الأسد وجبر الخواطر والكسور

2023.07.08 | 06:12 دمشق

الأسد وجبر الخواطر والكسور
+A
حجم الخط
-A

عرضت وسائل إعلام الأسد الحلقة الثالثة من مسلسل التوريث الرئاسي غير الكوميدي، بعد حلقتي رومانيا والبرازيل. وكان يجدر بآل الأسد البدء بالحلقة الروسية كحلقة أولى، بلغة الدراما، والتي نال فيها الحفيد حافظ بشار الأسد منزلة الأول على دفعته، وحصّل العلامة التامة، وسخر قوم من الشهادة "الحمراء"، ولا صلة للحمراء بالحرية الحمراء وبابها، ولا بساحة الكرملين الحمراء، والحق أنّ الرياضيات لا تحتاج إلى لغة، فلغتها هي الأرقام والرموز. وانتظر كاتب السطور عمره أن يبرز زعيم عربي بروزا قويا في البيان والفصاحة والحجة والبرهان، كما كان الخلفاء العرب وملوكهم وأشرافهم، فالمرء بأصغريه لسانه وقلبه، فلم يجد سوى المجموعة الخالية "فاي".

والعارفون بظاهر الأمور يقولون إن مدة الأسد الابن الرئاسية مشرفة على النهاية بعد خمس سنوات، وهذا تأويل مجانب للصواب، فالمدة مفتوحة، وهي "فاي" في لغة الرياضيات، لكن الأسد الابن يتحسب للمفاجآت الخارجية، ويعدُّ الخطة باء، لذلك ظهر الحفيد تحت الأضواء الكاشفة، حاصلًا على مرتبة علمية.

عد كثير من العلماء الرياضة، أي الرياضيات أم العلوم، وهذا أيضا خدعة، فأمها اللغة.

لعل الرياضيات هي موهبته التي حباه الله بها، أو تطورت ونمت بنظرية دارون الشهيرة، في ظل العائلة الحاكمة، التي تشتهر بهواية إحصاء الثروات والكنوز التي ينوء بها أولي العصبة من القوة، وقتل المعارضين لكن من غير إحصاء

وكان اسم الرياضة قديمًا يطلق على العلوم العقلية، فصار مقرونًا بالبدن. ولهذا ضمرت العقول، وبدنت الجسوم، ويتعجب بعض المراقبين في اختيار الوريث الجديد حقل الرياضة، وكان عمه باسل الأسد قد اختار الفروسية، واقتنى أغلى الخيول، والفروسية ليست مثل الرياضة العقلية والحسابية وعلوم المصفوفات والأرقام، التي تجافي الوجدان، فهي علم بارد، فلعل الرياضيات هي موهبته التي حباه الله بها، أو تطورت ونمت بنظرية دارون الشهيرة، في ظل العائلة الحاكمة، التي تشتهر بهواية إحصاء الثروات والكنوز التي ينوء بها أولي العصبة من القوة، وقتل المعارضين لكن من غير إحصاء.

يجمع المراقبون على أنَّ ماجستير روسيا في الرياضيات توطئة للتوريث، وعجب بعضهم من سهولة قبول الأميركان، وهم حكام العالم بالتوريث الجمهوري السوري الأول، فأثنوا على سلاسة الانتقال من حكم الأب إلى الابن، والأميركان قوم يحبون الخشونة والعنف، إلا أنهم لغرض لا يعلمه إلا الله فضلوا السلاسة في توريث الجمهورية السورية، وهو توريث لم يُرَ من قبل سوى في كوريا الشمالية، التي تجمع بين الوثنية الدينية والسياسية، وكان حافظ الأسد معجبًا بالنظام الكوري الشمولي، حتى إن تلفزيونه الرسمي بثَّ مشاهد من جنازة كيم ايل سونغ الأب،  سنة 1994 تدريبًا للسوريين على الحزن واللطم، وفنّ صناعة المناحات، وتوطئة لموتٍ كريم يناله بعد النزول من العرش إلى النعش، فيقلب نعشه عرشًا. ونقل عنه أنه كان يحسد جمال عبد الناصر على جنازته الأسطورية.

لم يعهد عن الملوك والرؤساء العرب قديمًا غيرة من ملوك الطبقة الثانية، نجوم الفنون والرياضة، فالملك هو صانع الملوك الصغار، وقد أصبح لكل فن ملوك كثيرون، فهناك ملوك حقيقيون لهم سلطة الشهرة؛ في الرياضة والطرب والتمثيل، وهي فنون ومضامير يصعب خداع الناس فيها، فإن رغب الرئيس أن يكون لاعب كرة وجب عليه الجري وإحراز الأهداف، وإن شاء الغناء وجب عليه إطرابنا بصوته ودفعنا للرقص وهو عمل يجانب هيبة المُلك، أما إن حسد نجوم التمثيل وكتبت له أفضل النصوص فإن جلال الملك ينافي خفة فنِّ التمثيل السينمائي والتلفزيوني، وإن كان الملك في أيامنا متضمنا فنَّ التمثيل لكنه تمثيل من رتبة أخرى.

طار ذكر ولي العهد في وسائل التواصل والأخبار، وظهر في زي الخريجين، من روسيا التي تشتهر ببيع الشهادات

ويعلم القارئ أنَّ الزعماء المحدثين، الذين برزوا من الفقر والشدة وصعدوا مدارج الشرف، وشبعوا بعد جوع وذل، غاروا من نجوم الرياضة والكتابة والفن، فكتب صدام حسين رواية "زبيبة والملك" من غير أن يكتب عليها اسمه، زهدًا في الشهرة. وكتب القذافي مجموعات قصصية ذوات عناوين طويلة تشبه البوست والقصة القصيرة جدًا، بل إن ابن عائلة القذافي، وهي عائلة غربية بين عوائل الملوك، ففيها عرق من الحاكم بأمر الله، هو الاستثناء الوحيد من الرؤساء العرب، باجتراء أحد أبنائه القذافي على هواية كرة القدم في بلد دكتاتوري، فأشترى ناديا رياضيا لكنه لم يشهد سوى مباراتين فقط، لذلك كانت الرياضيات، مضمارا غريبا اختارته العائلة السورية الحاكمة لابنها في المجد العلمي، ونجوميتها عقلية، خالية من الوجدان، لعلهم يريدون إقناعنا أن حافظ الأسد عقل فريد، مثل مشاهير العقول؛ أينشتين وهوكينغ والخوارزمي، لكن من غير ديباجات فلسفية أو دينية. حتى الآن على الأقل. لذلك استعاض إعلام النظام عن غياب الوجدان بتلك الصورة المشبوبة بالعاطفة، التي تشبه البوستر السينمائي والتي جمعت بين الأم وابنها في موسكو.

طار ذكر ولي العهد في وسائل التواصل والأخبار، وظهر في زي الخريجين، من روسيا التي تشتهر ببيع الشهادات، ولا يعني هذا أنَّ العواصم الغربية أحصن من موسكو وأوثق في بيع الشهادات المزورة لأبناء الرؤساء، فشهادة الرئيس الحالي في الطب هي من بريطانيا، وعواصم الميراث الاستعماري متسابقة في الكيد والمكر، وإن كانت شهادات بعضها أغلى من بعض. وما يجمع بينها أمر هو؛ أن الرؤساء جميعا يفضلون شهادة الغريب.

سننتظر كيف تُصنع صورة الحفيد الملكية صورةً صورة، ونذكر كيف صعد عمه باسل في الإعلام، مكافحًا للفساد. ويظنُّ أن مكرمات كثيرة تتنظر الابن. ويستطيع الابن بثروة العائلة الكبيرة أن يرفع الأجور دولارين، فيصير بطلًا في "جبر الخواطر" السورية، وهندسة الفراغ، وصناعة القطوع الناقصة، وعلم اللوغاريتم، بل إنه قد لا يحتاج إلى إنفاق سنت واحد من ثروته الموزعة في بنوك العالم، كأن يفرج عن طائفة من المعتقلين وهم بالآلاف المؤلفة، فيقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، فيلمع نجمه، ويحصل على ثناء كبير من دول الغرب والشرق، وينال ألقابا مثل لقب أبيه، فارس المعلوماتية، أو يتشرف بلقب مثل لقب أمه زهرة الصحراء. 

 أهلا وسهلا باللي جاي.