شهدت مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب وريف حلب الغربي والمخيمات القريبة من الحدود التركية يوم الجمعة الفائت مظاهرات ووقفات احتجاجية تطالب بإخراج المعتقلين من سجون هيئة تحرير الشام، ووقف الحرب التي تشنها الأخيرة على التنظيمات الجهادية التي تضم في صفوفها مهاجرين أجانب.
ويأتي الحراك الذي اشتركت فيه عدة فعاليات مدنية وأخرى سلفية ودعوية، بعد الإعلان من جانب تحرير الشام يوم الخميس الفائت عن إنهائها ملفَ تنظيم "جند الله" الذي كان متحصناً في منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي.
فهل ستواصل تحرير الشام حملتها ضد تنظيمات وكيانات جهادية أخرى؟
احتجاجات ودعوات للتظاهر
شهدت مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي التجمع الأكبر للمتظاهرين المناهضين لتحرير الشام، وانطلقت المظاهرة من الجامع الكبير في المدينة بعد انتهاء صلاة الجمعة، وطاف العشرات أحياء المدينة وتجمعوا في إحدى ساحاتها هاتفين: "تسقط حكومة الإنقاذ" و"تسقط حكومة الضرائب" و"الأتارب حرة والجولاني يطلع برا" و"جولاني ولاك ما بدنا ياك".
في الأتارب يهتف المتظاهرون الذين مارضوا يوماً الذل
— عبدالقادر محمد لهيب (@abdalkaderlhep2) October 29, 2021
يسقط الجولاني
تسقط أمنية الهيئة
يسقط الـ700 "وهو فرع أمني تشبيحي لعلي مملوك بقيادة الهيئة"
بوركت الصيحات ولا حرمنا الله منها pic.twitter.com/A6WxXDdkfz
وردد المتظاهرون الكثير من الهتافات المنددة بسياسات تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها، ورفعوا لافتات كتبت عليها عبارات تهاجم تحرير الشام وزعيمها أبا محمد الجولاني، وطالب المتظاهرون بإطلاق سراح المعتقلين الذين زجت بهم تحرير الشام في سجونها يوم 27 من تشرين الأول بعد مشاركتهم في وقفة احتجاجية كانت قد شهدتها ساحة باب الهوى القديمة شمالي إدلب يوم 27 من تشرين الأول، حينها أعلن المحتجون عن رفضهم للحملة العسكرية التي تشنها تحرير الشام ضد تنظيم "جند الله" والشخصيات الجهادية المتحالفة معه في المناطق الجبلية الوعرة بريف اللاذقية الشمالي.
وقفة في ساحة باب الهوى شمالي إدلب، ضد تنظيم هيئة تحرير الشام " جبهة النصرة" مع ترديد شعارات بإسقاط زعيم التنظيم "الجولاني" وشبيحته في إدلب. pic.twitter.com/sgWa0Ze1PX
— حسن جنيد | HASAN JNEED (@Hasan_Jneed) October 27, 2021
امتدت الاحتجاجات يوم 29 من تشرين الأول إلى مخيم البركة القريبة من بلدة دير حسان شمالي إدلب، وتكاد مطالب المحتجين الذين كان أكثرهم من الأطفال واليافعين، تركز على المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، ومطالبة تحرير الشام بالكف عن ملاحقة وقتال الجهاديين الأجانب (المهاجرين)، كما شهدت ساحة السبع بحرات في مدينة إدلب وقفة احتجاجية أخرى للمطالبة بالمعتقلين في سجون تحرير الشام.
الجهاديون يدعمون الاحتجاجات
وكانت ساحة باب الهوى القديمة شمالي إدلب قد شهدت وقفة احتجاجية رافضة لقتال تحرير الشام التنظيمات الجهادية، في 27 من تشرين الأول الحالي، وردد المتظاهرون خلال الاحتجاجات هتافات شديدة اللهجة ضد زعيم تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، ونادوا بإسقاط تحرير الشام و"الإنقاذ". تلا الاحتجاج حينها حملة اعتقالات طالت عدداً من المشاركين، وبينهم رجل مسن ظهر بشكل متكرر في التسجيلات المصورة هاتفاً ضد "الجولاني"، يدعى أبو عبدو لبن، واعتُقل الأخير لساعات ثم أطلق سراحه من سجون تحرير الشام بينما بقي الآخرون حتى الآن.
يبدو أن التيار السلفي الجهادي المناهض لتحرير الشام وراء الاحتجاجات الأخيرة التي تفاعلت معها الأوساط المدنية الغاضبة أصلاً بسبب الأداء الانتهازي لتحرير الشام وحكومتها وما نتج عنه من أزمة معيشة وارتفاع كبير في أسعار السلع والمستلزمات الأساسية.
ويبدو أن داعمي الاحتجاجات ومنهم "حزب التحرير - ولاية سوريا" والجهاديون المستقلون والمنشقون السابقون عن تحرير الشام يحاولون استغلال الاستياء الشعبي المتصاعد من تحرير الشام، ويرغبون في توسعة الحراك ليشمل مناطق أخرى في إدلب، وقد دعوا لمظاهرة في مخيمات أطمة شمالي إدلب يوم أمس السبت. كما بدأ الجهاديون المناهضون لتحرير الشام يتحدثون عن أهمية التظاهرات أيام الجمعة، ودعوا لعودة التنسيقيات التي تنظم الحراك.
هل تتواصل حملة تحرير الشام؟
اعتقلت تحرير الشام اثنين من أعضاء حزب التحرير في قرية البردقلي شمالي إدلب، وهما ياسين شما، والروسي الجنسية أبو إبراهيم إسلام.
وقال أحمد عبد الوهاب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تلغرام: إن "سيارة مجهولة حاولت اختطاف الرجلين فقاما بالدفاع عن أنفسهما أمام قاطعي الطريق الذين حاولوا اختطافهما ليتبين أنهم يتبعون لأمنية الهيئة التي مازالت تتصرف بعنجهية من لا يحسب حساب غضب الله عز وجل ولا غضب الأمة".
وأضاف عبد الوهاب: "قامت سيارة الخاطفين على إثر ذلك بطلب مؤازرة طوقت المكان واعتقلت الشابين دون تفكير بعواقب ذلك، هذا ولا تزال أمنيات تحرير الشام تعتقل كل من عناد جعبار وأبي مجاهد الطاجيكي من شباب حزب التحرير اللذين مضى على اعتقالهما أكثر من تسعة أشهر أثناء قيامهما بأعمال حملة الذكرى المئة لهدم الخلافة".
ووجه عبد الوهاب رسالة حادة لتحرير الشام قال فيها: "إن سياسة تكميم الأفواه والقمع والتسلط والتضييق التي تنتهجها تحرير الشام تسوق ما يسمى المناطق المحررة إلى الهاوية وإن ارتباطها بالنظام التركي واستنادها في قوتها إليه بدل أن تستند للحاضنة الشعبية، واستقواءها به وبقوتها على أهل الشام الثائرين هو الذي سيوردها المهالك، وسيأتي اليوم الذي يتخلى فيه عنها الداعمون بعد أن يحققوا مصالحهم وتبقى وحيدة في مواجهة المظلومين".
ودعا عبد الوهاب لدعم الاحتجاجات وتوسعها، وقال "المظاهرات الصغيرة المتعددة فيما يسمى المناطق المحررة، هي عبارة عن فقاعات بركانية صغيرة تنذر بالانفجار البركاني الكبير، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو استعادة الأمة سلطانها المغتصب من قبل قيادات الفصائل المرتبطة".
بعد إنهائها ملف "جند الله" وقبله "جنود الشام" الذي يتزعمه مسلم الشيشاني، بدأ الجهاديون يتحسسون الخطر ويخشون أن تواصل تحرير الشام حملتها ضد ما تبقى من جماعات وشخصيات سلفية وجهادية مناهضة، ومن بينهم حزب التحرير صاحب العلاقة المتوترة مع تحرير الشام وأنصاره على صدام دائم مع عناصرها ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية.
ويبدو أن لدى تحرير الشام مبرراتها في حال قررت التضييق على أعضاء الحزب وملاحقتهم فهي تعتقد أن حزب التحرير قد يتحول إلى تيار جاذب لفلول التنظيمات التي قضت عليها أو تلك التي أضعفتها وعملت على حلها، أي أنه من المفترض أن ينضم إلى صفوف الحزب جهاديين وسلفيين أجانب طمعاً بالحماية وميزات أخرى قد يحصلون عليها.
مصير "جند الله"
يمكن القول بأن تحرير الشام قد قضت على تنظيم "جند الله" الذي لم يتبق منه إلا عشرات العناصر، بعد خسارتهم لقسم كبير من أعدادهم وعتادهم الحربي في معارك جبل التركمان مع تحرير الشام والتي استمرت لثلاثة أيام (بين 25 و 28 من تشرين الأول)، ولن تترك تحرير الشام الجند وشأنهم بعد انسحابهم من معاقلهم التقليدية، بل سيخضعون للتحقيق والمساءلة ويعرض المطلوبون على محاكمها وفق بنود الاتفاق الذي توسط لعقده "الحزب الإسلامي التركستاني".
وتقول مصادر عسكرية متطابقة لموقع تلفزيون سوريا إن "تنظيم جند الله شبه منته، وستعمل تحرير الشام على تفكيك ما تبقى من بنيته التنظيمية بالتدريج، والحال ينطبق أيضاً على جنود الشام الذين يتزعمهم الشيشاني، فالاتفاق أيضاً ينص على مقاضاة المطلوبين قبل الأحداث الأخيرة، أي أن التنظيمين لم يعد لهما التأثير الفعلي بعد أن خسروا معاقلهم التي كانت مغلقة وممنوعة على أجهزة تحرير الشام الأمنية والعسكرية، أما الآن فهم تحت رحمة قبضتها الأمنية الباطشة".