أعلنت إحدى أقدم مكتبات بيع الكتب في محافظة اللاذقية أنها ستغلق أبوابها في نهاية العام الحالي، مشيرة إلى أن ظروفاً عديدة أسهمت في إنهاء مسيرتها الثقافية التي استمرت لأكثر من 80 عاماً.
وأوضح القائمون على مكتبة "كردية" عبر منشور على حسابها في فيس بوك "انتهاء رحلتهم"، متمنّين أن يستكملوا مستقبلاً "رحلة الكفاح في خدمة الثقافة ومحاربة الجهل والتجهيل".
وجاء في المنشور: "ثمانون عاماً مرت على انطلاقتنا الأولى في بيع الكتاب، ثمانون عاماً استطعنا خلالها ترسيخ ذاكرة لن تُمحى في خدمة الثقافة عند أبناء اللاذقية وعموم سوريا".
وأضاف: "اليوم نعلنها وبكل حزن بأن رحلتنا في هذا البلد الذي بدأنا من أراضيه قد شارفت على نهايتها، ستغلق المكتبة أبوابها في آخر أيام هذا العام، على أمل أن نعود يوماً لاستكمال رحلة كفاحنا في خدمة الثقافة ومحاربة الجهل والتجهيل".
وبحسب القائمين على المكتبة، فإن سبب إغلاقها في نهاية هذا الشهر، ليس لنقصٍ في أعداد القراء أو تدني نسبة شراء الكتب كما يروّج إعلام النظام السوري، وإنما "بسبب الكثير من الظروف التي أسهمت في أن نغلق ولا نستطيع بسببها الاستمرار".
وقالوا: "لم ولن ننجر لحملات القرصنة والتزوير، أسهمنا ما استطعنا بإعادة ألق ثقافة الكتاب الأصلي إلى المكتبات السورية، نجحنا في أماكن وفشلنا في أماكن أخرى، فاليوم الغلبة للسرقة والتصوير والقرصنة على الرغم من ارتفاع أسعارها، اليوم لا مكان لكتاب أصلي لقارئ سوري، فالوضع الاقتصادي تجاوز قدرة القارئ السوري على شراء كتاب أصلي".
مثقفون سوريون ينعون المكتبة
وعبّر العديد من مثقفي وقرّاء اللاذقية عن أسفهم وحزنهم لنبأ إغلاق مكتبة "كردية". وكتب الشاعر السوري منذر مصري منشوراً قال فيه: "حزنت على إغلاق مكتبة كردية.. وكل أمنياتي بالتوفيق لصديقي وليد كردية، صديق كل كاتب وقارئ في مدينتنا المنكوبة.. علماً أنني من الذين توقفوا عن شراء الكتب بأنواعها بسبب غلائها أولاً، وبسبب أني شهدت على عديد من مكتبات أصدقائي المنزلية، توزيع بعض كتبها بالمجان والباقي لا يدرون ماذا يفعلون به، سوى جمعه في علب ووضعه قرب حاويات القمامة. صدقا حدث ذلك".
بينما قال الناقد والشاعر السوري زياد عبد الله: "خبر حزين نودع به هذه السنة، يوقظ الكثير من المشاعر والذكريات التي أحملها لهذه المكتبة منذ الطفولة وصوت أبي الوليد حتى وبعد رحيله يناديني (جعيدان) على اسم شخصية أحببتها في حكاية أتذكر أنها كانت تنسج خيوطاً من ذهب أو شيئا من هذا القبيل، وصولاً إلى صديقي الوليد كردية والجمال الذي صنعه في اللاذقية وسائر سوريا وقد أمست المكتبة أصغر مساحة إلا أنها مترامية الأثر والوقع. أثق بالوليد فهو كما جعيدان نسّاج... نسّاج معرفة وثقافة وهذا دأبه ومصيره الذي لن يفارقه. أحزن على مدينتي اللاذقية من دون مكتبة كردية، من دون أن تكون ماثلة في ذاك الزاروب الجميل وشباب وصبايا كثر يقصدونها كملاذ وحيد".
أما الكاتب جورج برشيني فكتب: "هذا الخبر محزن جداً مكتبة كردية تصنف ضمن مكتبات تعد على أصابع اليد الواحدة في سورية و تجد فيها كتباً قيمة وإصدارات جديدة ومميزة، إن الحرب في هذه البلد أكلت كل شيء ، لذلك نحزن..الثقافة هي أولوية للتطور الحضاري، لكن للأسف غالبية القراء لم يعد في جيوبهم ثمن كتاب".
مكتبة "كردية" على غرار مكتبات سوريا
وتُعتبر" مكتبة كردية" من أقدم المكتبات في اللاذقية وأعرقها، أسسها صاحبها يوسف كردية منذ عام 1950 ثم توارثها أبناؤه وأحفاده، عُرفت بعراقتها في مجال بيع كل أنواع الكتب الثقافية والأدبية والاجتماعية والسياسية في المدينة.
ولم تكن" كردية" أول مكتبة تعلن نهاية رحلتها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مناطق سيطرة النظام في سوريا، بل سبقتها مكتبات عريقة في دمشق مرتبطة بذاكرة السوريين، مثل مكتبة "ميسلون" التي تحولت إلى مركز "صرافة"، ودار ومكتبة "اليقظة العربية" التي أسست عام 1939 وتحولت إلى متجر للأحذية، ومكتبة "الذهبي" في الشعلان التي تحوّلت إلى محل لبيع الفلافل، ومكتبة "نوبل" العريقة.