كان الزلزال الذي فلق الجنوب التركي والشمال السوري خلال الساعات الأولى من فجر يوم 6 شباط أحد أعنف الزلازل المدمرة في هذا القرن. إذ خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد وقوع الكارثة، تجاوز عدد الضحايا 10 آلاف، وهذه النتيجة المروعة تعود بالأصل لعمليات البناء المهلهلة ولتوقيت وقوع الزلزال، بما أنه حدث والناس نيام. ولكن لا بد لأي واقعة زلزالية بهذا الحجم والقوة، بما أن هذا الزلزال يعتبر الأعنف حيث بلغت شدة الأول 7.8 والثاني 7.5، أن تخلف أضراراً جسيمة. أما على المستوى العالمي، فلا يقع سوى 15 زلزالاً شدته سبع درجات أو أكثر كل عام.
على الرغم من بعد تركيا عن حلقة النار في المحيط الهادي والتي تعتبر مصدراً لأعتى الزلازل في العالم، فإن كل ما يحيط بها يعتبر نشطاً من الناحية الزلزالية بالعادة، إذ تميل الزلازل للوقوع على الحدود الفاصلة بين الصفائح التكتونية، وهي أجزاء من القشرة الأرضية تتحرك بفعل تيارات الحمل الحراري ضمن منطقة الوشاح الحار التي تقع تحتها. وعلى طول خطوط الفالق الزلزالي التي تفصل بين الصفائح، تتحرك صخور القشرة الأرضية ببطء لتتجاوز بعضها بعضاً، ما يؤدي إلى تقاربها واصطدام بعضها ببعض في معظم الأحيان، وهذا ما يتسبب بحدوث إلتواء يزداد حدة مع الأيام إلى أن ينزلق الفالق أو الصدع، فيتسبب بوقوع زلزال.
صور
قبل 25 مليون عام قبل 50 مليون عام قبل 100 مليون عام
تتسم منطقة شرقي المتوسط ببنية تكتونية معقدة تميزها وتشتمل على العديد من الصفائح الصغيرة والتي تضم الصفيحة الأناضولية التي تمتد فوقها معظم أراضي تركيا. فقبل 100 مليون سنة فقط، كانت هذه الصفيحة تضم جزءاً من الساحل الجنوبي لبحر كان يعرف باسم بحر تيثيس، وكان هذا البحر يفصل أفريقيا عن أوراسيا. ولكن بعد اختفاء هذا المسطح المائي، انقسمت مياهه على بحيرة خوارزم والبحر الأسود وبحر قزوين والبحر المتوسط، ما أدى إلى انزياح الصفيحة الأناضولية نحو الشمال، ثم انحشرت تلك الصفيحة بين أربع صفائح أخرى تشمل الصفيحة العربية التي تقع في الجهة الجنوبية الشرقية (والتي تتحرك باتجاه الشمال)، والصفيحة الأوراسية التي تقع في الشمال (والتي تتحرك باتجاه الجنوب)، وما تزال هاتان الصفيحتان تتحركان باتجاه جارتهما الأناضولية الصغيرة حتى اليوم.
في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع بالقرب من إسطنبول في عام 1999، تعهد قادة تركيا بتحسين عمليات الاستعداد لوقوع أي زلزال، فقد تشكل ذلك الزلزال ضمن الفالق الأناضولي الشمالي، أي عند الحد الفاصل ما بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة الأوراسية التي تعتبر مصدراً لأعنف الزلازل وأقواها في تركيا. وعلى النقيض من ذلك نجد بأن الفالق الأناضولي الشرقي الذي يحتك بالصفيحة العربية، لم يشهد أي زلزال بلغت شدته سبع درجات على الأقل منذ بدء ظهور نظم المراقبة الحديثة للزلازل في أواخر القرن التاسع عشر.
الزلازل منذ عام 1900 بالقرب من خطوط الفالق التي تم تحديدها:
الأشد حركة خلال فترة سبعة أيام:
ثم إن معظم نظم الفوالق النشطة في العالم مثل منطقة هبوط كاسكاديا الواقعة شمال غربي الولايات المتحدة وجنوب غربي كندا، لم تشهد أي زلزال منذ قرون طويلة. بيد أن هذا الهدوء النسبي لا يشير بالضرورة إلى انخفاض في نسبة خطر وقوع أي زلزال، وذلك لأن الالتواء الحاصل على طول الفالق الأناضولي الشرقي بقي يتفاقم سنة بعد سنة، ما جعل الفالق على استعداد للتسبب بوقوع أي كارثة زلزالية.
المصدر: Economist