icon
التغطية الحية

إيكونوميست: عودة الجهاديين في مختلف أصقاع العالم

2024.05.01 | 07:58 دمشق

أحد عناصر تنظيم الدولة وهو يحمل رايتها
أحد عناصر تنظيم الدولة وهو يحمل رايته
The Economist- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما شق مسلحون جهاديون طريقهم وهم يطلقون النار في أرجاء قاعة مدينة كروكوس بموسكو في الثاني والعشرين من آذار، فقتلوا بذلك أكثر من 140 شخصاً أتوا لحضور حفلة موسيقية في ذلك المكان، ثم أضرموا النار فيه، أصيبت أجهزة الاستخبارات الغربية بالدهشة، إذ كان ذلك أشبه بتحذير واضح بأن تنظيم "الدولة الإسلامية" التي سُحقت قبل خمس سنوات قد عادت لتنفيذ أعمال عنف تثير الاستغراب في مختلف أرجاء العالم، ولهذا خشيت الدول الأوروبية من أن تتحول إلى أهداف أمام هذا التنظيم.

بلغ الرعب ذروته في فرنسا وألمانيا اللتين من المقرر أن تستضيفا ثاني أكبر حدث رياضي في العالم خلال هذا الصيف، ألا وهو دورة الألعاب الأولمبية، وبطولة أوروبا لكرة القدم لعام 2024، ولذلك جرى تقليص الحفل العائم على نهر السين في افتتاحية الألعاب الأولمبية بباريس تجنباً للمخاطر، ويتم العمل على وضع خطة بديلة أيضاً، وعن ذلك يقول جيل كيبيل الخبير بالحركة الجهادية: "إن كان بوسعهم أن يفعلوا ما فعلوه في موسكو، فبإمكانهم فعل ذلك بباريس، أي أن موسكو ستصبح مجرد محاولة تدريبية لما سيحدث في الألعاب الأولمبية".

تعتبر الحركة الجهادية مسرحاً مخيفاً للإرهاب، وتعد الأحداث والمناسبات المهمة والكبيرة مرتعاً مغرياً بالنسبة لها، تنظيم الدولة فضل أن يضرب ضربة كبيرة في الأماكن التي تغص بالناس، ولهذا استهدف مسرح باتاكلان بباريس عام 2015، وساحة مانشستر عام 2017 واليوم قاعة مدينة كروكوس.

ابتعد الغرب كثيراً خلال هذه الفترة عن الحرب الطويلة على الإرهاب، بعدما دفع دماء وأموالاً طائلة لتدمير أهم الجماعات الجهادية، لكن الجهاديين عادوا ليحتلوا الصورة من جديد، ورجعوا إلى معاقلهم القديمة منها والجديدة، وازدهرت دعايتهم عبر الفضاء السيبراني، كما لا بد لحرب إسرائيل على غزة أن تدفع الجيل الجديد بكامله نحو التطرف.

يقوم تاريخ الجهاد العالمي على العودة للابتكار والاختراع تحت ضغط الغرب، إذ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في عام 2001، أسقطت أميركا وحلفاؤها طالبان في أفغانستان وأخرجت القاعدة من عقر دارها، كما قتلت القوات الأميركية زعيم تلك الجماعة، أي أسامة بن لادن في باكستان عام 2011، وأطاحت غارة بمسيرة في كابول عام 2022 بخليفة بن لادن، أيمن الظواهري، ولهذا بات لزاماً على تنظيم القاعدة أن يختار زعيماً جديداً له، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن. وفي تلك الأثناء، أثار تنظيم الدولة ضجة كبيرة وذلك عندما اقتطع لنفسه دولة خلافة من أجزاء شاسعة في العراق وسوريا عام 2014، وهذا التنظيم يعتبر خليفة لتنظيم القاعدة لكنه أشد وحشية منه، وقد أخذ يستقطب المتطوعين من مختلف أرجاء أوروبا وما سواها، ولكن آخر معاقله قد دمر في عام 2019، كما خسر هذا التنظيم أربعة من زعمائه منذ بداية ذلك العام.

ومع ذلك ما يزال الجهاديون يقاتلون، وما برحوا يشتمون الغرب ويغذون حركات التمرد بدءاً من مالي وحتى الفلبين. ومن بين التنظيمين يعتبر تنظيم الدولة أشد ديناميكية، وعنه يقول آرون زيلين من معهد واشنطن: "في حرب الأفكار هزم تنظيم الدولة تنظيم القاعدة، لا سيما بين صفوف الشباب، فلقد أقام تنظيم الدولة دولة الخلافة ومع أنها دُمرت فإن تنظيم القاعدة لم يفعل شيئاً لإقامتها سوى الحديث عنها فقط".

مراحل العنف

يخبرنا كيبيل بأن كل ذلك تسبب بظهور ثلاث مراحل متداخلة من العنف، وتشمل الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، والغارات التي تمت بفضل أو بمساعدة شبكات ترتبط عن بعد بتنظيم الدولة في العشرية الثانية من الألفية الثالثة، وكذلك ظهور ما أسماه بالجهاد المحيط، وهو عبارة عن عنف بلا قيادات يشنه الجهادي من تلقاء نفسه وهذا النوع انتشر خلال السنوات القليلة الماضية، وكلما كانت درجة التنظيم أكبر، زاد عدد الضحايا الذين بوسع الجهاديين قتلهم، إذ في غياب التوجيه، تصبح هجمات الذئاب المنفردة أقل ضرراً، لكن اكتشافها أصعب، ومع ذلك تبقى مرعبة، إذ قُطع رأس مدرس في فرنسا عام 2020، وقتل معلم آخر  طعناً خلال العام الفائت، ولهذا بات كثيرون يشعرون بالقلق إزاء ازدياد عدد القاصرين الذين أخذ التشدد يستقطبهم.

العدوان: القريب والبعيد

واليوم، أضحت الحركة الجهادية مشتتة ومائعة، إذ تركز بعض الفصائل على قتال "العدو القريب" أي الحكومات المحلية، إلى جانب انتزاع السلطة والسيطرة على المناطق، في حين تتجه فصائل أخرى لقتال "العدو البعيد"، أي الغرب. واليوم كما كان عليه الوضع قبل أحداث 11 أيلول، ما تزال أفغانستان تصدر الإرهاب، كما أن الانسحاب الفوضوي الذي نفذه الرئيس جو بايدن من أفغانستان عام 2021، بهدف إنهاء حروب أميركا الأبدية، أدى إلى عودة طالبان مباشرة للسيطرة على البلاد. ويعتبر مقتل الظواهري دليلاً على احتواء طالبان لشخصيات مهمة من القاعدة بعد تواريها عن الأنظار، إلا أن مصدر القلق الأكبر يتجلى بفرع تنظيم الدولة في أفغانستان والمعروف باسم: "تنظيم الدولة بولاية خراسان".

ظهر هذا التنظيم للعلن في أثناء انسحاب أميركا من كابول، وذلك عندما تسبب تفجير انتحاري بمقتل أكثر من 180 شخصاً، بينهم 13 جندياً أميركياً، وبخلاف تنظيم القاعدة، قمعت طالبان تنظيم الدولة في خراسان، ولكن ليس بصورة كاملة، فقد استغلت شبكاته في دول الجوار، وبحسب ما يرويه زيلين، نفذ تنظيم الدولة في ولاية خراسان أو حاول تنفيذ هجوم واحد خارج أفغانستان في عام 2021، وأربعة منها في عام 2022، و12 خلال العام الماضي، و15 حتى اللحظة من العام الحالي.

ومن بين المواقع التي استهدفها هذا التنظيم أخيراً قصفه لموكب أقيم في إيران إحياء لذكرى الجنرال قاسم سليماني الذي قتلته أميركا، ما أسفر عن مقتل أكثر من تسعين شخصاً في كانون الثاني الماضي، كما أثبت هجوم موسكو رغبة هذا التنظيم وقدرته على إلحاق الضرر في مناطق أبعد من تلك بكثير بحسب رأي مسؤولين غربيين، إذ يقول هوغو ميتشيرون من جامعة العلوم ببارييس: "يضرب تنظيم الدولة في ولاية خراسان كلما واتته الفرصة، لذا إن لم يهاجم في أوروبا، فإن سبب ذلك هو إحباط هجماته حتى الآن".

يعتبر الوضع جسيماً نظراً للتعقيدات الجيوسياسية الأخرى، إذ لا تنتشر سوى نسبة قليلة من القوات الأميركية في العراق وسوريا، وقد يجري تخفيض عددها بنسبة أكبر، ويعود أحد أسباب ذلك إلى تعرضها لهجمات متكررة على يد حلفاء إيران، ولهذا عاودت أميركا التفاوض على وضع قواتها في العراق، كما أن أي انسحاب أميركي من سوريا -وهذا ما يناصره ترامب وناقشه بايدن على ما يبدو- يمكن أن يضعف الكرد بشكل كبير وقد يتسبب بفرار آلاف من المقاتلين الجهاديين المحتجزين في معسكرات الكرد وسجونهم.   

الحركة الجهادية في إفريقيا

وفي الوقت نفسه، أجبرت الانقلابات في منطقة الساحل الغربي والشمالي لإفريقيا ووسطها القوات الفرنسية على الجلاء عن مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كما انسحبت قوات حفظ السلام من مالي، ومن المرجح للقوات الأميركية أن تغادر النيجر وتشاد أيضاً. ومن مقرها، جرى استقطاب قوات مرتزقة فاغنر الروسية لحماية الانقلابيين، إلا أن أمر الرد على الجهاديين بهجوم مضاد مشكوك فيه. إذ يحذر تقرير أممي صدر أخيراً من سيطرة الفروع الإقليمية لتنظيم القاعدة على الأرض، وتهديد الدول الواقعة على الساحل الغربي لإفريقيا، مما ينذر بإقامة ملاذ للإرهابيين، وثمة مخاوف من تحول الجهاديين إلى الهجوم على الغرب، وينطبق الأمر نفسه على حليف القاعدة القوي في الصومال، أي تنظيم الشباب، وفرعه في اليمن أي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، المعروف بتاريخه الطويل من الإرهاب العابر للحدود.

الحركة الجهادية الرقمية

والمعركة جارية على أشدها في العالم الرقمي أيضاً، إذ قد تكون دولة الخلافة قد انتهت في العالم الفيزيائي، إلا أن نظيرتها الافتراضية ما تزال قوية، ولهذا يجري توزيع المنشورات والفيديوهات الجهادية بعدة لغات، ومع اندلاع الحرب في غزة، تحول السيل إلى طوفان، إذ صار تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة يحاولان استغلال الغضب العارم تجاه معاناة الفلسطينيين.

ومن المرجح أن يؤدي هذا الغليان إلى تطرف جيل جديد كامل من المسلمين، إذ في الخامس والعشرين من نيسان الجاري، أدين طالب لجوء مغربي بقتل متقاعد بريطاني "بجريرة إسرائيل التي تقتل الأطفال"، ومن المحتمل أن تتشكل جماعات إرهابية جديدة ونحن نتحدث عنها، بحسب رأي كريستين أبي زيد وهي مديرة المركز القومي لمكافحة الإرهاب في أميركا، الذي يعتبر المحور الاستخباري الرئيسي الذي يدرس أمور الجهاديين. ولكن على الرغم من كل الرعب الذي أشعلته حماس في قلوب الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول الماضي، ترى أبي زيد بأن الجماعات الفلسطينية لا تبدو ميالة لمهاجمة الغرب.

بعدما سيطرت حماس على المشهد، وعلى الرغم من ازدراء تنظيم الدولة في خراسان لحماس، وعدم قدرتها على توجيه ضربة لإسرائيل، أخذ هذا التنظيم يحرض أتباعه على الضرب أينما تسنى لهم، إذ حثهم في شهر تشرين الثاني الماضي بالقول: "يا أسود الإسلام! طاردوا فرائسكم إن كانوا يهوداً أو نصارى أو من حلفائهم".

ما الذي سيأتي عقب ذلك؟

تراجعت المؤامرات الجهادية في أوروبا، ما نجح منها وما فشل، منذ أن تراجعت دولة الخلافة، وذلك بحسب ما ذكره بيتر نيسير من المؤسسة النرويجية لأبحاث الدفاع.

ولكن مع عودة الجهاديين للانتظام ضمن مجموعات، يمكن أن يعود النمط الأشد تنظيماً من الهجمات إلى الواجهة، إذ في أوروبا، تعتبر فرنسا أول دولة مرشحة لتلك الهجمات، ويعود أحد أسباب ذلك إلى الصدام بين علمانية الدولة الفرنسية وحالة التدين بين عموم المسلمين. وقد يأتي بعدها على القائمة بريطانيا وألمانيا، إذ لطالما استهدفت هاتان الدولتان في الماضي، أما السويد والدنمارك فقد أصبحتا من المغضوب عليهم نظراً لخروج احتجاجات على حرق القرآن فيهما، أما الدولة المرجح استهدافها أكثر من غيرها فهي روسيا برأي نيسير نظراً لتدخلها في سوريا عام 2015 ولتحالفها مع إيران أيضاً.

يجري اعتقال الجهاديين في مختلف أرجاء أوروبا، ومعظمهم لديه ما يربطه بتنظيم الدولة في خراسان، إذ يعمل هذا التنظيم من خلال من هاجر من المسلمين من البلدان التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي في آسيا الوسطى والقوقاز، وفي ذلك تغيير عن دوائر الإرهاب السابقة التي كانت تضم في معظم الأحيان متطرفين من شمال إفريقيا وباكستان، وقد شكلت شخصيات تابعة لهذا التنظيم في تركيا ما وصفته الأمم المتحدة بمحور لوجستي لعمليات تنظيم الدولة بخراسان في أوروبا، وذلك عبر نقل الأموال بالاعتماد على العملات المشفرة.

هذا وتزيد الخبرة العسكرية سواء في معسكرات التدريب أو المعارك الجهادية الفعلية، من حماسة المجاهدين وقوتهم الفتاكة. ولحسن الحظ فإن تدفق المتطوعين الغربيين إلى مناطق الحرب قد تباطأ إلى أبعد الحدود، بحسب رأي مصادر أمنية. بيد أن المقاتلين الذين حبسوا بجنايات إرهابية خلال الفترات الأولى من العنف بوسعهم أن يتحولوا إلى مصدر إلهام وتنظيم للآخرين بمجرد أن يجري إطلاق سراحهم من السجون.

قد يتربص بعض الجهاديين بين حشود المهاجرين المتوجهين إلى أوروبا وأميركا، إذ جرى اعتقال تسعة أشخاص من آسيا الوسطى في ألمانيا وهولندا خلال شهر تموز الماضي بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات لصالح تنظيم الدولة، بيد أن هؤلاء وصلوا إلى أوكرانيا. أما في أميركا، فهنالك الآلاف من الناس الذين يحتمل أن تربطهم علاقة بالإرهاب، وقد تبين أن هؤلاء قد عبروا الحدود من المكسيك وكندا منذ عام 2022، غير أن أبي زيد ترى بأنه لا يوجد دليل على وجود عملاء معروفين يحاولون التسرب عبر الحدود البرية.

وفي حال تنفيذ تلك العناصر لهجوم ما، يخشى المسؤولون أن يقوم الجهاديون باستيراد التقانة من ساحات الوغى الأجنبية، ومنها المسيرات التي تعمل على إسقاط الذخائر والقنابل من دون أجزاء معدنية. هذا وقد سهلت الاتصالات المشفرة عبر التطبيقات وألعاب الفيديو والميتافيرس عملية تنظيم المقاتلين، أما الذكاء الصناعي، الذي قد يشمل عملية التزييف العميق، فيسهل عملية إنتاج الدعاية الجهادية وترجمتها.

في حالة التأهب على الدوام

أصبحت وكالات الاستخبارات الغربية أمام مهمة شاقة، كونها تعمل على تعقب شبكة فسيفسائية من الجهاديين في الخارج، في حين تحاول تحديد موقع الجهاديين الذين يعملون من تلقاء أنفسهم في الداخل، كما عليها مراقبة الجهاديين من اليمين المتطرف، بما أن هؤلاء يتطرفون من تلقاء أنفسهم، فيكرهون المسلمين من جهة، لكنهم يتعلمون من دليل العمل الجهادي من جهة أخرى. ويتعين على وكالات الاستخبارات الغربية أيضاً مراقبة تهديد أقدم ألا وهو الإرهاب الذي تموله دول متطرفة من أمثال إيران.

تعبر الحركة الجهادية في نهاية المطاف عن مشكلات عميقة في الشرق الأوسط بكامله، بيد أن الغرب تعوزه القوة اللازمة لإصلاح تلك المشكلات ومعالجتها، بل إنه غالباً ما يزيد طينها بلة، ويكمن جزء من الإجابة عن هذه المعضلة في التعاون الاستخباري من كثب، فقد حذرت أميركا روسيا من هجوم وشيك على موسكو، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على محورية الدور الأميركي في مكافحة الإرهاب على مستوى العالم. كما أظهرت الهجمة التي استهدفت الظواهري قدرة أميركا على ضرب الإرهابيين من عرض السماء، إلا أن التمويل والجنود قد توجه إلى أولويات أخرى، مثل مواجهة خطر روسيا والصين، ولهذا لعل الغرب قد تمنى أن ينهي حربه على الإرهاب، بيد أن الإرهابيين لم يبارحوا ساحة المعركة حتى اللحظة.

 

المصدر: The Economist