icon
التغطية الحية

"احتلال" المدارس اللبنانية ورفض لـ "الدمج".. حملة عنصرية ضدّ الطلاب السوريين

2023.08.11 | 05:32 دمشق

ءئؤر
طلاب سوريون ولبنانيون يجلسون معاً في صفوف في إحدى المدارس الابتدائية في بيروت
بيروت - سهى جفّال
+A
حجم الخط
-A

على وقع تخبط الحكومة اللبنانية في إدارة ملف عودة اللاجئين السوريين، أطلت حملة عنصرية جديدة برأسها مع اقتراب بدء العام الدراسي لعامي 2023-2024 تستهدف الطلاب السوريين وسط "تحذيرات" من خطة ومساع "دولية خبيثة" تهدف لدمج الطلاب السوريين مع الطلاب اللبنانيين على اعتبار أنها جزء من عملية التوطين المرفوضة.

عناوين مختلفة طبعت المخاوف اللبنانية، حيث علت الأصوات الرافضة لما وصفوه بـ"احتلال" للمدارس اللبنانية، بعد تسويق عدة وسائل إعلامية لضغوطات تمارس من قبل السفارات الأوروبية والمنظمات الدولية المانحة على الحكومة اللبنانية ووزارة التربية والتعليم العالي بهدف إلغاء دوام بعد الظهر المخصص لتعليم تلاميذ اللاجئين السوريين ودمجهم مع التلاميذ اللبنانيين في دوام قبل الظهر، وضرورة إعداد برامج السنة الجديدة بشكل يراعي عمليات الدمج بين الطلاب اللبنانيين والسوريين مع إمكانية الاستعانة بمعلمين سوريين، كشرط أساسي لتقديم الدعم والمساعدات لقطاع التعليم الرسمي عبر تمويل وزارة التربية لدفع بدلات إنتاجية للمعلمين.

يأتي ذلك في ظل التدهور الدراماتيكي للمشهد التربوي في لبنان والذي يُنبئ بظروف أسوأ مقبلة على الطلاب، لا سيما أن التداعيات الكارثية للسنة الدراسية الماضية لم تنتهِ بعد، في ظل اعتكاف الأستاذة والاضرابات المتواصلة للمطالبة بدفع مستحقاتهم وحوافز وعدوا بها، ما يحرم ما يقارب الـ 520 ألف تلميذ من حقهم في التعليم، وهو ما يدفع ثمنه أيضا الطلاب السوريون.

وزارة التربية تنفي

على الرغم من نفي وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، “ما يتم التداول به حول دمج التلامذة السوريين، مؤكدا أنها نوع من الفبركات الإعلامية لا أساس لها من الصحة ولم يفاتحه بها أحد لا من جهة دولية ولا مانحة ولا من أي جهة أخرى محلية أو خارجية”، إلا أن عاصفة ردود الفعل لم تهدأ بعد، عبر استغلال "فزاعة" التوطين ومخططات للاستعاضة عن السكان الأصليين بسكان غرباء والتأثير على هوية لبنان واستقلاليته وثقافته وديمغرافيته بحسب وصف بعضهم.

المخاوف من "الدمج" ترافقت مع الحديث عن ارتفاع نسبة الطلاب السوريين إلى خمسين في المئة من الطلاب في لبنان. إلا أن مصادر في دائرة الإحصاء المركزي نفت ما يجري تداوله، مشيرة إلى أنه "في آخر إحصاء وضع في العام 2019 كانت نسبة الطلاب السوريين 20 في المئة من طلاب لبنان. أما الولادات التي حصلت بين النازحين بعد الإحصاء فلم يدخلوا إلى المدارس بعد. ولا أرقام رسمية حول الولادات في هذه الفترة. وبالتالي، كل حديث عن ارتفاع نسبة الطلاب السوريين إلى خمسين في المئة غير صحيح".

وكان قد شدد وزير التربية على أن "الوزارة مستمرة بالنظام ذاته الذي كان معمولاً به سابقاً، أي أن دوام قبل الظهر للتلامذة اللبنانيين حصراً، ودوام بعد الظهر للتلامذة غير اللبنانيين حصراً"، مشيراً إلى أن “التعليم بعد الظهر تغطي تكاليفه الجهات المانحة وإن كان جزئياً يلقي بأعباء على موازنة الدولة اللبنانية لجهة استهلاك المباني المدرسية الرسمية التي تعمل بدوامين قبل الظهر وبعده، مما يترتب على ذلك استهلاك لكل مرافق المدرسة، ولكن هذا الأمر لن يغير في توجه وزارة التربية حتى اليوم".

وأوضح أن "سياسة الحكومة اللبنانية منذ البدء، تكلف الأساتذة اللبنانيين حصراً بتدريس اللبنانيين والنازحين في المدارس الرسمية إن كان ذلك في دوام قبل الظهر أو بعده، وبالتالي فإن وزارة التربية لا تحتاج إلى خدمات هيئة تعليمية من غير اللبنانيين. وبالتالي فإن المناهج المعتمدة للتدريس هي مناهج لبنانية حصراً في الدوامين"، لافتاً إلى أن "تعليم غير اللبنانيين المشمولين بالدعم الدولي يغطي مرحلة التعليم الأساسي فقط أي حتى الصف التاسع الأساسي".

تمويل تعليم الطلاب السوريين

مصادر في وزارة التربية اللبنانية قالت لموقع تلفزيون سوريا إنه "حتى الآن يغطي الدعم الدولي فقط تعليم الطلاب السوريين بعد الظهر، في حين لم توافق الدول المانحة بعد على تمويل وزارة التربية لدفع رواتب الأساتذة والموظفين باعتبار من مسؤولية الدولة اللبنانية".

واستدركت المصادر أنه "صحيح أن موقف الدول المانحة لا يزال على حاله، إلا أن الأبواب غير مقفلة"، وكشفت عن وجود اتصالات واجتماعات لوزير التربية مع ممثلين عن الدول والبنك الدولي ومع منظمة اليونيسف بهدف دفع بدلات إنتاجية.

وأمام إصرار الجهات المانحة على موقفها، يبدو أنه لا أمل للأساتذة بتحسين شروط عيشهم في ظل إفلاس الدولة وعجزها عن تأمين مطالب الأساتذة، ما يعني أن العام الدراسي المرتقب لن ينجو من الإضرابات المفتوحة، بحسب المصادر نفسها.

وفي المقابل ترى مصادر مطلعة أن الحديث أخيراً عن ضغوطات من قبل الجهات المانحة على وزارة التربية بهدف دمج الطلاب السوريين قبيل بدء العام الدراسي "ليس بريئاً"، ولم تستبعد المصادر أن تكون الوزارة وراء هذه الحملة الإعلامية بهدف ابتزاز الجهات الدولية للموافقة على تمويل مطالب الوزير.

وأشارت هذه المصادر في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، إلى أنه "لطالما استغلت الحكومة اللبنانية ملف اللاجئين لابتزاز المانحين، وبالتالي فتح قضية الدمج لا يمكن وضعها إلا في هذا السياق".

وقال المدير العام لاتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان حسام الغالي، لموقع تلفزيون سوريا: "ثمة تضخيم كبير للأعداد والأرقام التي تخص اللاجئين السوريين في لبنان، فعددهم طبيعي بالنسبة لعدد اللبنانيين... وصل الأمر إلى التسويق بأنه مقابل كل ولادة لبنانية واحدة يقابلها 7 ولادات سورية، وهذا الأمر غير صحيح".

وأوضح حسام الغالي أنه مقابل 3 ولادات لبنانية يولد طفل سوري واحد، وأكد أنه كل ما يروج من أرقام ومعلومات أمر مبالغ فيه.

وعن الطلاب السوريين قال الغالي: "المشكلة الأساسية أن معظم الطلاب السوريين خارج المدارس، علماً أن المدارس الرسمية في لبنان لم تفتح أبوابها العام الفائت سوى شهرين، وعندما كانت تفتح أبوابها لم يكن الطلاب السوريون يتلقون التعليم المناسب خلال فترة ما بعد الظهر إذ اقتصرت عملية التعليم على ساعتين فقط".

وأضاف: "الأمم المتحدة تتحدث عن نسبة تسرّب أكثر من 45 في المئة من الطلاب السوريين، علماً أن الطلاب الذين استوعبتهم المدارس الرسمية هم 100 ألف من أصل 400 ألف طالب سوري، وذلك وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، ما يعني أنه ثمة 50 ألف طالب فقط التحقوا بالتعليم مع احتساب نسبة التسرب".

ووفق هذا الواقع وفي السياق، حذّر  المدير العام لاتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية من أن هذا العدد القليل نسبياً يعني وجود جيل سوري كامل لا يجيد الكتابة والقراءة، وأضاف: "وبالتالي نحن أمام أزمة إنسانية كبيرة ومستقبل قاتم ينتظر الأطفال السوريين ومجتمعهم الذي سيصبح عرضة للفساد والتطرف وغيرها".

وتعليقاً على الحملة ضد "احتلال" المدارس اللبنانية، لفت الغالي إلى أن وزير التربية قال خلال لقاء جمعه به أن "الوزارة قائمة على المساعدات للطلاب السوريين ومن خلالها يتم تمويل كل شيء".

واستغرب الغالي الحملة التي تشن على الطلاب السوريين علما أنهم لا يتلقون التعليم المناسب، إضافة إلى أنه يتم تمويل كل المدرسة من هذه المساعدات المخصصة لهم، وهو الأمر الذي يحصل تماماً بالمساعدات المخصصة للسوريين من الأمم المتحدة حيث يتم تخصيص 50 في المئة منها للبنانيين الذين يتقاضونها بالدولار، بينما يتقاضاها السوريون بالليرة اللبنانية بحسب منصة "صيرفة".

وتأسف الغالي من تناول الموضوع التربوي والتعليم بطريقة عنصرية، في وقت يترنح فيه العام الدراسي، إذ يبدو أنه لا عام دراسياً لا للبنانيين ولا للسوريين في ظل الأوضاع القائمة، لكن المخاطر على التلميذ السوري في المخيمات من تداعيات عدم التعليم أكبر من التلميذ اللبناني لأنه محاط بظروف وبيئة أفضل، "وبالتالي نحن أمام أزمة كبيرة".

الطلاب السوريون في المدارس اللبنانية

ووفق بيانات "اليونيسف"، يشكل الطلاب السوريون نحو 20% من إجمالي الطلاب في لبنان، وكشف تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن وجود 321.512 طالباً سورياً مسجلاً في البلاد، خلال العام الدراسي 2020 - 2021.

من بين هؤلاء، 187 ألفاً درسوا في المدارس الحكومية، ونحو 11 ألفاً في المدارس الخاصة المجانية، ونحو 53 ألفاً في المدارس الخاصة مدفوعة الأجر، ونحو 6 آلاف في برامج التعليم غير النظامي، في حين تم تسجيل نحو 64 ألف طالب سوري في التعليم الثانوي.

وفي وقت سابق، قالت المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان، ليزا أبي خالد، إن الطلاب السوريين المسجلين في المدارس اللبنانية تبلغ نسبتهم 51.80%، وتناهز نسبة المتسربين من المدرسة 48.20%، في حين بلغ عدد المدارس التي اعتمدت دواماً مسائياً العام الدراسي السابق لاستيعاب الطلاب السوريين 337 مدرسة.

الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين

عقدت الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين مؤتمراً صحفياً بعنوان "لا لدمج تلاميذ النازحين السوريين بالتلاميذ اللبنانيين". وألقى المنسق العام للحملة النقيب مارون الخولي كلمة استنكر فيها ممارسة السفارات الأوروبية والمنظمات الدولية المانحة الضغوط على الحكومة اللبنانية ووزارة التربية.

وأضاف: "هذه الضغوط تحصل بغياب أي خطة لمواجهتها من الحكومة أو المجتمع الأهلي، لا بل بتسليم كلي لها بحيث تكبد الشعب اللبناني منذ 11 سنة أكثر من مليار و500 مليون دولار على قطاع التربية لتأمين تعليم طلاب النازحين السوريين على حساب مصلحة وجودة التعليم للطلاب اللبنانيين".

وتابع: "الكل أصبح يدرك أن هدف الدول المانحة ليس إنسانياً بقدر ما هو لتحقيق أجنداتها السياسية وخططها بمنع تدفق النازحين عشوائياً إلى أوروبا باعتبار أن ربط النازحين بحافز تعليم أولادهم في لبنان يشكل مكسباً معنوياً واجتماعياً كبيراً لهم يجعلهم متمسكين في البقاء في لبنان".

وشدد على أن "دمج التلاميذ السوريين في المدارس اللبنانية سيؤدي إلى تأثيرات سلبية وكارثية على جميع المستويات من اكتظاظ الفصول الدراسية وتراجع جودة التعليم وانخفاض معدلات التحصيل الدراسي كما يعرض صحة الطلاب والمعلمين للخطر بسبب انتشار الأمراض والوباء بين الطلاب النازحين".

ودعا الخولي حكومة تصريف الأعمال إلى "إعلان واضح عن رفضها لخطة الدمج وبوقف النزيف المالي في قطاع التربية على غير المستحقين له، ومطالبة الدول الأوروبية بالتعويض عن استخدام المباني المدرسيّة الرسميّة وتجهيزاتها لمدة تزيد على 11 سنة ومطالبة الحريصين على إبقاء النازحين السوريين بفتح مدارس مؤقتة لهم لحين عودتهم، والإقلاع عن استعمال مباني المدرسة الرسمية خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والتي يحتاج فيها اللبنانيون إلى دعم المدرسة الرسمية لتعليم أولادهم".

وقال: "لن نتهاون في مواجهة احتلال مدارسنا وضرب ثقافتنا".