icon
التغطية الحية

ابتسامته غزت مواقع التواصل.. منقذ في الخوذ البيضاء يروي لحظات إنقاذ الطفل خالد

2024.10.17 | 19:59 دمشق

789789789
الطفل خالد بلشة لحظة خروجه من تحت الركام (الخوذ البيضاء)
إدلب ـ عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

"كنت على وشك الموت لوما سمعتوني"، يقول الطفل خالد والجزءُ الأكبر من جسده ما زال عالقاً بين أكوام إسمنتية، وذلك خلال حوار دائر بينه وبين متطوعي "الخوذ البيضاء"، في أثناء عملية الإنقاذ. ويردف بعد دقائق: "كنت عبصيح لمعلمي أبو ماجد.. قام طلعت أنت، أنا ببالي معلمي"، مشيراً إلى عنصر الإنقاذ.

ونجحت فرقُ الإنقاذ التابعة لـ"الدفاع المدني السوري" في إخراج الطفل خالد بلشة من تحت أنقاض بناءٍ مدمر استهدفته الطائرات الحربية الروسية مساء أمس الأربعاء، يعود لورشة تصنيع أثاثٍ منزلي قرب مدينة إدلب، وذلك بعد قرابة ثلاث ساعاتٍ من العمل المتواصل.

خالد، وهو عامل في الورشة، ناجٍ من مجزرة ارتكبتها الطائرات الروسية بحق 10 مدنيين ـ غالبيتهم من العمّال ـ ضمن حملة تصعيد مستمرة على محافظة إدلب وريف حلب الغربي منذ أربعة أيام، كثفت خلالها الطائرات الروسية من هجماتها على مواقع مدنية في أرياف إدلب ومحيط المدينة.

وسرقت ابتسامة خالد خلال خروجه من الأنقاض التي خلّفها القصف الروسي، انتباه وتفاعل مئات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد عملية إنقاذ صعبة.

ويعدُّ الاستهداف لمنشرة الخشب وورشة الأثاث المنزلي (الموبيليا) الثاني من الطائرات الروسية، خلال أقل من عام، وهو مكان يعتاش منه أكثر من 40 عاملاً يتناوبون على فترتين.

"صوت من تحت الجثة"

عقب وصول المنقذ في "الخوذ البيضاء"، محمد الشيخ أحمد، إلى منزله بعد انتهاء دوامه اليومي، أغارت الطائرات الحربية على محيط مدينة إدلب، لترفع فرق الدفاع المدني السوري العاملة في منطقة شمالي غربي سوريا الجاهزية، وحينها توجه "الشيخ أحمد" نحو الموقع المستهدف لوجود عالقين تحت الأنقاض.

يقول لموقع تلفزيون سوريا: "توجهت للمكان، بعد وصول الفريق الأول، كان هناك مصاباً ظاهراً عالقاً بين الأنقاض، تمكنا من استخراجه بوقت قياسي وقصير، لكن عملية البحث استمرت على أمل إيجاد أحياء تحت الأنقاض، وهنا لمحتُ جثمان شهيدٍ بين الأنقاض، بدأنا باستخراجه وخلال المعاينة، وصلني صوت ضعيف من بين الأنقاض".

568756
المنقذ في "الخوذ البيضاء" محمد الشيخ أحمد بعد الانتهاء من عملية إنقاذ خالد بلشة (الخوذ البيضاء)

كان الصوت يمثل أملا جديدا لـ"الشيخ أحمد" وزملائه المتطوعين، بعد أن عاينوا جثامين عدة شهداء قضوا بالغارات الجوية، وهنا طلب من الموجودين بمحيط الموقع توفير هدوء للتحقق من الصوت.

ويردف: "تحت الشهيد الذي كنا نعاين جثمانه، بدأ يتردد صوت طفل حيّ ـ قدرت عمره بـ 13 عاماً ـ وهنا بدأ الحوار والاستفسارات، حول إن كان يسمعني أو قد لمح الضوء الصادر من الخوذة، وفيما إذا كنت قريباً منه. وهنا جاءت الإجابة: أنت قريب مني فوقي.

"ضاق نفسي طالعني"

لم يصدق "الشيخ أحمد" للوهلة الأولى، وفي هذه اللحظات، أن يكون هناك ناج تحت كل هذا الركام من الأنقاض المفتتة التي تحوّلت إلى كتلٍ من الغبار الكثّ والثخين.. إلا أن صوتاً قادماً يقول: "ضاق نفسي طالعني"، بدّد كل مشاعر الإحباط لديه.

"طلبت منه ألا يبذل جهداً حينما اقتربت منه" ـ يقول المتطوع ـ "ولحظة وصولي إليه لامست يدي كتفه، وطلبت من المسعفين تجهيز أسطوانة أوكسجين والتجهيز لإجراء الإسعافات الأولية، وكان هدفي بالبداية إخراج رأسه لتزويده بالأوكسجين، بعد معرفة وضعية استلقائه تحت الأنقاض".

كان صادماً بالنسبة لـ"الشيخ أحمد"، أن الطفل خالد تمكن من الصمود هذه الساعات تحت الركام، على اعتبارها كانت رماداً تصعّب عملية وصول الأوكسجين والتنفّس للطفل، وبينما كان يسابق الزمن لإنقاذه، يقول: "هنا تفكر في طريقة أخرى، كيف استطاع التنفس كل هذه الفترة، وهنا تظهر رحمة الله بهذا الطفل وعظمته".

ويشير إلى أن "بعد تحرير رأس الطفل وحصوله على الأوكسجين، بدأنا بتحرير كامل الجسم، وكانت مهمة صعبة لأن المكان العالق فيه ضيق جداً وعليه أنقاض ضخمة، وخلال هذه الفترة كنا ندردش مع الطفل، حتى ننسيه الحالة التي فيها، لأن آثار الخوف عليه واضحة جداً، كما ظهر في المقطع المصور".

"سرعة وتأنٍ"

تظهر تحديات عمليات الإنقاذ في جانبين، السرعة في العمل خشية الغارات المزدوجة على ذات المكان، والتأني المطلوب حفاظاً على حياة الطفل، بحسب محدثنا، لأن عملية السحب لا يمكن أن تكون ناجحة إلا بعد تحرير الجسد كاملاً والتأكد من وضعيّته تحت الأنقاض، على حد قوله.

استذكار الزلزال

استحضار هذه الحالات الإسعافية بالنسبة للمنقذين، خلقت تعباً نفسياً على مدار أكثر من عقدٍ على القصف والتدمير واستهداف الأحياء السكنية، وهو على إثره يستذكر "الشيخ أحمد"، لحظات مماثلة خلال عمله في المجال الإنساني مع الدفاع المدني السوري، كان آخرها إنقاذ الطفلة "شام" خلال أحداث زلزال 6 شباط، والتي شارك في عمليات إنقاذها.

ويقول لموقع تلفزيون سوريا إن "الجهود التي نبذلها خلال عمليات الإنقاذ لا تذكر، وسرعان ما تتلاشى بعد الانتهاء من العمل بسبب الدافع لإنقاذ الأرواح، لكن التعب هو داخلي وصراع تفكّر وتأمل في هذه الحالات، ودائمًا تحضرني تساؤلات: إلى متى ستبقى هذه المأساة، وإلى متى سيستمر انتشال جثامين الشهداء وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض".

بعد ثلاث ساعاتٍ تمكن الدفاع المدني السوري، من إنقاذ الطفل خالد، الذي اضطر للعمل في منشرة للخشب قرب مدينته إدلب، ليطل على العالم بابتسامة لامعة وسط ركام قاتم، إلا أن الهجمات الروسية والتصعيد العسكري ما زال ينذر بتكرار المأساة في منطقة شمالي غربي سوريا، كما منذ أكثر من 9 سنوات.