اجتماع جدة يرفع بطاقة الحل السياسي الحمراء في وجه النظام السوري

2023.04.17 | 06:21 دمشق

قمة جدة
+A
حجم الخط
-A

لم يخرج الاجتماع التشاوري في جدة بخلاصات تصب في صالح إعادة ضم نظام الأسد إلى الجامعة العربية، اتخذت الأمور مساراً مختلفاً رفع في وجه تلك العودة بطاقة الحل السياسي الحمراء.

لطالما كان أي حضور للنظام السوري، مهما غُلّف بعناوين متحايلة، مرتبطاً بنفي السياسة وإخراجها من المعادلة. الربط الذي بات رسمياً ومعبّراً عن موقف عربي عريض بين إعادته إلى الحضن العربي وبين شروعه في الاستجابة لمتطلبات السياسة وشروطها، إنما يعني في حقيقته إنشاء شبكة حصار محكمة حوله لا يبدو أنه يستطيع الفرار مما يمكن أن تفرضه عليه من إعادة إنتاج كاملة وشاملة.

الذي سيعود إلى الجامعة العربية إذا ما تم هذا الأمر لن يكون على الإطلاق ذلك النظام المعروف من قبل السوريين والعرب، الذي خبروا مواهبه في خلق المشكلات ونشر الخراب والمجازر وتفتيت شروط السياسة وإمكانياتها. الذي يمكن أن يعود هو النسخة المستحيلة من النظام السوري، والتي لا يمكنه تأمين الحد الأدنى من متطلباتها.

البطاقة العربية الحمراء المرفوعة في وجهه تتضمن مطالبته بإيجاد حل للأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة والآمنة لوصول المساعدات لكل المناطق السورية، وتسهيل ظروف عودة اللاجئين والنازحين، والعمل على استقرار الأوضاع ومكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات..

شبكة الأزمات التي يطالب بتأمين حلول لها أو الاستجابة للشروط الرامية إلى تحقيق انفراج في شأنها تشمل ضرورة تصفية كل تركته، وكل ما سببته حربه المفتوحة ضد الشعب السوري، وكأنّ المجتمع العربي يطالبه بإنشاء حركة تصحيحية ضد نظامه وممارساته.

البطاقة العربية الحمراء المرفوعة في وجهه تتضمن مطالبته بإيجاد حل للأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة والآمنة لوصول المساعدات لكل المناطق السورية، وتسهيل ظروف عودة اللاجئين والنازحين، والعمل على استقرار الأوضاع ومكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات، وتفعيل عمل مؤسسات الدولة وإخراج الميليشيات المسلّحة من البلاد.

كل واحد من هذه العناوين يشير إلى منتج من صناعة النظام السوري ويفترض به تصحيح الآثار السلبية الناتجة عنه، حسابه قبل الدخول في أي مسار شرعنة جدي.

ترجمة المطالب العربية إلى وقائع سياسية وميدانية تضع "الأسد" في موقع المدان بالتسبب في كل الأزمات العميقة التي يطالب بابتكار حلول لها، كما تضعه تحت وصايا عربية لا ترغب في تقديم هدايا مجانية له على الإطلاق، وتضعه في مواجهة مسار حلول مرعي دولياً تقوم بنوده العريضة على إخراجه من الصورة، وتحويل مؤسسات الدولة إلى بنى إدارية خاضعة للإشراف الدولي.

مسار شرعنة عودته إلى الجامعة العربية اصطدم بجدار الوحدة الخليجية الصلب الذي يعني أن دول الخليج تتخذ قراراتها في ما يخص السياسات الخارجية بالإجماع. وبدا هذا التوجه واضحاً في التعامل مع الموضوع الأسدي، فلم تتخذ أي دولة قراراً حاسماً في هذا الصدد بعد. وكل الخطوات في هذا الموضوع لا تعدو كونها أصداء ثانوية لمشروع التسويات الشاملة، وتصفير المشكلات والأزمات.

من هنا لا يمكن تصوّر خروج موقف خليجي مرحب بإعادة نظام  الأسد إلى الجامعة العربية في ظل ممانعة مباشرة لدولتين وازنتين هما قطر والكويت لأي عودة من خارج منطق الحل السياسي الشامل، وكذلك لا تبدو السعودية معنية بهذا الأمر من خارج مشروع إنهاء المشكلات.

المشهد الطاغي في هذه الفترة والذي حوّل كل ما يتعلق بـ"الأسد" إلى حدث بلا وزن يتعلق بمشاهد إنهاء الأزمة اليمنية والمباشرة في الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وهو المسار الذي خلقت السعودية من أجل إنجازه شبكة تسويات كبرى طالت كامل محيطها المباشر مع تسويتها المشكلات مع إيران، وبذلك بات "الأسد" شأناً خارجياً لا يرتبط مباشرة بأمن السعودية ولا يؤثر على مشاريعها الاقتصادية واستثماراتها في التكنولوجيا وغيرها.

ولذلك قد تكون المقاربة في هذا الصدد ميّالة إلى إدراج الأمر في مسارين عربي ودولي ما من شأنه تكبيل النظام ومنعه من المناورة لاحقاً.

لقد وقع كل معارضي النظام من السوريين والعرب في فخ رمزية شخص "الأسد"، فكان أي ظهور له أو بادرة انفتاح على شخصه مدخلاً لإدانة أخلاقية ومؤشراً على انقلاب سياسي يصب في صالحه، وقد عملت آلة الإعلام الأسدية والروسية في مرحلة من المراحل على الاستفادة من هذه الرمزية وبيعها بأشكال عديدة مستفيدة من ذلك النفور الحاد من شخصه، والذي وُظّف بشكل كبير في التعمية على واقع جديد.

الجميع يتعاملون مع "الأسد" كصورة بينما لا ينظر إليه معارضوه كذلك، على الرغم من الشواهد الغزيرة التي تؤكّد هذه السمة في التعامل معه.

الأمور كما تجري على أرض الواقع تُناقض هذا التصور الانفعالي والعاطفي والذي قد يكون مفهوماً، ولكنه يفوّت فرصة التقاط لحظة السياسة التي رفعها المجتمع العربي في وجه "الأسد" ونظامه وزمانه.

يجب تحويل المطالب العربية إلى إطار وحيد لأي حوار مع "الأسد" وتركه يغرق في مستحيلاتها، وخصوصاً أن ما خرج به مؤتمر جدة يطلق إشارات واضحة لما يمكن أن تكون عليه الأمور في قمة الرياض. نظام الأسد لا يمكنه استيعاب أي جرعة من التسييس الفعلي من دون أن يتصدع تماماً، لا تسمح بنيته المغلقة والشمولية بعبور السياسة.

لا يجب أن ننسى أنه أطلق حرباً دموية ضد السوريين منعاً لإنجاز إصلاحات سياسية، لأنّه يعرف أن أي تغيير مهما كان طفيفاً في بنية الإغلاق التي يقوم عليها نظامه ستفتح الباب أمام تصدّعات عميقة ستقضي عليه بالكامل في نهاية المطاف.

يجب النظر إلى بطاقة الإنذار السياسي المرفوعة في وجهه بوصفها أحد إنجازات الثورة والتعامل معها بوصفها سلاح دمار شاملا قد يتفوق في أثره على كل ما استُخدم ضده من قبل، لأنّه يحمل سمات راديكالية وحاسمة قد تتيح للسوريين إنتاج انتصارهم الذي تكالبت أعتى القوى على حرمانهم منه..

من هنا يجب النظر إلى بطاقة الإنذار السياسي المرفوعة في وجهه بوصفها أحد إنجازات الثورة والتعامل معها بوصفها سلاح دمار شاملا قد يتفوق في أثره على كل استُخدم ضده من قبل، لأنّه يحمل سمات راديكالية وحاسمة قد تتيح للسوريين إنتاج انتصارهم الذي تكالبت أعتى القوى على حرمانهم منه.

التحوّلات التي نشهدها الآن تؤشر إلى انقلاب لصالحهم، فقد صار "الأسد" عائقاً أمام حركة التسويات وورشات الإعمار المنتظرة. قد تكون تلك لحظة السوريين وكذلك لحظة المنطقة، وعلى الجميع التقاطها من مدخل الإصرار على السياسة سيكون الاحتكام إليها بمنزلة المشنقة التي ستلتف على عنق "الأسد" ونظامه وتاريخه.