icon
التغطية الحية

إيكونوميست: كيف نزيل السميّة من سياسات الهجرة ونستورد العقول والشباب؟

2023.12.23 | 23:15 دمشق

آخر تحديث: 23.12.2023 | 23:15 دمشق

صورة تعبيرية لمهاجرين
صورة تعبيرية لمهاجرين
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في كل يوم، وفي كل بقاع العالم، تعرض الشاشات صوراً مرعبة من قطاع عزة حيث أجبر نحو مليوني فلسطيني على النزوح من بيوتهم، وهنالك أعداد أكبر من النازحين في كل من الكونغو والسودان وسوريا وأوكرانيا، ومعظم البشر يبدون تعاطفاً كبيراً لدى مشاهدة بشر مثلهم وهم يهربون من القصف والرصاص والقتل، إلا أن كثيرين غيرهم يراودهم شعور آخر، ألا وهو الخوف.

عند مشاهدة كل ذلك عبر الشاشات، يبدو العالم مكاناً يسوده العنف والرعب حتى بالنسبة لمن يعيشون في أمان ورخاء، وهذا ما يجعلهم يقلقون من تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى حدودهم، في حين يتحدث القوميون من السياسيين عن غزو من نوع جديد.

هستيريا الخوف من اللاجئ

وصل الخوف لسياسات الدول الغنية، لدرجة جعلت رجلاً دافع في يوم من الأيام عن حظر القرآن يصل إلى منصب رئاسة الوزراء في هولندا، في حين داس حزب المحافظين في بريطانيا على القواعد الدستورية خلال محاولته إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا في رحلة بلا رجعة. أما دونالد ترامب فقد خطب في الجموع الهائجة مخبراً إياها بأن المهاجرين اللاشرعيين يسممون الدماء التي تجري في عروق هذا البلد على حد تعبيره.

وبعض تلك الآراء صحيح، لأن الغالبية الساحقة من المهاجرين هاجرت بشكل طوعي من دون أن تتعرض لأي مأساة، وبالنسبة لكل ما يجري على الألسن بخصوص الأرقام القياسية والأزمة غير المسبوقة للهجرة، لم تتجاوز نسبة من يعيشون في دول غير دولهم الأم 3.6%، وهذه النسبة لم تتغير منذ عام 1960، عندما بلغت نسبة المهاجرين 3.1%. في حين أن أعداد المهجرين قسرياً تتغير بشكل كبير، وذلك تبعاً للحروب التي تندلع، إلا أنها لم تبد أي نزعة واضحة للازدياد على البعيد. غير أن العدد الإجمالي للنازحين ارتفع بشكل مرعب خلال العقد الماضي من 0.6% في عام 2012 إلى 1.4% في عام 2022، لكن هذا العدد يمثل سدس ما كانت عليه أعداد النازحين عقب الحرب العالمية الثانية.

ما تزال الفكرة التي ترى بأن اللاجئين يمثلون خطراً حقيقياً على الدول الغنية فكرة بعيدة عن التحقق، لأن معظم الهاربين من الخطر لا يبتعدون عنه كثيراً، فمن بين 110 ملايين إنسان صنفتهم الأمم المتحدة على أنهم نازحون قسرياً حتى أواسط عام 2023، ظل أكثر من نصفهم في بلدانهم، وبالكاد وصل 10% منهم إلى الدول الغنية، أي أن عدد هؤلاء لا يتجاوز تعداد سكان لندن. وهذا العدد ليس بتافه، ولكن يمكن التعامل معه بسهولة في حال تعاونت الحكومات على تحقيق ذلك. وعموماً، تؤوي الدول الأفقر نحو تسعة أضعاف هذا العدد من النازحين، وعلى الرغم من شح الموارد فيها، إلا أن هستيريا الخوف من النازح واللاجئ هناك ما تزال أقل.

يحرك اليمين الشعبوي تلك المخاوف تجاه الأعداد الكبيرة من النازحين حتى يفوز بالانتخابات، وهنالك بعض اليساريين الذين يذكون نار هذه المشكلة بطرق مختلفة، ثم إن تقديم إعانات سخية لطالبي اللجوء مع وضع العقبات أمام حصولهم على عمل يحولهم لعبء بكل تأكيد، وهذا ما جعل الحزب المعادي للهجرة في السويد يصل إلى السلطة. أما الدعوة لإلغاء القيود على الحدود التي يطالب بها بعض المتطرفين الأميركيين، فتثير رعب الناخب العادي، كما أن الإصرار على تعريف هوية الشخص بحسب عرقه، ووضع تسلسل اجتماعي للبشر تأتي الأكثرية في مؤخرته، ومن ثم مطالبة أميركا باستقبال الملايين من الأقليات، يعتبر وصفة مناسبة لانتخاب ترامب مجدداً.

خطوة في الاتجاه الصحيح

وعليه فإن وضع نهج أكثر حكمة في التعاطي مع مسألة الهجرة لابد أن يأخذ أمرين بعين الاعتبار، أولهما: أن الانتقال للعيش في دولة أخرى يحسن وضع البشر مقارنة بما كانوا عليه في السابق، هذا في حال استقروا في الدولة التي هاجروا إليها، لأن معظم من فروا من الخطر عاشوا بأمان، ومن بحثوا عن بداية جديدة عثروا على فرصة جديدة، أي أن المهاجرين من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية زاد مدخولهم وراتبهم بشكل كبير من دون أن يؤثر ذلك على أبناء تلك الدول. كما أن الانتقال والتحرك يتيح للعائلات تبديد المخاطر المحدقة بها، وذلك لأن كثيرين يرسلون الأموال لأقاربهم حتى ينتقلوا لمدينة أو دولة أغنى، ما يعني أن لدى هؤلاء الأقرباء على الأقل دخلاً واحداً لا يتأثر بالظروف المحلية.

ثانياً: بوسع الدول التي تستقبل مهاجرين الاستفادة من الهجرة، في حال إدارة الحالة بشكل جيد، وذلك لأن الوجهات المحببة للبشر تستقطب الأشخاص المبدعين والناجحين وأصحاب المشاريع، وعليه فإنه من المرجح للمهاجرين إلى أميركا أن يفتتحوا شركة هناك بنسبة تصل إلى الضعفين إن قورنت بأعداد من يفتتحون شركة من أبناء البلد، وترتفع هذه النسبة إلى أربعة أضعاف عند مقارنة عدد من يحصلون على جائزة نوبل في العلوم من المهاجرين مقارنة بأبناء البلد. أما المهاجرون الأقل مهارة فيسدون النقص لدى القوى العاملة الهرمة يتيحون لأبناء البلد التفرغ للقيام بمهام أكثر إنتاجية (وهذا ما يحدث مثلاً عندما تساعد مربية أجنبية أبوين على العمل بدوام كامل).

ثم إن العالم الذي يتسم بحركة أكبر لابد أن يصبح أغنى، وذلك لأن حرية الحركة الكاملة تزيد الناتج القومي المحلي العالمي بنسبة الضعف بحسب التقديرات، إلا أن أحداً لم يدرك تلك المكاسب الهائلة لأنها ستعود بالنفع في معظمها على المهاجرين، وهؤلاء لا يمكنهم التصويت في الدول التي يرغبون بالانتقال إليها. ولكن بدلاً من تجاهل تريليونات الدولارات هذه والتخلي عنها، يجب على الحكومات التي تتحلى بالحكمة أن تبحث عن طرق ووسائل لتحصل على نسبة فيها، وهذا يعتمد على إقناع الناخبين بأنه يمكن للهجرة أن تتحول إلى شيء منظم وقانوني، وإثبات أن المهاجر لا يدفع فقط مقابل ما يحتاج إليه، بل يعزز الصالح العام.

وعليه يجب التشديد على تأمين الحدود، مع تسهيل عملية رفض دخول المهاجر أو منحه حق الدخول بما أنها عملية تتسم بالبطء الشديد. ويجب قبول دخول عدد معقول من العاملين يتم انتقاؤهم بحسب القوى المطلوبة في السوق بشكل أساسي، وذلك عبر مزايدات التأشيرات مثلاً. كما يجب أن يمنح المهاجر الحرية في العمل، مع دفعه للضرائب، من دون أن يحصل على مزايا الرعاية الاجتماعية والرفاهية نفسها التي يحصل عليها المواطن، على الأقل لفترة محدودة. كما لابد من تحديث نظام اللجوء المتداعي في العالم بأسره في يوم من الأيام، إلى جانب إضفاء مزيد من العدالة في توزيع نسب اللجوء على الدول، ولهذا فإن الاتفاقية المؤقتة التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي في العشرين من كانون الأول الجاري تعتبر خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح.

يرى المتشائمون من اليمين بأن استقبال أعداد أكبر من المهاجرين لا بد أن يخلف الفوضى بما أن البلد لا يمكنه أن يستوعب القادمين من ثقافات غريبة، وهؤلاء يصعب عليهم الاندماج، غير أن الدراسات كشفت عن عدم وجود أدلة دامغة تشير إلى أن الدول التي تعيش حالة تنوع أقل استقراراً من غيرها، ويشذ عن ذلك الصومال، إلا أننا لا نرى ذلك في أستراليا التي تضم خليطاً مختلفاً.

أما المتشائمون من اليسار فيرون بأن الغرب لن يستقبل أعداداً كبيرة من المهاجرين كما لن يعاملهم بعدالة في حال استقبلهم لأن الغرب عنصري بطبعه، ولكن على الرغم من وجود العنصرية، نجد بأنها تراجعت بشكل أكبر مما يمكن لكثيرين إدراكه، إذ عندما ولد باراك أوباما كانت حالات الزواج المختلط بين الأعراق مخالفة لقوانين أغلب الولايات الأميركية، كما كان معظم الشعب البريطاني يعتقد بأن له الحق، بل من واجبه أن يحكم غيره من الدول والشعوب. أما الآن فقد أصبحت خمس الزيجات التي تتم في أميركا تحدث بين أعراق مختلطة، في حين لم يعد يستهجن الشعب البريطاني وصول سليل للرعايا في الدول التي استعمرتها بريطانيا إلى منصب رئاسة الوزراء في بلدهم، كما صار الهنود البريطانيون والكنديون الصينيون والأميركيون النيجيريون كلهم يتمتعون بمزايا تفوق ما يحصل عليه مواطنوهم البيض، ما يعني أن العنصرية لم تعد أحد العوامل الرئيسية المحددة لفرصهم في الحياة.

ريادة الغرب ما تزال ممكنة

قد يدفع التغير المناخي الناس مستقبلاً للتحرك بشكل أكبر، غير أن هذا التحرك سيتم بصورة تدريجية، وقد يظهر للقوتين تأثير معاكس، أي أن الانتقال من الحقول إلى المدن، وهي عملية انتقال جماعية أكبر بكثير من الهجرة عبر الحدود، سيكون بطيئاً، بما أن معظم بقاع العالم تحولت إلى مناطق مدينية. ثم إن البشرية ستضعف حركتها عندما تهرم. ولكن اليوم أمام الدول الغنية فرصة رائعة لتستورد الشباب والعقول والحيوية، وهذه الفرصة لن تدوم إلى الأبد.

المصدر: The Economist