شرّع الأسد قانونيا ما كان يقوم به على مدى سنوات دون قانون، وهو اعتقال أي شخص يعبر عن رأيه عبر ما سماه قانون "الجريمة الإلكترونية" الذي أعدته "وزارة الاتصالات" في حكومة النظام، ونشر موقع روسيا مقتطفات منه.
القانون بحق "رهيب" إذ كيف تجرؤ حكومة في العالم المعاصر على إصدار قانون بهذه اللغة، حيث تعاقب المادة الثامنة على الامتناع عن حذف محتوى رقمي "غير مشروع أو تعديله أو تصحيحه"، يعرض صاحبه للسجن من 3 أشهر إلى سنة وغرامة من 2 مليون إلى 5 ملايين ليرة.
وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن النظام هو من يسيطر على كل التعريفات "غير مشروع" "هيبة الدولة" "الوحدة الوطنية" "وإثارة الرأي العام" كلها مفاهيم يحدد تعريفها الأسد وكل من يخالف هذه التعاريف يجعله مخالفا للقانون.
هذه التعريفات التي عرفها قانون أمن الدولة السوري الصادر عام 1963 تتم إعادتها اليوم ولكن في كل محتوى يمكن أن ينشر على الفيس بوك أو التويتر أو أي من قنوات التواصل الاجتماعي
إذ "يعاقب بالسجن المؤقت من 3 إلى 5 سنوات وغرامة من 2 إلى 4 ملايين ليرة سورية، كل شخص أو جهة نشرت أخباراً كاذبة على شبكة الإنترنت والتي من شأنها النيل من "هيبة الدولة" أو المساس بالوحدة الوطنية وإثارة الرأي العام.
هذه التعريفات التي عرفها قانون أمن الدولة السوري الصادر عام 1963 تتم إعادتها اليوم ولكن في كل محتوى يمكن أن ينشر على الفيس بوك أو التويتر أو أي من قنوات التواصل الاجتماعي.
ويذهب القانون أبعد من ذلك عندما يعاقب بـ "السجن من سنة إلى 3 سنوات وغرامة من 500 ألف ليرة إلى مليون ليرة سورية، لكل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أمر على الشبكة ينال من شرف موظف عام، أو كرامته في معرض ممارسته لوظيفته". وكأنه يؤسس لحصانة كاملة لكل مسؤول سوري من مستوى رئيس الدولة حتى أصغر عنصر في الجيش السوري، إنها سياسة معممة لبلد توتاليتاري وبناء دولة شمولة صنعها الأسد على الأرض على مدى عقود واليوم يقوم فقط بشرعنتها قانونيا.
كما يتضمن "مشروع القانون السجن من شهر إلى 6 أشهر والغرامة 200 ألف ليرة، لكل من ذم أحد الأشخاص بشكل غير علني بوساطة وسيلة إلكترونية على الشبكة، وتشدد العقوبة إلى الحبس من 4 أشهر إلى سنة، والغرامة 500 ألف إذا اقترف الذنب بشكل علني". إنه أسوأ أنواع قانون العقوبات على الإنترنت في العالم.
وبالتأكيد سيمر القانون دون أية تعديلات جوهرية فالنظام في أقصى لحظات ضعفه ورده الوحيد سيكون بمزيد من القمع على المواطنين، فهذه هي سياسته الوحيدة في البقاء.
نظام كهذا لم يعد له قاع في الوحشية لم يصل له، وبالتالي ربما علينا أن نتوقع الكثير منه من مستوى هذا القانون وغيره
فالأسد الذي استخدم الرصاص الحي ضد متظاهرين سلميين، والذي حصد أرواح خيرة الشباب في سوريا، واعتقل الجرحى بل وعذبهم وقام بتصفيتهم داخل المستشفيات والمناطق السكنية والمساجد والكنائس التي تحولت فيما بعد إلى أهداف للقصف بالبراميل والصواريخ، وامتلأت الفروع الأمنية بمئات الآلاف من السوريين الذين يقتلون تحت التعذيب وقد أظهرت الصور التي تم تسريبها من الفروع الأمنية حجم ومستوى التعذيب والوحشية التي يعيشها السوريون في أقبية المخابرات. ثم لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيمائية بحق أبناء بلده، نظام كهذا لم يعد له قاع في الوحشية لم يصل له، وبالتالي ربما علينا أن نتوقع الكثير منه من مستوى هذا القانون وغيره.
ربما كان تركيز المجتمع الدولي اليوم منصبا على أوكرانيا، لكن عليه أن يتابع تصرفات وسياسات حليف بوتين في سوريا والتي من شانها أن تخلق عالما يحكمه المزيد من الدكتاتوريين الذين لا يأبهون ليس فقط لحريات شعوبهم وازدهارهم وإنما لا يكترثون بحياتهم أيضا.