منذ طرحه كفكرة سادت الكثير من الشكوك وعلى نطاق واسع حول ما إذا كان الحد الأقصى لأسعار النفط الذي سيفرضه الغرب سيحد من قدرة روسيا على تمويل حربها على أوكرانيا باستخدام إيرادات الطاقة. لقد ثبت الآن أن الرافضين لهذه الاستراتيجية مخطئون بشدة.
جعل الحد الأقصى، بالإضافة إلى العقوبات الغربية الأوسع على روسيا، والطاقة بشكل خاص، من الصعب على الشركات الدولية شراء النفط والطاقة الروسيين. أدت التعقيدات في تجارة النفط الروسي، على وجه الخصوص إلى خصم كبير (30٪ -40٪) يتم تطبيقه على النفط الروسي. ربما تم تحديد سقف سعر النفط عند 60 دولارًا، لكن مزيج نفط الأورال يتداول الآن أقل بكثير من هذا المستوى.
النتيجة الصافية لكل ما سبق هي أن روسيا فقدت أكثر من نصف الحجم المادي لمبيعاتها السابقة من الغاز إلى أوروبا، وعادت أسعار الغاز في أوروبا الآن إلى مستويات ما قبل فبراير. قد يؤدي هذا إلى خسارة روسيا 50 مليار دولار من إيراداتها السنوية في عام 2023.
يوضح المخطط المرفق أدناه التراجع في إيرادات روسيا النفطية منذ تطبيق استراتيجية سقف السعر النفطي:
بالنسبة للنفط، إذا استمر برميل نفط الأورال في التداول بخصم 30٪ -40٪ من خام برنت، فقد تشهد روسيا انخفاض ب 100 مليار دولار أخرى من عائدات تصدير النفط. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خسارة إجمالية قدرها 150 مليار دولار هذا العام.
سيؤدي انخفاض عائدات تصدير الطاقة أيضًا إلى إبطاء نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لروسيا، مما ينتج عنه ضربة مزدوجة على الجانب المالي، حيث انخفض الدخل الضريبي أيضًا.
في عام 2022، يُعتقد أن عجز الميزانية الروسية قد بلغ نحو 2.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن مع تداول أسعار نفط الأورال الآن بأقل بكثير من 50 دولارًا للبرميل، فإن العجز، الذي يتحمل الآن أيضًا عبء زيادة الإنفاق العسكري والاجتماعي، قد يرتفع إلى 6-7٪ من الناتج المحلي الإجمالي. في حين أن وزارة المالية يمكن أن تهدئ هذا إلى حد ما من خلال السماح للروبل بالضعف، وزيادة قيمة الروبل لإيرادات النفط المنخفضة بالدولار، فإن هذا من شأنه أن يزيد من المخاطر الأوسع نطاقاً على الاستقرار المالي للاقتصاد الكلي ومن المرجح أن يسرع هروب رأس المال.
يوضح المخطط المرفق أدناه حركة واتجاهات تصدير النفط الروسي عبر موانئ البحر الاسود حيث يظهر أن الصادرات إلى أوروبا وأميركا الشمالية اقتربت من الصفر:
كل هذا يؤكد خطأ حسابات فلاديمير بوتين عندما شن غزوًا واسع النطاق على أوكرانيا في فبراير من العام الماضي. فقد قلل الروس من إمكانية تسريع انتقال الطاقة الكربونية إلى أوروبا ستقلل من اعتمادها على الطاقة الروسية، وبالتالي تقلل من نفوذ روسيا على أوكرانيا. افتراض بوتين (على الأقل جزئيًا) أن هذا لن يتم أو أنه سيتطلب وقتا طويلا جدا. في الواقع، وبحلول أواخر عام 2021، كانت أوروبا قد وصلت تقريبًا إلى الحد الأقصى من الاعتماد على الطاقة الروسية، وخاصة الغاز الذي سجل في تاريخ كتابة هذه المقالة أدنى سعر له في 52 أسبوع كما يوضح المخطط المرفق أدناه:
كانت المعضلة التي تسبب فيها بوتين في أوروبا هي في الإجابة على السؤال التالي: هل سترضخ أوروبا للابتزاز الروسي، نظرًا لحاجتها إلى الغاز لتدفئة المنازل وصناعة الطاقة، ومواصلة إمداد الطاقة الروسية الرخيصة نسبيًا والحرجة اقتصاديا، أم إنها ستصطف إلى جانب أوكرانيا؟
في الأشهر القليلة الأولى بعد الغزو الشامل، ومع اقتراب أوروبا من فصل الشتاء، كان هناك الكثير من الأمور التي توحي بأن حسابات بوتين كانت محسوبة بشكل جيد. ارتفعت أسعار النفط من 20 إلى 25 دولارًا للبرميل في الفترة التي أعقبت الغزو مباشرة إلى أكثر من 105 دولارات للبرميل. وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار الغاز بشكل كبير، حيث ارتفعت بأكثر من 20 ضعفًا في بعض الحالات بحلول أواخر الصيف، حيث انتاب الأسواق قلق بشأن مستويات تخزين الغاز الأوروبية وقدرة أوروبا على البقاء في فصل الشتاء مع انخفاض الإمدادات الروسية كثيرًا. كان الحديث عن السخط الشعبي، وتقنين الطاقة، واضطراب الإمدادات، والضربة الكارثية المحتملة للنمو والنشاط الاقتصادي الأوروبي.
كان يُنظر إلى العقوبات الغربية التي تحد من مشتريات الغرب من النفط والطاقة الروسيين على أنها تأتي بنتائج عكسية، وتؤدي إلى مصلحة روسيا وتدفع الأسعار إلى الارتفاع، وتعزز بشكل عكسي تدفقات الإيرادات إلى روسيا. اعتبارًا من نوفمبر، كانت عائدات النفط في الميزانية ترتفع بنحو الثلث على أساس سنوي، مما أدى إلى توقعات واثقة من المسؤولين الحكوميين الروس بأن عجز الميزانية للعام بكامله سوف يتحسن على 1.2 ٪ من العجز المستهدف في الناتج المحلي الإجمالي. كانت بيانات ميزان المدفوعات مشجعة بالمثل بالنسبة لروسيا، حيث أفاد البنك المركزي أن فائض الحساب الجاري ارتفع إلى 226 مليار دولار للأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2022، أي أكثر من ضعف فائض العام السابق البالغ 108 مليار دولار.
بدا أن بوتين يمتلك كل الأوراق، وأشار الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين إلى أن أوروبا ستنهار في النهاية.
إذن ما الذي جرى؟ وما الخطأ الذي وقع؟
أولاً: التشديد النقدي على مستوى العالم وقوة الدولار تدفع أسعار السلع بشكل عام إلى الانخفاض.
ثانيًا: كان شتاء أوروبا الغربية حتى الآن معتدلاً نسبيًا ومن المفارقات أنه ثبت أنه قاسٍ في روسيا نفسها، بالإضافة إلى انخفاض استهلاك الطاقة في بعض الدول الأوروبية وبالأخص ألمانيا.
ثالثًا: استمر التضامن الغربي، وتمكنت أوروبا من توفير مصادر بديلة للطاقة، ولا سيما واردات الغاز الطبيعي المسال من شمال أفريقيا والولايات المتحدة والشرق الأوسط. نتيجة للعوامل المذكورة أعلاه، تم الحفاظ على مستويات تخزين الغاز الأوروبية عند مستويات عالية موسميًا، وانخفض الطلب على الطاقة الروسية.
رابعًا: بعد الكثير من الجدل بين الحلفاء الغربيين، تم التوصل إلى اتفاق على سعر برميل النفط 60 دولارًا.
وخامسًا: أثرت الحرب في أوكرانيا سلبًا على النمو العالمي ومعها الطلب على السلع، ولا سيما النفط والطاقة.
في الختام، من خلال حربه في أوكرانيا، يبدو أن بوتين دفع أوروبا الى تسريع وتيرة تحولها في مجال الطاقة وتنويعها بعيدًا عن روسيا مما سيقلل من حجم الطلب على الطاقة الروسية.
لكن الحرب أضرت بالطلب العالمي والأسعار مما سيضاعف من خسائر الحجم لروسيا مع انخفاض الأسعار. ستكون النتيجة الإجمالية ضربة مدمرة لاستقرار الاقتصاد الكلي الروسي، مما يؤدي إلى تسريع الانهيار الاقتصادي الروسي على المدى الطويل، فهل سيؤدي ذلك إلى توسع الحرب وتغير شكلها إلى حرب غير تقليدية.