية هاتاي، لكن بسبب الزلزال الذي وقع في 6 شباط الماضي، توقف تدريبي بسبب خروج المستشفى كاملاً عن الخدمة، واضطررت لإكمال ما تبقى لي من تدريبات في مستشفى مرسين في شهر أيلول الماضي، والآن أنتظر تسلّم الشهادة بفارغ الصبر".

وختمت حديثها قائلة: "امتحان المعادلة ليس بالامتحان السهل، ويحتاج لكثير من الجهد والتفرغ للدراسة بالإضافة للإلمام باللغة التركية".

  • تعديل الشهادات في تركيا

وعن عملية التعديل يقول الطبيب والمدرّب الأكاديمي عبد الكريم حاويدة لموقع تلفزيون سوريا، إنّ عملية تعديل الشهادة في تركيا تتم في مؤسسة التعليم العالي بالعاصمة أنقرة.

وأوضح أنّ الهدف منها هو التأكّد من صحة الشهادة الجامعية من البلد المصدر، حيث تتواصل مؤسسة التعليم العالي مع الجامعة المعنية، والتأكّد من صحة الشهادة المسجّل عليها، وبعد ثبوت صحتها يخضع المتقدم للتعديل وفقاً لامتحان شامل باختصاصه، وبموجبه يُعطى ورقة المعادلة المسماة بـ"دينكليك"، علماً أنّ هذا الامتحان يقام مرتين في العام بأنقرة.

وتابع: "بعد معادلة الشهادة يجب أن يخضع الطبيب لتدريب إجباري في مستشفى حكومي تابع لوزارة الصحة ولمدة تتراوح بين 6 و9 أشهر، حيث يتوجب عليه اختيار 3 جامعات حكومية، تختار وزارة الصحة إحداها لإتمام فترة التدريب العملي، وبعد الانتهاء يُمنح الطبيب إذن عمل كطبيب عام".

"القنصلية السورية" عقبة إضافية

وأضاف حاويدة أنّه "بما يخص الأطباء السوريين المختصين، تشترط وزارة التعليم العالي في تركيا تصديق شهادة الاختصاص من القنصلية السورية في إسطنبول، والتي ترفض تصديق شهادات الاختصاص للأطباء، وبالتالي لن يستطيع الطبيب الدخول إلى امتحان التخصّص الطبي، مما أجبر كثير منهم على مغادرة تركيا واضطر آخرون لتغيير اختصاصهم والبدء من جديد".

وتابع: "يعاني الأطباء السوريون في تركيا من صعوبات كثيرة بما يخص معادلة الشهادة أبرزها ضخامة وكثافة المنهاج الذي يحتاج إلى تفرّغ للدراسة، وهذا شرط لن يستطيع كثير من الأطباء تحقيقه لأنهم مجبرون على العمل لتأمين العيش، إضافة لحاجة الطبيب إلى مستوى لغة تركية جيد جداً".

ويعاني عامة السوريين في تركيا من عوائق فيما يتعلّق بأوضاعهم القانونية، إذ يعتبرون ضيوفاً يخضعون لنظام الحماية المؤقتة وليس لاجئين وفق اتفاقية جنيف، ولا تسعى الحكومة التركية إلى تقديم برامج حقيقية تهدف لدمج السوريين في المجتمع التركي المختلف لغوياً وثقافياً.

في خضم هذا الواقع يحاول العديد من الأطباء السوريين مواجهة الصعوبات ومعادلة شهاداتهم للتمكّن من مزاولة مهنتهم بشكل قانوني، بينما يستسلم آخرون لواقعهم في تركيا.

 

"تم إنتاج هذه المادة من خلال مشروع ربط طلاب الإعلام بسوق العمل الحائز على جائزة (ivlp impact) ضمن مشروع الزائر الدولي التابع لوزارة الخارجية الأميركية".