زارت وكالة أسوشيتد برس الأميركية ما تسميها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مرافق إعادة تأهيل أطفال مقاتلي تنظيم داعش المحتجزين مع أمهاتهم في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، إلا أن السلطات منعت الوكالة من مقابلة الأطفال بحجة الخصوصية، لكن الوكالة تعرضت لكلمات وإشارات من الأطفال تؤكد أن عمليات إعادة التأهيل لا تؤتي ثمارها.
وتعيش عائلات التنظيم في مخيم الهول في ظروف اعتقال سيئة، حيث تشن وحدات الأمن في "قسد" حملات أمنية متكررة لضبط أسلحة ومعدات اتصال، وتطالب في الوقت ذاته الدول لأخذ رعاياها من هذه العوائل إلى دولهم، وهو ما لا تتجاوب فيه الدول المعنية إلا بنسب ضئيلة جداً.
تقول الوكالة إن آلاف الأطفال في مخيم الهول نشؤوا في جو تنتشر فيه أفكار تنظيم الدولة "داعش" بشكل كبير مع فرص قليلة للحصول على التعليم، حيث تحاول السلطات التابعة لقسد إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال بذريعة إخراجهم من "الفكر المتطرف".
وقال مسؤول في "الإدارة الذاتية" إن بقاء هؤلاء الأطفال في المخيم سيؤدي إلى ظهور جيل جديد من المتطرفين الذين قد يكونون أكثر تعصبًا من أولئك الذين كانوا من قبل، بحسب تصريحاته للوكالة.
مراكز إعادة التأهيل
وافتتحت الإدارة الذاتية العام الماضي مرفقاً مخصصاً لإعادة تأهيل الأطفال الصغار الذين أُخذوا من مخيم الهول، وتتراوح أعمارهم بين 11 و18 عامًا، ويمثلون نحو 15 جنسية مختلفة، بما في ذلك فرنسا وألمانيا.
وفي المرفق المخصص لإعادة تأهيل الأطفال الصغار الذي حمل اسم "أوركيش سنتر - Orkesh Center" يتعلم الأولاد الرسم والموسيقا والتسامح. كما يتعلمون أيضاً مهناً مثل الخياطة والحلاقة.
يستيقظ هؤلاء الأطفال مبكراً ويتناولون الإفطار في الساعة 7 صباحًا، ثم يحضرون دروساً حتى الساعة 3 مساءً، وبعد ذلك يمكنهم لعب كرة القدم وكرة السلة.
ويعيش الأطفال في غرف من نوع صالات النوم المشتركة، حيث يتوقع منهم الحفاظ على النظام وترتيب أسرتهم ويسمح لهم بالاتصال بالوالدين والأشقاء.
عدد قليل يخضع للتأهيل
حتى الآن، بلغ عدد الأطفال الذين يخضعون لإعادة التأهيل نحو 300 طفل، جميعهم أولاد من الملحق (من قسم الأجانب في المخيم)، ويوجد 97 في مركز أوركيش الذي تم إطلاقه مؤخرًا، بالقرب من بلدة القامشلي الحدودية على بعد نحو ساعتين بالسيارة من مخيم الهول.
أما بقية الأطفال فهم موجودون في مركز الحوري، وهو مركز آخر بدأ في استقبال الأولاد لإعادة تأهيلهم في عام 2017.
لكن وكالة أسوشيتد برس قالت إن السلطات في مركز إعادة التأهيل رفضت طلباً بالتحدث مع الأولاد في المركز متذرعة بمخاوف تتعلق بالخصوصية.
وقالت الوكالة: حداثة البرنامج تجعل من الصعب تقييم فعاليته.
لكن السلطات سمحت للوكالة بالدخول إلى مخيم الهول والتحدث مع المحتجزين فلم يوافق أحد على إجراء مقابلات وكانوا "معاديين" وفقاً لتعبير أسوشيتد برس . كما رفضت العائلات التي تم إطلاق سراحها من مخيم الهول التحدث مع الوكالة ولم يستجب أحد منهما لطلبات التعليق.
ويضم المخيم نحو 51 ألف شخص، الغالبية العظمى من النساء والأطفال، بما في ذلك الزوجات والأرامل وأفراد أسر مسلحي داعش الآخرين.
ومعظم المحتجزين من السوريين والعراقيين، إضافة إلى 8000 امرأة وطفل من 60 جنسية أخرى يعيشون في جزء من المخيم يُعرف باسم الملحق.
وانخفض عدد سكان المخيم عن ارتفاعه البالغ 73000 شخص، ويرجع ذلك في الغالب إلى السوريين والعراقيين الذين سُمح لهم بالعودة إلى ديارهم. لكن الدول الأخرى امتنعت إلى حد كبير عن استعادة مواطنيها من المخيم.
تؤكد أسوشيتد برس أن الأطفال في مخيم الهول لديهم فرصة ضئيلة في التعليم حيث يحضر أقل من نصف 25000 طفل في المخيم دروس القراءة والكتابة في مراكزه التعليمية.
وخلال جولة قامت بها للوكالة داخل الهول، ألقى بعض الفتيان الحجارة على المراسلين، ووجه أحدهم إصبعه عبر حلقه في حركة قطع رأسه وهو ينظر إلى الصحفيين.
من جانبها، قالت مديرة المخيم جيهان حنان، لوكالة أسوشييتد برس: "هؤلاء الأطفال بمجرد بلوغهم سن 12، يمكن أن يصبحوا خطرين ويمكن أن يقتلوا ويضربوا الآخرين". وتابعت: "لذلك كان لدينا خيار، وهو وضعهم في مراكز إعادة التأهيل وإبعادهم عن الفكر المتطرف الذي تحمله أمهاتهم"، وفقاً لتعبيرها.
وادعى أحد المشرفين على المخيم، أنه بمجرد أن يبلغ الأولاد 13 عامًا، يجعلهم الموالون لداعش يتزوجون من فتيات صغيرات وهذا سبب آخر لنقلهم إلى مراكز التأهيل.
احتجاز إلى أجل غير مسمى
بدورها، قالت المديرة المساعدة لقسم الأزمات والنزاع في هيومن رايتس ووتش ليتا تايلر إن نقل هؤلاء الأولاد إلى مراكز احتجاز منفصلة قد يكون حسن النية، لكن هذا ليس إعادة تأهيل، مشيرة إلى أنّ هذا الإجراء "احتجاز إلى أجل غير مسمى دون توجيه تهم بحق الأطفال، الذين هم أنفسهم ضحايا داعش".
وقالت تايلر إن الإبعاد من الأسرة قد يكون مناسبا إذا كانت الأم أو أحد الأقارب ضحية للطفل. وخلاف ذلك، قد يتسبب الانفصال في مزيد من الصدمة.
وأضافت: "بالنسبة للعديد من هؤلاء الأطفال، الذين نجوا من أهوال لا يمكن تصورها في ظل داعش وفي المخيمات التي احتجزوا فيها منذ سقوط داعش، فإن الأم وأفراد الأسرة الآخرين هم مصدر الاستقرار الوحيد لهم".
بينما قالت كاثرين أكيلس، المديرة الإعلامية لمكتب الاستجابة السورية في منظمة "احفظوا الطفولة"، إن الانفصال عن الأم "يجب أن يكون فقط كملاذ أخير يتم التعامل معه من قبل الدول الأصلية بعد عودة العائلات إليها وذلك بما يتماشى مع قوانينها".