"لقد عشت سبع سنين حصار في سوريا، فهل يعقل أن أعيش نفس الحصار في دولة من بين أقوى 10 دول بالعالم، لا أملك دخلا وممنوع أن أعمل وممنوع أن أسافر" هذا ما يقوله فادي الأمين - لاجئ سوري في فرنسا حصل على الإقامة بعد انتظاره لأكثر من سنتين.
ويقول آخر "عمري 19 بس بشعر عمري من جوا 90 سنة" غياث (اسم وهمي) لطالب لجوء سوري وصل إلى هولندا قبل 13 شهرا ولا زال ينتظر الرد على طلب إقامته.
يُعتقد أن تجارب بعض القادمين الجدد إلى أوروبا في بلدانهم أو رحلتهم نحو اللجوء وما فرضته لاحقا المتغيرات الجديدة من اختلافات وتحديات ثقافية ودينية واجتماعية كانت سببا في تشكيل الضغوطات النفسية عند طالبي اللجوء، من دون مراعاة الفترات الطويلة لانتظارهم في مراكز الاستقبال والتي تعتبر عاملا يزيد ويخلق المصاعب النفسية المؤثرة على سلوكيات الفرد، هذه الفترة سمتها منظمة الصحة العالمية بـالمرحلة اللاحقة للهجرة. يتعقب تقريرنا الآثار النفسية للانتظار الطويل عند طالبي لجوء سوريين خلال هذه المرحلة.
تجدر الإشارة إلى الاهتمام الذي أولاه علماء النفس بالانتظار ويعرفونه بالحالة النفسية والعملية يعيشها الفرد ويجبر فيها على تأجيل تحقيق هدف معين أو انتظار حدث ما، بالطبع ترتبط هذه الحالة بمجموعة من السياقات يتوقف عليها تأثير الانتظار.
المرحلة اللاحقة للهجرة.. معدلات الاكتئاب مرتفعة بين اللاجئين
ترتفع معدلات انتشار الاضطرابات النفسية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق بين اللاجئين مقارنة بالسكان المضيفين وفق دراسة لمنظمة الصحة العالمية، نبهت فيها إلى المشكلات والضغوطات التي يواجهها المهاجرون واللاجئون، في أثناء المرحلة اللاحقة للهجرة.
عندما وصل فادي إلى أوروبا لم يتوقع أن يواجه تحديات نفسية في أثناء انتظاره قرار الإقامة: "السنة الماضية كانت أصعب أيام حياتي، رغم أني عشت الحصار والتهجير بالغوطة، بس هون صرت أتمنى أنرفض لأرتاح، مو منطق أنتظر كل تلك الفترة".
رغم مغادرته إلى أوروبا بتصريح عبور من القنصلية الفرنسية في إسطنبول، اضطر فادي للانتظار أكثر من عامين حتى حصل على حق الإقامة: "قرار لجوئي طول أكثر من سنتين، بعد انتظار 9 أشهر أجريت المقابلة الأولى، ثم حددوا مقابلة ثانية أجريتها بعد أكثر من عام على وصولي فرنسا".
في هولندا يقول غياث إنه أضاع عامين من حياته محاولا الوصول إلى أوروبا، دفع ثمنا باهظا من صحته الجسدية والنفسية بسبب الأخطار التي واجهها: "والمعاناة ع الطريق".
لكن ما يمر به الآن من ضغوطات ومصاعب تفاقم بسبب انتظاره لأكثر من عام قرار الإقامة وإبلاغ الشرطة له بداية نيتها ترحيله إلى النمسا "لأن أخي هناك".
يشير خبراء النفس إلى حالة عدم اليقين الناتجة عن الانتظار والتي تجعل من أصحابها عرضة أكبر لمشاعر التوتر والقلق.
أعراض نفسية للانتظار.. ما هو القلق المعمم؟
على كرسي خشبي، يقضي غياث معظم أوقاته في أثناء وجوده في المخيم، ينظر إلى الأفق تارة ويتصفح هاتفه تارة أخرى كما يقول: "يا أما عالموبايل بقضيها لعبة كلاش رويال".
تمثلت الضغوطات النفسية التي لا زال يعاني من بعضها بسبب طول مدة انتظاره، بالقلق المفرط تجاه المستقبل والتوجس الدائم من وضعه والشعور بعدم الاستقرار وصعوبة النوم، يقول بأنه قلما يشعر بنوبة من الهلع مقارنة بالسابق لكنه يستطيع التغلب عليها.
يبوح فادي الذي بدأ قبل أشهر جلسات علاجية إزاء ما مر به خلال فترة انتظاره: فرط التفكير والقلق، التسويف، فقدان الدافع والإحباط، صعوبات في النوم وكوابيس، إضافة إلى الحزن الشديد والبكاء المفاجئ دون داع.
لتتبعِ آثار الانتظار الطويل على اللاجئين في أوروبا عموماً، أجرينا مقابلة مع الاختصاصية النفسية يارا الأشتر: "الانتظار في العموم من مسببات الضغط النفسي ويمكن أن يكون من محرضات القلق ونوبات الهلع"، بالإضافة إلى الصعوبات في التكيف والتأقلم، اضطرابات النوم، وصعوبة التواصل الاجتماعي، كما تشير الأشتر إلى القلق المعمّم كنتيجة للانتظار وتتنوع أعراضه بين:
• معرفية: كالتفكير الكوارثي وتوقع الأسوأ وكذلك مشكلات في الانتباه أو التركيز.
• نفسية: تتمثل بالقلق والتوتر وسرعة الانفعال والغضب.
• سلوكية: تتجسد في تراجع الأداء الوظيفي أو الانسحاب الاجتماعي والعناية الذاتية.
تنطوي آثار القلق المعمم وفق المعهد الوطني الأميركي للصحة العقلية على عصبية مفرطة وقلق مبالغ إزاء عدد من الأنشطة والأحداث إضافة إلى صعوبة في التركيز، وهو نوع شائع من اضطرابات القلق قد يصيب الإنسان في أي عمر.
عوامل إضافية وأعراض جسدية:
يعتقد فادي أن حالته النفسية فاقمت من آلام ظهره: "كنت أعاني من آلام الظهر. اضطررت لإجراء عملية مستعجلة". تلفت الأشتر في هذا السياق إلى أن كثيرا من الآلام الجسدية منشؤها نفسي: "في كثير من الأحيان تكون الأعراض الجسدية هي المؤشر الأول للمشكلة النفسية".
اللجوء وفترة الانتظار تجربة صعبة لكن "وحدها ليست كافية" بحسب الأشتر، حيث تقف العديد من العوامل الإضافية في نشوء المصاعب النفسية مثل الخبرات السابقة والسمات الشخصية بالإضافة إلى البيئة المحيطة ودوائر الدعم المقربة.
استراتيجيات المواجهة.. المشي والبحث عن دوائر الدعم
رفض غياث إكمال الجلسات العلاجية، يفضل عليها ممارسة الرياضة لمواجهة ضغوطاته النفسية، يشير إلى وضعه الجيد مؤخراً خصوصاً بعد تلقيه تطمينات بعدم ترحيله بسبب ملفه الدراسي وتفوقه: "صح عانيت من أزمات نفسية بس ما خليت هالشي يؤثر على دراستي، المدرسين بحبوني وبشجعوني والكل بيحكي عن أخلاقي وشطارتي".
أما فادي فقد عاد لتوه من رحلة على الدراجة الهوائية استغرقت 40 يوماً عبر فيها أراضي عدة دول أوروبية، يصف وضعه بالممتاز، يتناول يومياً عقارا مضادا للاكتئاب: "لم أقف ولن أوقف الجلسات والدواء، حالتي تحسنت جدا وشعرت بفرق كبير، كنت متيقنا من وجود مشكلة نفسية. تراكمات بسبب فترة انتظار طلب اللجوء. نبهتني الوحدة إلى هذه التداعيات النفسية" يخبرنا أيضاً أنه تحدى نفسه وتعلم اللغة الفرنسية ويقوم حاليا بإكمال دراسته الجامعية.
"بالعموم أفضل الاستراتيجيات هي ممارسة أشياء تشعر الشخص بالإنجاز سواء المادي أو المعنوي" تعدد الاختصاصية النفسية يارا الأشتر أبرز الآليات لمواجهة تداعيات الانتظار الطويل على الصعيد النفسي:
• البحث عن دوائر الدعم والمساندة.
• ممارسة الرياضة وخصوصا المشي.
• ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء العضلي أو التخيلي.
• الكتابة.
• طلب الاستشارات التخصصية.
لا يكفي الفهم العميق أو استشعار المصاعب الكامنة وراء القلق المعمم والاضطرابات النفسية الناتجة عن الانتظار فقط، بل تبدو الحاجة ملحة لتوفير الدعم والمساندة ضمن مراكز إيواء اللاجئين وتهيئة ظروف الاستقبال وإعادة النظر بالفترة الطويلة للرد على طلب اللجوء، وهو ما سيجعل أثر المهاجرين أكثر إيجابية في المجتمع الأوروبي.
ختاماً من الجيد توجيه الأنظار نحو نوع أصعب من الانتظار يعيشه السوريون ممن فقدوا أحباء لهم لا يعرفون عنهم شيئا، هذه المرحلة من الانتظار سماها الباحثون في مجال علم النفس الخسارة الغامضة.