وقف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، متوسطاً رئيس حزب "الإرادة الشعبية" المدعوم من موسكو، قدري جميل، ورئيسة الهيئة التنفيذية لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، إلهام أحمد، المدعومة من التحالف الدولي وواشنطن، ليبارك من العاصمة الروسية توصل الطرفين لـ"مذكرة تفاهم"، تضعها موسكو في ميزان مكاسبها في الوقت الذي اعتبرتها تركيا خرقاً روسياً للتفاهمات معها.
ووفق التعليق التركي الذي صدر بعد ساعات قليلة من توقيع "أحمد" و"جميل" على المذكرة، أمس الإثنين، فإنها تمثل اختباراً للتفاهمات الروسية- التركية في سوريا، إذ تعتبر أنقرة "مسد" على ارتباط مع "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، الذي يصنفه الأتراك على أنه تنظيم إرهابي، ما يعني خرق موسكو لاتفاقاتها مع أنقرة حول ضرورة محاربة الإرهاب في سوريا، وفق بيان الخارجية التركية.
المكاسب الروسية من تبني مذكرة التفاهم بين "مسد" وحزب "الإرادة الشعبية"
الخبير بالشأن الروسي الدكتور محمود حمزة، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن موسكو دعت دائماً لإشراك "مسد" في اجتماعات جنيف وفي مشاورات "اللجنة الدستورية" لأنها تنظر إليها على أنها قوة على الأرض.
حمزة اعتبر أن هذا الاجتماع (مسد والإرادة الشعبية) جرى بضوء أخضر أميركي، وبرر رأيه بالقول إن "مسد" تتلقى توجيهاتها ودعمها من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ولذلك هي لا تستطيع الذهاب إلى موسكو دون موافقة واشنطن.
وقال "أميركا تريد أن تجتمع ما تسمى المعارضات كمنصة موسكو التي يرأسها قدري جميل ومنصة القاهرة ومسد لمسخ مفهوم المعارضة للنظام"، مضيفاً أن هذا الأمر يخدم المكاسب الروسية، من بينها ترجيح كفة نظام الأسد على المعارضة السورية.
وزاد الخبير بالشأن الروسي، أن مذكرة التفاهم بين "مسد" وحزب "الإرادة الشعبية" تهدف إلى تنفيذ الأجندة الروسية وحتى الأميركية، وليس خدمة لنظام الأسد، واعتبر أن روسيا مكلفة بإدارة الملف السوري من قبل واشنطن، وأنها تلعب دور الشرطي في سوريا.
اقرأ أيضاً: ما هي بنود الاتفاق بين "مسد" و"الإرادة الشعبية" المدعوم روسياً؟
ووفق وجهة نظر حمزة، فإن روسيا ليست متمسكة بأحد في سوريا، وأنها تريد نظاماً سياسياً صديقاً لها، مهما كان توجهه، لأن المهم لديها أن تتحقق مصالحها.
وأردف "الروس براغماتيون ويبحثون عن مصالحهم السياسية والعسكرية والاقصادية والجيوساسية، وستحقق هذه المصالح بالاتفاق مع إسرائيل وأميركا".
ودلل على كلامه بالقول إن العمل العسكري في سوريا انتهى في سوريا، وبناء عليه نجد موسكو تسرع في العمل ضمن الإطار السياسي للوصول إلى إعادة الاعمار، معتبراً أن أميركا أيضاً تريد ذلك وهي الآن (واشنطن) تنتظر نتائج لـ"اللجنة الدستورية".
تركيا تلوّح بخرق موسكو للتفاهمات معها
فور توقيع الاتفاق بين ممثلي "مسد" و"الإرادة الشعبية" بمباركة من وزير الخارجية الروسي، الذي التقط صوراً تذكارية تجمع الفريقين.
خرجت وزارة الخارجية التركية، ببيان قُرأ بين سطوره انتقادٌ لاذعٌ لموسكو، وتلويحٌ بخرقها التفاهمات مع أنقرة، بحجة أنها تتعامل مع "مسد" التي تعتبرها أنقرة على ارتباط بـ"PKK" المصنف لديها إرهابياً.
ودعت الخارجية التركية، روسيا إلى تجنب اتباع أي خطوات تخدم أجندات أطراف مرتبطة بتنظيم "PKK"، قائلة "نتوقع من روسيا أن تتصرف وفقاً لمسار أستانا حول سوريا، والالتزامات التي تم التعهد بها في اجتماعات المسار، وتجنب الخطوات التي تخدم أجندة التشكيلات التابعة لتنظيم إرهابي".
تركيا أشارت إلى أن جميع البيانات المشتركة الصادرة عن مسار أستانا عقب اجتماعات مع مسؤولين رفيعي المستوى، "تعهدت بمكافحة جميع أشكال الإرهاب والتصدي للأجندات الانفصالية التي تهدد وحدة الأراضي السورية، والأمن القومي للبلدان المجاورة لسوريا".
رياض درار: مذكرة التفاهم مهمة للحل السياسي.. إلهام أحمد لا تثق بالروس
وحول النظرة التي تراها "مسد" تجاه مذكرة التفاهم مع حزب "الإرادة الشعبية" بدعم روسي، علق الرئيس المشترك لـ"مسد" رياض درار -الذي لم يكن ضمن الوفد الذي كانت ترأسه إلهام أحمد- "إن المذكرة ضرورية للتفاهمات بين السوريين، وللحل السياسي في سوريا".
درار أضاف في تصريحات صحفية، "ما جرى بين مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية، هو نتيجة تفاهمات وتقاطعات فكرية وعملية أيضاً، أدت إلى نقاط مهمة، هذه النقاط هي أن سوريا دولة ديمقراطية ولا مركزية، ولكن للمركز اختصاصات سيادية حددتها الوثيقة في ثلاث وزارات رئيسية، وهي الخارجية والدفاع والاقتصاد".
من جانبه، قال ممثل "مسد" في مصر، سيهانوك ديبو لوكالة "هاوار" المقربة من "الإدارة الذاتية"، إن "مذكرة التفاهم تصلح كي تكون خريطة طريق أو نص لمبادئ أساسية لعقد اجتماعي سوري جديد، يقطع الطريق أمام أي محاولة تنال من سوريا، إن كان في احتلالها أو تقسيمها، أو إعادة انتاج أي نظام استبدادي مركزي".
وبعد توقيع "مذكرة التفاهم" في موسكو استعاد مراقبون تصريحات لإلهام أحمد قالت فيها إنها "لا تثق بروسيا"، وتساءلوا عن أهمية مثل هذه المذكرة التي رعتها موسكو إن كانت "مسد" لا تثق في الأصل بروسيا.
وسبق أن قالت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مسد"، إلهام أحمد، إنه لا يمكن الوثوق بروسيا، وجاء ذلك رداً على اتفاق جرى بين أنقرة وموسكو بخصوص منطقة شرق الفرات.
أحمد أضافت في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي"، في 24 من تشرين الأول، أن "الإدارة الذاتية" وثقت بالأميركيين لكن للأسف فتحوا المجال الجوي لتركيا، وكذلك الروس لا يمكن الوثوق بهم حقاً عندما يتعلق الأمر بذلك.
وأضافت أحمد أن "الإدارة" لديها خبرة سابقة مع الروس في مدينة عفرين، في إشارة إلى عملية "غصن الزيتون" التي شنتها تركيا بموافقة ضمنية من روسيا.