تعتبر الخرافات جزءاً من ثقافات عديدة استمرت معها على مدار آلاف السنين، ومنها عادة النقر على الخشب لرد النحس المنتشرة في عموم أرجاء أوروبا، وكذلك الأمر بالنسبة للرقم 13 الذي يعتبر مصدر شؤم للبعض في الثقافات المسيحية، وإذا صادف يوم الجمعة اليوم الثالث عشر من الشهر فإن ذلك قد يعتبر مصدر شؤم أيضاً. أما العين الشريرة فهي فكرة ما تزال سائدة حتى اليوم بين الكثير من الثقافات المختلفة، وعلى رأسها الثقافة التركية واليهودية واليونانية والعربية والمكسيكية والإيطالية.
يعتقد بأن العين الحاسدة ما هي إلا لعنة تتسبب بها نظرة شخص حسود لشخص آخر هو عبارة عن متلق لما تصدره تلك العين أو ما يعرف بالشخص المحسود، وهذه اللعنة تأتي من تمني الشر من قبل صاحب العين الشريرة للطرف الآخر. ولعل أشهر تميمة مشهورة تستخدمها جل الثقافات لرد تلك العين هي التعويذة الزجاجية التي تأتي بلون أزرق وأبيض والتي تشبه العين، وتستخدم مع غيرها من التمائم لرد تلك اللعنات التي قد تصيب المرء.
من أولى الدلائل على استخدام التمائم لرد العين الحاسدة هي تلك التي وجدت في تل براك بسوريا، وهنالك دليل آخر على استخدام التمائم لصد العين الشريرة ضمن الآثار الكلاسيكية اليونانية أيضاً، إذ يقال إن فلاسفة اليونان، وعلى رأسهم بلوطرخس، قد تطرقوا في أعمالهم للحديث عن عمل العين الشريرة وطرق االوقاية منها. وما يزال الكثير من الثقافات تؤمن حتى اليوم بالعين الشريرة وتمارس العديد من الطقوس للحماية منها.
العين الحاسدة في الثقافة الإسلامية
يعتقد كثير من المسلمين أن الأذى المادي يمكن أن يصيب المرء في حال نظر إليه أحدهم بحسد، حتى لو لم يقصد هذا الحاسد أن يتسبب بأي ضرر للمحسود، إذ يكفي أن يحس المرء بالغيرة من شخص آخر، سواء بشكل واع أو غير واع، حتى يصيب الآخر بتلك اللعنة، ولذلك يستخدم المسلمون عبارة: "ما شاء الله" عند الحديث عن أي نعمة أو أي شيء جميل وذلك لرد العين التي يمكن أن تصيبهم، ولهذا ورد في سورة الفلق من القرآن: "ومن شر حاسد إذا حسد"، وبناء على ذلك، ما يزال كثير من المسلمين يستعينون بالتمائم لرد العين الحاسدة مثل تميمة العين المعروفة باسم خميسة أو يد فاطمة، بالرغم من أن الإسلام يحرم ربط تلك الأمور بقدرة الله.
العين الحاسدة في الثقافة اليهودية
كما هي حال المسلمين، يعتقد أتباع الديانة اليهودية أن الأذى يمكن أن يصيب المرء بمجرد أن ينظر إليه شخص آخر أو حتى مخلوق خرافي ، إذ يرى بعض الحاخامات أن الكثير من الأحداث السلبية المروية في التوراة أتت نتيجة للعين الشريرة، وهذا ما يقال مثلاً حول قصة هاجر وسارة، إذ برأيهم أجهضت هاجر قبل أن تحمل بابنها إسماعيل بسبب سارة التي نظرت إليها نظرة حسد لهاجر، ولذلك يستخدم اليهود الذين يؤمنون بالعين الشريرة وأثرها تميمة خميسة لحماية أنفسهم من الحسد.
العين الحاسدة في الثقافة اليونانية
تعرف العين الشريرة في الثقافة اليونانية باسم "ماتي"، وكما هي حال المسلمين واليهود، يرى اليونانيون الذين يؤمنون بأثر العين الشريرة أن ذلك يحدث عندما ينظر أحدهم ويحدق بشخص آخر، ويترافق ذلك عادة مع إحساس بالحقد والمرارة. يعتقد كثير من اليونانيين أن مجرد إعجاب أحدهم بمولود جديد يمكن أن يخلف الضرر الذي تتسبب به العين الشريرة، ولهذا قد يبصق البعض منهم على الأرض بعد كيل المديح لرضيع حتى يرد ذلك الأذى عن الصغير. وهنالك الكثير من الأهالي الذين يعلقون تميمة العين بلونيها الأزرق والأبيض على ثياب الرضيع، وثمة ممارسات أخرى لدى اليونان لرد أذى العين الحاسدة منها إضافة قطعة زرقاء للثياب، أو ارتداء الخرزة الزرقاء كنوع من أنواع الحلي، أو تعليق تميمة عين زجاجية كبيرة، أو تعليق الثوم على الجدار. وفي هذه الثقافة، يُعتقد بأن النساء والأطفال هم الأكثر تعرضاً للعين الحاسدة، أما ضررها فيتمثل بحالة دوار وصداع والنحس الذي يصيب المرء لفترة قصيرة من الزمن.
العين الحاسدة في الثقافة التركية
يؤمن الأتراك بأن العين الحاسدة تتجلى بنظرة حقودة تخلف آثاراً سلبية وقد يكون سببها الغيرة واعتقاد المرء بأن الشخص المحسود لا يستحق النعمة التي يتمتع بها. وفي الثقافة التركية، يعتقد أن العين الحاسدة قد تتسبب بأضرار قد تصل حد الموت بالنسبة للمحسود، كما يعتقد البعض بأن العين الشريرة قد تأتي أيضاً من قبل قوى خارقة، ولهذا يستخدم الأتراك تميمة العين الزجاجية الزرقاء والبيضاء التي يسمونها "نظر"، وذلك لأنهم يعتقدون أن الهدف الوحيد من تلك التميمة هو رد الأذى وليس جلب الحظ للشخص الذي يرتديها أو يستخدمها. وكما يرتدي الناس تلك التميمة كذلك يعلقونها على رقاب حيواناتهم الأليفة بغرض حمايتها. يعتقد الأتراك أن تصدع التميمة أو انكسارها بعد مدة ما هو إلا دليل على أن التميمة قد فعلت فعلها المتمثل بحماية الشخص الذي يرتديها أو يعلقها.
العين الحاسدة في الثقافة المكسيكية
تعرف العين الحاسدة في الثقافة المكسيكية باسم "إل مال دي أوجو" وقد تتسبب برأيهم بالمرض للشخص المحسود. وكما هي الحال في الثقافات التي تحدثنا عنها آنفاً، قد تفعل العين الحاسدة فعلها دون أن يدرك الشخص الحاسد ذلك. أما بالنسبة لحضارة المايا التي قامت في جنوبي المكسيك، فيعتقد الناس هناك أن الأطفال والرضع أكثر الناس عرضة للعين الشريرة وذلك بسبب حداثة سنهم وعدم قدرتهم على صدها. وثمة اعتقاد سائد هناك بأن السكران يمكن أن يصيب الصغير أو الرضيع بالعين حتى ولو مر بهما مرور الكرام، ولذلك يجب أن يرتدي الرضيع أو الطفل على الدوام خيطاً إلى أن يكبر ويصبح قادراً على الكلام وذلك حتى يتمتع بالفوائد الكاملة لتلك التعويذة التي تحميه. ويعود سبب استخدام اللون الأحمر وليس الأزرق مع هذه التميمة إلى أن أهل المكسيك يعتقدون بأن هذا اللون قوي وجذاب، ولهذا يتمتع بقدرة أكبر على صد الطاقة السلبية.
العين الحاسدة في الثقافة الإيطالية
واسمها "مالوتشيو" بالإيطالية، إذ يعتقد غالبية الطليان بأن تحديق حاسد بشخص ما يمكن أن يسبب له النحس، ونظراً لذلك يتجنب الكثير من الإيطاليين الحديث عن إنجازاتهم أو ما حباهم الله بهم من نعم إلى أن تتحقق كلها بشكل لا يمكن التراجع عنه. ولو أصيب أحدهم بالنحس، فإن ذلك برأيهم يرجع إلى العين الشريرة. تشخص الإصابة بالعين الشريرة في الثقافة الإيطالية عبر مزج ماء مع قطرات من الزيت، فإذا امتزج الزيت بالماء، عندها يتأكدون من أن الشخص مصاب بلعنة العين الشريرة، ولحماية أنفسهم من تلك العين، قد يستعين الطليان بتمائم حمراء لها شكل القرون، وقد يرتدي بعضهم قلائد من الأحجار قد تبدو للزينة لكنها في الحقيقة تستخدم لصد الطاقة السلبية.
المصدر: ستادي بريكس