icon
التغطية الحية

إيكونوميست: هل سيغدو حل الدولتين ممكناً بعد الحرب على غزة؟

2023.11.02 | 18:09 دمشق

مسجد قبة الصخرة في القدس خلف أسلاك شائكة
مسجد قبة الصخرة في القدس خلف أسلاك شائكة
The Economist - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال سعيهم للتخطيط من أجل المستقبل، صار قادة العالم ينبشون في الماضي، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي للتصريح قائلاً: "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تتكون لدينا صورة عما سيأتي بعدها، وبنظرنا تتمثل هذه الصورة بحل الدولتين". أما رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك، فقد علق على ذلك بالمثل، وكذلك فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وانتهت الجلسة الطارئة التي عقدتها الجامعة العربية خلال الشهر الماضي بالدعوة للتفاوض بصورة جدية حول حل الدولتين.

عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، خرج نحو ثمانية آلاف مستوطن إسرائيلي من تلك المنطقة التي سيطرت عليها إسرائيل منذ عام 1967، ولهذا لم يعرف أحد ما هو القرار المناسب الواجب اتخاذه عندئذ، إذ تمنى بعضهم أن يكون استعداد إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة تعبيراً عن توجه أو خطوة تنحو نحو التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين، في حين رأى آخرون في ذلك حيلة ماكرة، لأن التنازل عن السيطرة في غزة قد يساعد إسرائيل على ترسيخ سيطرتها على الضفة الغربية، وقد تبين أن الرأي الثاني هو الصائب.

ظهرت حالة تشوش مماثلة منذ السابع من تشرين الأول، وذلك عندما بدأت إسرائيل التخطيط لغزو بري يستهدف غزة بعد قتل مقاتلي حماس لألف وأربعمئة إسرائيلي. بيد أن الشعب الفلسطيني بات يخشى أن تتحول الحرب إلى نكبة ثانية، أي إلى عملية نزوح جماعي كبيرة مثل تلك التي رافقت تأسيس إسرائيل في عام 1948. ويأمل وزراء إسرائيليون من اليمين المتطرف أن يتحول ذلك إلى فرصة لإعادة ترسيخ السيطرة على غزة وإعادة بناء ما جرى تفكيكه من مستوطنات يهودية. في حين يتمنى بعض المتفائلين، وبينهم جو بايدن، أن يتحول ذلك إلى فرصة لإحياء عملية السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني بعدما دخلت في حالة سبات.

في الوقت الحالي، يبدو ذلك حلماً بعيد المنال، لأن الجنرالات الإسرائيليين يتوقعون أن يستمر القتال أشهراً، إلا أنهم وكثيراً من القوى الأجنبية يتمنون في نهاية الأمر أن تؤول السيطرة على غزة إلى السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، مع إمكانية جلب قوات حفظ سلام إلى المنطقة لتسهيل عملية انتقال السلطة. لكنهم يشككون بشخصية الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قد يعود إلى غزة من دون أن يضمن إجراء محادثات مفيدة تتصل بإقامة دولة فلسطينية.

كيف سيجري تقسيم الدولتين؟

أي بمعنى أصح، إن أي مخطط لما سيحدث بعد اليوم في غزة يتطلب مراعاة احتمال تطبيق حل الدولتين، بما أن الخطوط العريضة لهذه الخطة لم تتغير كثيراً طوال عقود، إذ يمكن تشكيل دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، ويمكن لإسرائيل أن تبادل  على أجزاء من مناطقها مقابل حصولها على أجزاء من الضفة الغربية حيث بنت عدداً كبيراً من المستوطنات. أما القدس فسيجري تقسيمها، وستخضع المدينة القديمة لسيطرة مشتركة، وعندئذ يمكن لعدد ضئيل من اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى بلدهم، في حين يمكن للبقية أن يستقروا إما في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية أو في بيوتهم القائمة حالياً في أماكن أخرى، وتتوقع إسرائيل من الدولة الفلسطينية أن تنزع سلاحها.

 

 

بعد عقدين من المحادثات الجادة التي بدأت بمرحلة كلها أمل وتفاؤل مع اتفاقيات أوسلو في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى المحاولة غير المنهجية التي اتبعت أيام الرئيس السابق باراك أوباما، توقفت عملية السلام في عام 2014، ولم تقم أي مفاوضات جادة منذ ذلك الحين.

معضلة المستوطنين

إلا أنه لا يمكن للمفاوضين أن يواصلوا التفاوض من النقطة التي توقفوا عندها، إذ بنهاية عام 2021، وصل عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية إلى 465400 مستوطناً، أي أن عددهم زاد على 116200 مستوطناً الذين كانوا يقيمون هناك عند توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، وقد تحول هؤلاء إلى عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام، إذ تتركز أعدادهم في المناطق التي يمكن لإسرائيل أن تنسحب منها بموجب اتفاق، بيد أن نفوذهم السياسي تعاظم إلى جانب تزايد أعدادهم (أي أنهم سيعارضون فكرة تسليم الأراضي حتى تلك التي لا يقيمون فيها).

كل شيء يعتمد على الظروف

تبدو صورة الوضع الإقليمي معقدة بدرجة أكبر، إذ في عام 2002، صدّقت الجامعة العربية على مقترح سعودي تعهد بتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل بعد تنفيذ حل الدولتين، ويتمثل ذلك بإنهاء النزاع الإسرائيلي مع الفلسطينيين، بما أن ذلك سيكفل لها إنهاء كل نزاعاتها الإقليمية الأخرى. وقد كان الهدف من مبادرة السلام العربية هو التشجيع على هذا الحل بشكل كبير، وكانت إسرائيل أشد استعداداً للعمل به في حال شعرت بأن بقية الأمور التي تهددها ستختفي حتماً.

لكن المنطقة تغيرت منذ عام 2002، إذ تعاظم نفوذ بعض الميليشيات فيها، من أمثال حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، لدرجة أنها صارت أقوى من الدول التي تحتويها، أي لن يكون كافياً أن تنهي حكومات الدول العربية نزاعها مع إسرائيل، بل يتعين أيضاً على العناصر الفاعلة التي لا تمثل دولاً أن توافق على حل الدولتين هي أيضاً.

قد تكون بقية الأمور أسهل، إلا أن حل الدولتين سيكلف كثيراً، إذ حتى قبل الحرب كان الشعب الفلسطيني يتوقع من الدول أن تسهم في إعادة تأهيل غزة، لكن الفاتورة أصبحت أعلى بكثير الآن. ففي القمة الفاشلة التي عقدت بكامب ديفيد عام 2000 نوقشت وقتئذ فكرة تقديم مبلغ قدره 30 مليار دولار لتعويض اللاجئين الفلسطينيين عن خسارتهم لعقاراتهم وممتلكاتهم، ولعل دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات التي متّنت علاقاتها بإسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، كانتا أكثر استعداداً لتقديم تلك الأموال حتى تظهرا بمظهر من لم يتخلَّ عن الشعب الفلسطيني.

بيد أن أكبر مشكلة لا تكمن في تفاصيل الحلّ بل بالإرادة السياسية للتفاوض عليه وتنفيذه، ولن تقوم أي عملية سلام جدية مع حكومة نتنياهو الائتلافية المؤلفة من سياسيين متدينين من اليمين المتطرف، كما لا يرجح أحد لهذه الحكومة أن تبقى طويلاً بعد حرب غزة، ويأمل معارضو نتنياهو أن تبدي الحكومة المقبلة قابلية أكبر للتفاوض مع الفلسطينيين، إذ يقول أحد النواب الإسرائيليين من الوسط: "تعلمنا درساً بأن علينا أن ننفصل عنهم بالحسنى، وقد حان الوقت للبدء بالتفاوض على ذلك"، في حين بقي سياسيون إسرائيليون من الوسط واليسار يتجنبون الخوض في هذا الموضوع علناً لفترة امتدت أكثر من عقد.

 

 

على الجانب الفلسطيني، لطالما تلهفت حماس للعب دور المخرب، فقد أسهمت تفجيراتها الانتحارية خلال تسعينيات القرن الماضي في الخروج من عملية أوسلو، كما أن المجزرة التي وقعت خلال الانتفاضة الثانية بين عامي 2000-2005 خلقت جيلاً إسرائيلياً يعادي فكرة التسوية، ومن المحتمل أن تختفي حماس بعد الحرب على غزة، لتحل محلها جماعة جديدة.

فقد الناس العاديون من كلا الطرفين إيمانهم بحل الدولتين، إذ كشف استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي الذي لا ينحاز إلى أي حزب بأن 32% فقط من اليهود الإسرائيليين يؤيدون هذا الحل، أي أن النسبة تراجعت عما كانت عليه عندما وصلت إلى 47% قبل خمس سنوات. أما عرب إسرائيل الذين يشكلون خمس السكان، فما يزالون يصدّقون على تلك الفكرة، على الرغم من تراجع تأييدهم لها من 87% في عام 2017 إلى 71% في عام 2022، أي أن أغلب اليهود الإسرائيليين يفضلون أن يبقى الوضع على ما هو عليه.

هبطت أعداد مؤيدي هذه الفكرة حتى بين الفلسطينيين، إذ في مسح أجراه المركز الفلسطيني للسياسات وأبحاث المسح في حزيران عام 2023 تبين بأن 28% منهم ما يزالون على تأييدهم لحل الدولتين، في حين أن نحو 53% منهم كانوا يؤيدون هذه الفكرة قبل عشر سنوات، على الرغم من أن 39% منهم ذكروا بأنها مجدية.

يأمل المتفائلون أن تكون هذه النتائج هشة، إذ من غير المحتمل أن يؤيد الناس شيئاً يرونه مستحيلاً، ولهذا فإن عملية سلام حقيقية قد تدفع الأرقام في استطلاعات الرأي نحو الأعلى، إذ يقول وزير فلسطيني سابق: "لا أظن بأن شعبنا قد يرفض أي فرصة تنهي الاحتلال"، إلا أن الأحداث التي وقعت خلال الأسابيع القليلة الماضية قد تزيد من تعنت كلا الطرفين ضد فكرة التسوية.

من الوسيط للتسوية؟

وكما هي الحال دوماً في إسرائيل، فإن بعضاً من أشد المؤيدين لفكرة إنهاء الاحتلال هم الرجال المكلفون بإدارته، إذ في أعقاب هجوم حماس، صارت نسبة قليلة من الإسرائيليين تتحدث علناً عن حل الدولتين، أو أي حل آخر للنزاع، في حين يناقش المسؤولون الإسرائيليون في وزارة الدفاع هذا الأمر داخل غرف مغلقة، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن الرغبة المشتهاة في إنهاء حالة الحرب هي التي ستصوغ شكل الحرب نفسها، لأن حكومة نتنياهو غير قادرة على فتح نقاش جدي حول استراتيجية إسرائيل على المدى البعيد.

وهنا يظهر السؤال: من الذي سيلعب دور الوسيط؟ على الرغم من أن روسيا والصين تطمحان إلى لعب دور صانع السلام في الشرق الأوسط، إلا أنه لم تعد كلتاهما تتمتعان بنفوذ كبير أو صدقيّة للاضطلاع بهذا الدور، كما يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينصّب نفسه كوسيط مخلص، إلا أن أحداً لن يتعامل معه بجدية.

وهكذا تبقى أميركا الوحيدة في الساحة، فقد أمضى بايدن أول ثلاث سنين من رئاسته وهو يحاول تجاهل هذا النزاع، ولكن سيكون لديه ما يشغله في عام 2024، ومن غير المرجح أن يدخل الإسرائيليون مع الفلسطينيين في عملية سلام بوجود رئيس سيعزل من منصبه قريباً، وفي حال فوز بايدن بالرئاسة في عام 2024، عندئذ يمكن لبايدن أن يحاول ترؤّوس تلك الجهود.

أما دونالد ترامب فله قصة أخرى، إذ في كانون الثاني من عام 2020، وبعد سنوات من متابعة ما كان يفترض أنه خطة سلام جدية وضعها صهره جاريد كوشنر، أماط ترامب اللثام أخيراً عن تلك الخطة التي بدت منحازة بشكل مثير للضحك إلى إسرائيل، ولهذا فارقت الحياة ساعة خروجها إلى الدنيا، لأنها كانت ستعطي الفلسطينيين 75% فقط من أراضي الضفة الغربية المحتلة، أي مجرد ثلاثة كانتونات تربطها طرقات سريعة. في حين ستحتفظ إسرائيل بوادي الأردن، الذي يعتبر سلة الخبز في المنطقة، وسيجري تعويض الفلسطينيين عما خسروه عبر الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق في صحراء النقب القاحلة. وستقتصر عاصمة فلسطين على عدد ضئيل من الضواحي الفقيرة شرقي القدس، ولهذا لا عجب أن يرفض الشعب الفلسطيني حتى مناقشة هذا المقترح.

 

المصدر: The Economist