استدارة في دمشق.. وممر لإسرائيل الكبرى

2024.10.07 | 06:03 دمشق

fahv
+A
حجم الخط
-A

شكَّلت لحظة تنفيذ عملية طوفان الأقصى قناعة عند الجميع، بأن الحرب الإسرائيلية العنيفة المدعومة أميركياً وغربياً، هي حرب ستطال المنطقة ككل، ولا يمكنها أن تقف عند حدود القطاع، وأن الدور آتٍ بعد غزة وسيصل إلى لبنان وسوريا، وهو ما تمَّت ترجمته حرفياً في المسار التكتيكي العسكري الإسرائيلي، بتوسيع الاغتيالات على كل جغرافية المنطقة. إذ تقع الجغرافيا السورية كلها في مرمى الاستهداف الاستراتيجي لتل أبيب، ولا يمكن تجاهل نوعية تلك الاستهدافات مؤخراً، والتي كان آخرها في مصياف والديماس، مما يوحي بالحد الأدنى بأن خطوط الإمداد ليست آمنة، سواء كان ذلك بقرار من النظام في دمشق أو بغيره، أو برضوخ لرسائل الإنذار التي وصلت إلى الأسد.

بدأ حزب الله حربه الإسنادية لغزة، في الوقت الذي يخوض النظام السوري استدارة استراتيجية بطيئة. فالعدوان على لبنان وتصفية الحساب سيكونان المقدمة للتفرغ لإيران عبر سوريا، ورسم شرق أوسط ينسجم مع الخطاب الديني التوراتي الذي بدأ الترويج له.

هناك من يعتقد أن تل أبيب لن تكتفي بإقامة حزام أمني جنوبي لبنان لمنع تهديدات حزب الله على حدودها، فإسرائيل تطمح لأبعد من ذلك. إذا رأت أن مسرح اللعب في الشرق الأوسط كان سهلاً وهادئاً، فهي بدأت باستغلال الخطاب الديني والتوراتي لتحقيق مزاعم "الدولة اليهودية الكبرى"، إرضاءً لطموحاتها التوسعية في تشريع الحرب والقتل، باعتبارهما جزءاً من مخطط "إلهي" لإعطاء شرعية لأعمالها التوسعية. يترافق هذا الترويج مع تصريحات القادة العسكريين الإسرائيليين، الذين يربطون بين النصوص الدينية وسياساتهم العسكرية ورؤية نتنياهو التوسعية، وهو ما يعكس تحولاً خطيراً نحو توظيف الدين كأداة لتبرير سياسات الاحتلال والعدوان.

تقوم واشنطن بالخداع بتفعيل دبلوماسيتها وتنشيطها حيال حرب غزة ولبنان، بدعم مادي عسكري كبير لآلة الحرب الإسرائيلية. ومع صمت المجتمع الدولي، لم تعد الحرب إسرائيلية خالصة، بل أصبحت حرباً إسرائيلية أميركية أوروبية لترسيخ مكانة إسرائيل في المنطقة كقوة مهيمنة على باقي الدول، لها الحق بتوسيع مساحتها الضيقة على حساب قطاع غزة والضفة الغربية والجولان السوري وأجزاء من لبنان ومن الأردن، ومحو أي وجود لفلسطين والفلسطينيين، وتسعى إلى محو حل الدولتين وحق العودة نهائياً، مع فرض مظلة أمنية لا تحوي تحتها رافضي الاحتلال من أنصار المقاومة.

لكن الأخطر في هذه المخططات هو المشروع التوسعي الإسرائيلي الذي يُسمى اليوم بـ"ممر داوود"، والذي يُكثر الحديث عنه في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية. يبدأ هذا الممر من الجولان السوري المحتل ويمتد عبر سوريا ليضم مناطق يسيطر عليها الأكراد على الحدود السورية-العراقية. وإذا ما تحقق هذا المشروع، فسيتيح لتل أبيب إمكانية السيطرة على مناطق واسعة تصل إلى حدود العراق، بإقامة "دولة إسرائيل الكبرى". علماً بأن هذا الممر يمتد على جغرافيا سورية توجد فيها قواعد أميركية، مما يؤكد أن الولايات المتحدة متواطئة في هذا المشروع التوسعي، مستفيدة من سيطرتها العسكرية على المنطقة.

يرتبط هذا المشروع بتصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي يراهن نتنياهو على عودته إلى البيت الأبيض. سبق أن تحدث ترامب، واليوم أمام الإعلام، عن ضرورة توسيع حدود إسرائيل، معتبراً أن الضفة الغربية يجب أن تُضم كجزء من الأراضي الإسرائيلية. هذا يكشف عن دعم أميركي واضح لمشاريع التوسع الإسرائيلية، مما يجعل المخاوف حيال هذه الخطط جديّة وليست مجرد تهديدات، بل هي جزء من سياسة طويلة الأمد تسعى إسرائيل إلى تنفيذها عبر تحالفاتها الإقليمية والدولية.

تشير مصادر دبلوماسية وعسكرية واستخباراتية في المنطقة إلى أن مشروع تل أبيب لن يقف عند ضرب لبنان وحزب الله، بل يهدف إلى إقامة "ممر داوود" من الجولان السوري إلى حدود العراق، كردّ على إقامة طهران حزام تحالفاتها من طهران إلى المتوسط. وتضيف المصادر أنه إذا لم يتم إيقاف إسرائيل الآن، فإن هذا الممر سيكون الخطوة الأولى نحو تحقيق "مشروع دولة إسرائيل الكبرى"، التي تمتد حدودها وفقاً للطموحات التوراتية.

الخطط الإسرائيلية تقوم على التوسع لاحتلال مناطق استراتيجية وغنية بالموارد، مما يهدد مصالح الدول كافة في المنطقة. تسعى إسرائيل إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها، سواء عبر القوة أو من خلال شراء الأراضي والاستحواذ التدريجي، لتحقيق الحلم الإسرائيلي بإقامة "الدولة الكبرى"، التي ستزعزع استقرار المنطقة بأسرها.

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه الأممي عن نواياه عندما رفع خريطتين للإقليم. الأولى ترسم دول "الممانعة والمقاومة" باللون الأسود، وتضم إيران والعراق وسوريا ولبنان. أما الثانية، فمرسومة باللون الأخضر، وتضم إسرائيل وبعض الدول العربية معها. اتهم نتنياهو المحور الأول بأنه العائق أمام "الازدهار" في الشرق الأوسط، ولم يوفر في هجومه الأمم المتحدة، ولا حتى السلطة الفلسطينية، التي لمّح مراراً إلى نيته التخلص منها والانقضاض على اتفاقات أوسلو.

بغض النظر عن التباينات حول سياسات إيران في المنطقة، فإن العدوان المتلازم على لبنان وتصفية الحسابات مع حزب الله، يبدو وفق المراقبين مقدمة للتفرغ لإيران، ورسم شرق أوسط جديد، لا تكون طهران لاعباً مؤثراً فيه إلا إذا تنازلت وطُوِّعت وفقاً للرغبات الأميركية والإسرائيلية، بالتخلي عن طموحاتها النووية والابتعاد عن المحور الشرقي. هذا هو صلب الصراع اليوم بين طهران وتل أبيب، بعد الردّ الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية بوابل من الصواريخ، مما أعاد المشكلة بشكل مزدوج إلى إسرائيل وأميركا.

ربما تعيش إسرائيل لحظة تاريخية واستراتيجية تسمح لها بإحراق أوراق إيران في المنطقة. لكن رغم توظيف نتنياهو لهذه اللحظة، فإن الحرب الكبرى التي يسعى إلى جر الدول إليها، ستعيد رسم شرق أوسط لن يقبل به أصحاب المصالح الجيوستراتيجية في الإقليم وحول العالم، مثل الدول العربية وتركيا وباكستان، وكذلك في الغرب وروسيا والصين.

 

كلمات مفتاحية