icon
التغطية الحية

إيكونوميست: ماذا بعد الهجوم الأوكراني المباغت على روسيا؟

2024.08.14 | 19:44 دمشق

دبابة أوكرانية ضمن عملية التوغل في روسيا - المصدر: الإنترنت
دبابة أوكرانية ضمن عملية التوغل في روسيا - المصدر: الإنترنت
The Economist- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

فاق الهجوم الأوكراني الخاطف على مقاطعة كورسك الروسية كل التوقعات، بل حتى توقعات من خططوا له، إذ في الثاني عشر من آب الجاري، أعلن الجنرال أوليكساندر سيرسكي القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية أن قواته سيطرت على نحو ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية، ولعل كلمة "سيطرة" عبارة عن مبالغة، ولكن في غضون سبعة أيام سيطر الأوكرانيون على مساحة من الأراضي تعادل ما تمكن الروس من السيطرة عليه منذ بداية العام ولكن بكلفة كبيرة (ما يعادل 1175 كلم2). وخلال الأيام القليلة المقبلة لا بد أن تصل هذه الغزوة إلى ذروتها، بعد أن أصاب التعب الجنود وأصبحت خطوط الإمداد أطول، ولكن السؤال الآن: هل بوسع أوكرانيا أن تترجم مكاسبها على المدى القريب إلى ميزة استراتيجية دائمة؟

أتت المكاسب على المدى القصير مباشرة، فقد أصيب فلاديمير بوتين بإحراج شديد، إذ ظهر في الثاني عشر من آب على القناة التلفزيونية الرسمية الروسية وهو يوجه الانتقادات للمسؤولين العسكريين والأمنيين وفي الحكومة، بما أن القوات الأوكرانية سيطرت على السردية بعد أشهر من مكوثها في موقف دفاعي، بحسب رأي كونراد موزيكا، المحلل العسكري من شركة روتشان الاستشارية التي تتابع أمور الحرب. في حين حافظت أوكرانيا على إجراءاتها الأمنية المشددة فتمكنت من مباغتة العدو، تماماً كما حدث في الهجوم الذي شنه الجنرال سيرسكي على القوات الروسية في خاركيف قبل سنتين تقريباً. وتعتقد أوكرانيا أن خط الجبهة في النزاع أصبح سائلاً أي أن التجمد لم يطله، وهذا بدوره سيغير حسابات روسيا والغرب في أي مفاوضات ستجري مستقبلاً.

رد فعل روسي فوضوي

بيد أن موزيكا يحذر من تكبد أوكرانيا لخسائر جسيمة في حال شنت روسيا هجمات مضادة، لكنها حتى الآن لم تحشد الجنود لتشن تلك الهجمات، ولا يوجد مؤشر واضح على وجود مقاومة روسية على الأرض، ثم إن أوكرانيا أسرت عدداً كبيراً من الجنود، ومعظمهم من المجندين المبتدئين أو رجال الحرس الوطني الذين يمثلون قوة عسكرية في الداخل، ولكن سرعان ما استسلم هؤلاء، ولم يواجه الأوكرانيون إلا مقاومة بسيطة من جيوب مدنية بقيت في تلك المناطق، بعد أن نزح منها الآلاف من الناس بحسب ما أعلنه حاكم مقاطعة كورسك، ومعظم هؤلاء الناس نزحوا من تلقاء أنفسهم سخطاً على رد الفعل الفوضوي.

بيد أن عدم شن روسيا لهجوم مضاد سريع حير بعض الضباط الأوكرانيين، إذ بدلاً من إعادة نشر الجنود من الدونباس إلى كورسك، قد يخطط الكرملين لرد فعل مختلف كأن يشن هجوماً بوابل من الصواريخ على مقر الحكومة في كييف، وحتى الآن لم يتعرض بوتين لأي ضغط كبير من الرأي العام في الداخل، إذ على الرغم من معرفة الروس بأمر الغزوة، لم يتحدث إعلام الدولة الروسية إلا أن المقاومة التي أبدتها القوات الروسية والتي افترضت أنها مقاومة ناجحة، إلى جانب التطرق للحديث عن الوضع الإنساني. وبصرف النظر عن مقالات متفرقة نشرت في مصادر إخبارية مستقلة نسبياً، لم تصل أخبار الفوضى التي سادت في تلك المناطق إلى عامة الشعب الروسي.

ردود فعل مختلطة للمؤيدين والمعارضين الروس

وحتى أصحاب المدونات العسكرية الذين ينتقدون إخفاقات الجيش في بعض الأحيان، اعتبروا ذلك الغزو للأراضي الروسية بمنزلة انتهاك لحرمة تلك الأراضي وهذا من شأنه توحيد الشعب الروسي في عملية انتقامية واجبة (إذ تمنى أحد هؤلاء أن يكون ذلك صحوة للفاسدين من أهالي موسكو الذين يضيعون وقتهم بارتشاف شراب فرابيه التوت). أما ردود الفعل بين أوساط المعارضة الروسية سواء في الداخل أو في المنفى، فقدت أتت مختلطة، إذ إن إيليا ياشين وهو سياسي معارض حرره الغرب في صفقة لتبادل الأسرى جرت في 2 آب، أنحى بلائمة القتل والدمار الحاصل في كورسك على بوتين، في حين أعلن معارض آخر واسمه ليف شلوزبيرغ، وهذا الرجل ما يزال موجوداً في روسيا، أن كل من يصفق لما حققه الجيش الأوكراني من نجاحات لا يجوز أن يعتبر نفسه سياسياً روسياً.

ماذا فعلت أوكرانيا بعد ذلك؟

أتى التقدم سريعاً للغاية، في حين كان رد الروس بطيئاً للغاية، لدرجة دفعت أوكرانيا للتفكير من جديد بأهدافها، لأن أهدافها الأولية تركزت على رفع معنويات الشعب الأوكراني، وبث روح الثقة من جديد في نفوس الغربيين المؤيدين لأوكرانيا وبأنها تستحق مزيداً من الدعم العسكري. كما كانت أوكرانيا تسعى لدفع الكرملين حتى يبعد جنوده عن خط الجبهة، لا سيما في إقليم دونيتسك، حيث حققت روسيا تقدماً على المحور الواصل بين مدن توريتسك وبوكروفسك وتشازيف يار، ولكن منذ بداية هذه الغزوة، خسرت أوكرانيا السيطرة على قسم من مدينة جرودفكا التي تبعد مسافة 15 كلم عن بوكروفسك.

الخيارات الثلاثة

وعلى فرض بدء الروس بنشر مزيد من القوات المسلحة بإمكانيات قوية إلى تلك المنطقة، عندئذ سيكون الأوكرانيون أمام ثلاثة خيارات لا رابع لها برأي ميك ريان، وهو جنرال أسترالي متقاعد مسؤول عن التخطيط الاستراتيجي، إذ ينطوي نهج الحلول القصوى على محاولة السيطرة على المنطقة التي استولوا عليها، أو حتى التقدم فيها أكثر، وذلك لاستدراج أكبر عدد ممكن من الجنود الروس خارج أوكرانيا، ولتحويل ذلك إلى ورقة للضغط في أي مفاوضات ستجري مستقبلاً. لكن هذا النهج ينطوي على خطورة كبيرة برأي ريان. كما أنه من الصعب على أوكرانيا البقاء في حرب إلكترونية والاحتفاظ بتغطية جوية تحمي حتى أشد قواتها تحصيناً ضمن تلك المساحة الشاسعة. ثم إن الأوكرانيين يعرفون تماماً مدى خطورة القنابل الإنزلاقية الروسية على المواقع الثابتة. ولهذا يجب على أوكرانيا أن تغير مواردها وتنقلها من خط الجبهة إلى داخل أراضيها، كما أن خسائر جنودها في كورسك يمكن أن تقوض الخبر الإيجابي الذي خرجت به أوكرانيا بعد ذلك التوغل.

يتمثل الخيار الثاني في الانسحاب إلى الحدود بشكل عالي التنظيم، مع الاحتفاظ بالعدة والعتاد من أجل محاولة استعادة الأراضي الأوكرانية خلال العام المقبل. فلقد كشفت أوكرانيا أنها بوسعها نقل الحرب إلى روسيا وتقويض سردية الانتصار الحتمي الساحق لروسيا، ذلك النصر الذي أصبح له وقع مختلف في قلوب ضعاف العزيمة من حلفاء أوكرانيا.

يتمثل الخيار الثالث بانسحاب جزئي إلى موقع دفاعي بالقرب من الحدود الأوكرانية وهذا يتطلب وجود عدد أقل من الجنود مع دعم مدفعي ولوجستي أكبر، كما يمكن تشكيل قاعدة لشن هجمات أخرى كلما سنحت الفرصة، وقد ذكر مصدر من قيادة الأركان العامة للجيش الأوكراني بأن هذا هو الخيار المرجح حالياً، إذ جرى نقل بعض اللوجستيات التي تضم قوات الهندسة والوقود والمشافي الميدانية وقواعد التموين وإصلاح المركبات لمسافة بضع كيلومترات داخل الحدود الروسية.

مواقف غربية إيجابية

على الرغم من أن التقارير الأولية أفادت بأن أوكرانيا قد تحاول الاستيلاء على المفاعل النووي في كورسك وغيره من المواقع الحساسة، أتت استجابة حلفاء أوكرانيا إيجابية بشكل مدهش، إذ إن إدارة بايدن التي أنكرت على أوكرانيا شن غارات بمسيرات على مصافي النفط الروسية وقيدت استخدام الصواريخ الأميركية لضرب الأراضي الروسية، أعلنت بأن هذه العملية تعبر عن استخدام مقبول للسلاح الأميركي والذي يشمل مركبات سترايكر المصفحة. أما ألمانيا التي أعربت عن قلقها غير مرة حيال كل ما قد يدفع روسيا لتصعيد الأمور، فقد ذكرت بأنه من حق أوكرانيا الدفاع عن نفسها، ولم يظهر أي مؤشر على توجيه الدول الحليفة لأي توبيخ على المستوى الخاص أو العام للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أي أن التحدي الذي يواجهه هذا الرجل اليوم بات يتمثل بترجمة النجاح الذي حصده خلال الأسبوع الماضي إلى مكسب دائم.

 

المصدر: The Economist