الأسد وحميدتي: حبل سري

2023.04.22 | 16:52 دمشق

محمد حمدان دقلو ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

في الصورة العامة لا يبدو أن ثمة تشابها بين أمير الحرب السوداني محمد حمدان دقلو الملقب بـ (حميدتي) وبين رئيس النظام السوري بشار الأسد، فلكل منهما سيرة وسياق نشأ فيه، وتحول خلاله إلى قوة وسلطة، لكن لو تمعنا في الصورة جيدا، لوجدنا أن المخلوقين هما مجرد نموذجين لحالة شاذة اتخذت من الوطن والناس رهينة للطغيان والسيطرة وبناء النفوذ ولو على حساب الأرواح البريئة ووحدة البلاد وسيادتها.

يمتلئ التاريخ السياسي بشخصيات من أمثال الأسد وحميدتي، لكن ظاهرة تحول الرذائل إلى سياق سائد، يسود ويهيمن، ويتغلغل عبر المؤسسات، ويحظى بدعم شبكة معقدة من المؤيدين الداعمين في الداخل والخارج باتت طاغية بشكل فاقع في منطقتنا. مثل هذه الظاهرة، حصلت فقط في عصور ظلامية هي الأسوأ في تاريخنا منذ الفتح الإسلامي، ولسوء الحظ، فنحن في خضم واحد من هذه العصور، نعيشها، ونتلمس مرارتها، ونشهد قسوتها وجرائمها، ونتائجها التي لن تقف عند حدود القتل والتهجير والدمار.

بين الأسد وحميدتي، ومعهما آخرون من بينهم خصوصا قيس سعيد في تونس، خيط واصل من انعدام الكفاءة، والفساد، والارتهان الخارجي، والاستعداد لحرق كل شيء من أجل السلطة والنفوذ، متمثلا بكرسي الحكم، أو بالسيطرة على البلاد أمنيا واقتصاديا من خلال الدولة العميقة، وبناء شبكة مستفيدين واسعة، تقود مباشرة للاستقطاب الاجتماعي الحاد، دون وجل من حرب أهلية إن تطلب الأمر ذلك.

وعند كل هؤلاء، احتقار حاد للصوت الوطني، وخوف منه في الوقت نفسه، لذلك، فهم يقومون بكل شيء، لجعل معاركهم في الاستحواذ، (معركة للأمة)، ويستخدمون في ذلك كل ما هو متاح من وسائل دعاية وعنف وقتل وتدمير وإلى أقصى مدى متخيل، وبالطبع فكل ذلك يمر من بوابة الاحتيال بالشعارات وافتعال المواقف والأزمات التي تجعل الناس في نهاية المطاف ينظرون للخطيئة السياسية، وللمحتالين والطامحين، وحتى قطاع الطرق على أنهم قدر مفروض من السلامة القبول به.

قام حميدتي بالتسلق من زعيم ميليشيا محلية في دار فور، إلى موقع نائب الرئيس، مستغلا فشل الدولة، وحاجة نظام البشير لدعمه، وحصل على رتبة جنرال، وهو الذي لم يكمل دراسته الابتدائية

قام حميدتي بالتسلق من زعيم ميليشيا محلية في دار فور، إلى موقع نائب الرئيس، مستغلا فشل الدولة، وحاجة نظام البشير لدعمه، وحصل على رتبة جنرال، وهو الذي لم يكمل دراسته الابتدائية، وسيطر على مناجم الذهب في البلاد، ليستقل اقتصاديا، وينشئ لنفسه جيشه الخاص، ويحظى بدعم خارجي من عدة دول، لها مصالح في السودان، وتعرف أن التعامل مع أمير حرب طامح بلا أهلية، ولا قيمة دون السلطة التي توفرت له، سيوفر لها عميلا نموذجيا في بلد مهم. وحينما بدأ حميدتي حركته الأخيرة، استثمر أخطاء سياسية وأخلاقية فادحة للجيش ولقوى الحرية والتغيير على حد سواء، وبدأ محاولة حسم حصته من النفوذ ولو من خلال الأرض المحروقة، أو في حال اقتراب الهزيمة العسكرية، اللجوء إلى دارفور، وبدء صراع طويل ومدمر، وتأمين شبه دولة.

في المقابل، استفاد بشار الأسد من سلطة حصل عليها بالوراثة، ليحكم من خلال الدولة الأمنية العميقة بلدا توفر فيه كل شيء باستثناء الحرية والكرامة لشعبه. حكم الأسد من خلال مفهوم ثابت أن السلطة كفيلة بالحصول على ولاء الناس، ولذلك فالحفاظ على هذه السلطة بأي ثمن، هدف أهم بكثير من استرضاء الشعب وقناعته وبالطبع تعاطفه وحبه واحترامه.

عند الأسد كما عند حميدتي وقيس سعيد وسواهم، الشعوب هي مجرد كتل بشرية عاطفية تخاف وتنخدع وتصدق حتى ما تعرف أنه أكاذيب، ولذلك فحينما ثار الشعب السوري قبل 12 عاما، لم يكن لدى النظام بدائل للحل سوى الحل الأمني، لأنه تربى بالأساس على أن السوريين ليسوا غير (مجموعات) عليها أن تظهر الطاعة لتحظى بالحياة والهواء وبعكسه ليس لأحد منهم هذا (الامتياز).

في السودان، يقاتل حميدتي تحت شعارات دعم الديمقراطية ومحاربة التطرف الإسلامي وكسر استبداد (الرئيس وقائد الجيش) البرهان. وهو يستعين هنا بما منحته إياه قوى الحرية التغيير -المجلس المركزي- من أوراق يتاجر بها، حينما فكر مراهقون سياسيون بأنّ الاستعانة بميليشيا الدعم السريع والتحالف معها سيوفر لهم فرصا للضغط على الجيش، فأصبحوا من حيث لا يعلمون رهائن قوة عسكرية ضخمة، وغاصوا وسط صراع سلطة بين الجيش وميليشيا صنعها النظام السياسي السابق والحالي، وباركها الجيش ذاته، قبل أن تنقلب عليه، كما متوقع دوما في مثل هذه الحالات.

وفي سوريا، استفاد الأسد (الأب ومن ثم الابن) من تجريف الطبقة السياسية على مدى عقود، وولاء سياسيين من خارج النظام، وفروا له شرعية البقاء، منخدعين بشعارات الوطنية والمقاومة، أو أنهم أرادوا الانخداع طائعين، فاستخدمهم لتكريس الحكم، ولم يهتم غالبيتهم بأمر مجازر حماة التي كانت إشارة تحذير مبكرة وقوية، لكن معاداة (الإسلاميين) طغت على البعض فتصوروا أنهم لن يؤكلوا يوم أكل الثور الأسود.

وكلٌ من هذين يستفيد من الفساد كرافعة اقتصادية، تؤمن الاتباع، وتنشئ شبكة واسعة من المستفيدين، وهؤلاء سيصبحون بالطبع جزءا من آلية الهيمنة والسيطرة على الناس والشارع والتغلغل وسط المؤسسات.

وكلاهما أيضا من المنبطحين للأجنبي الذي يحفظ لهما البقاء. يحصل ذلك منذ أكثر من عقد عند نظام الأسد مع إيران وروسيا، ويحصل اليوم عند حميدتي مع دول بعينها، تسربت أنباء دعمها له بالسلاح بعدما كانت قد وفرت له مليارات الدولارات بشراء الذهب منه دون مرور بالدولة السودانية.

وأخيرا فالأسد كما حميدتي، يواجه خصومه دون وازع أخلاقي ومصلحة الوطن عنده تتعلق به وحده، وبالكيان الطفيلي الذي أنشأه كلٌ منهم، سواء كان على هيئة نظام حاكم أو ميليشيا مسلحة، وما يقود إليه كل منها من مصير قاتم، لسوريا أو السودان أو تونس وبلدان أخرى في منطقتنا، تجعلنا بالفعل نعيش عصر انحطاط جديد.