تقترب إسرائيل ولبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى في التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما، بعد عامين من المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة، وسط تفاؤل الجانبين لإنهاء النزاع الحدودي للانطلاق في استثمارات الغاز البحري.
أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الأربعاء، أن الاتصالات لإنجاز ملف ترسيم الحدود الجنوبية البحرية مع إسرائيل "قطعت شوطاً متقدماً".
وقال عون في بيان أصدرته الرئاسة اللبنانية، إن الاتصالات قطعت شوطاً متقدماً حقق فيها لبنان ما يجعله قادراً على استثمار ثروته في مياهه الاقتصادية.
وأضاف الرئيس اللبناني، ثمة تفاصيل تقنية تتم دراستها لما فيها مصلحة لبنان وحقوقه وسيادته.
وأشار عون إلى أن إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية سيمكّن لبنان من إطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول المحددة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وأضاف، هذا الأمر سيعطي الاقتصاد اللبناني دفعة إيجابية لبدء الخروج من الأزمة التي يرزح تحتها منذ سنوات.
في المقابل، أبدت إسرائيل تفاؤلاً حذراً بالتوصل إلى اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، وفقاً لهيئة البث الإسرائيلية "كان 11".
في حين، لا تشير التوقعات إلى إنهاء النزاع الحدودي البحري قبل الانتخابات الإسرائيلية والانتخابات النصفية في واشنطن في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
ومن النقاط العالقة في ملف ترسيم الحدود منطقة بحرية متنازع عليها، هي حقل "قانا"، الذي تطالب به بيروت كاملاً.
والجمعة الماضية، قال مصدر رسمي لبناني إنه يمكن التوصل إلى اتفاق "خلال فترة قريبة جداً" إذا تم التفاهم على بعض حقل "قانا"، وفقاً لوكالة "الأناضول".
الجزء الشمالي من حقل "قانا" يقع في البقعة الجغرافية البحرية رقم 9، وضمن الخط 23 الذي يعتبره لبنان حدوده البحرية وفقا للخرائط المودعة لدى الأمم المتحدة، في حين يوجد الجزء الجنوبي ضمن الخط 29.
الأسبوع الماضي، أجرى الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين محادثات بين الجانبين متنقلاً بين لبنان وإسرائيل، وصفها بأنها أحرزت "تقدماً إيجابياً للغاية".
اتفاق من دون توقيع
كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نقلت عن مسؤول سياسي إسرائيلي، لم تذكر اسمه، الخميس الماضي، أن التسوية المطروحة حالياً هي صيغة اتفاق لا يتضمن توقيعات، أي اتفاق وليس اتفاقية لرسم الحدود البحرية المتنازع عليها.
وأوضح المسؤول الإسرائيلي، عدم وجود توقيعات لأن "حزب الله" لن يسمح للحكومة اللبنانية التوقيع على اتفاقية ثنائية مع إسرائيل.
ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، مطلع تشرين الثني/نوفمبر المقبل، ترتفع الأصوات في المعارضة بأن الحكومة الانتقالية لا تملك صلاحية التوقيع.
وتابع قوله، لذلك من المرجح أن تؤول القضية إلى تفاهمات واتفاقات، وعلى أعلى تقدير ستودع ورقة في أيدي الأمم المتحدة توضح بالتفصيل خط الحدود المتفق عليه.
ترسيم الحدود البحرية.. خط هوكشتاين
يكمن الخلاف بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية على منطقة متنازع عليها تبلغ 860 كيلومتراً مربعاً، وتعد غنية بالنفط والغاز الطبيعي.
تشكل المنطقة المتنازع عليها أقل من 2٪ بالنسبة لإسرائيل من إجمالي مياهها الاقتصادية في مياه المتوسط، و3% بالنسبة للبنانيين.
وفي 2018 بدأ البلدان في عمليات التنقيب من دون حل لقضية الحدود، وسط تهديدات من "حزب الله" التي تزايدت في أعقاب بدء تل أبيب بتشغيل حقل "كاريش" المتاخم للمنطقة المتنازع عليها.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2020، انخرطت بيروت وتل أبيب في مفاوضات غير مباشرة متقطعة حول المياه الغنية بالغاز التي يدعي كلاهما أنها تقع في منطقتهما الاقتصادية الخالصة.
وقدمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حلاً وسطاً من شأنه أن يخلق حدوداً اقتصادية بحرية على شكل حرف "S"، خط متعرج، بين البلدين.
ترسيم الحدود البحرية.. خط هوف
برزت أهمية ترسيم الحدود البحرية في مطلع العقد الماضي، في أعقاب الاكتشافات الأميركية لوجود كميات ضخمة من الغاز الطبيعي تحت مياه شرق البحر المتوسط.
ويحاول الموفد الأميركي تنشيط المسار، في حين يجري التفاوض على الموافقة على ما يعرف بالخط 23 والخط 29 لتقسيم المنطقة المتنازع عليها بحرياً.
الخط الحدودي 23، أو ما يعرف بخط "هوف" المطروح منذ 2012 ورفضه لبنان، يقدر المساحة المتنازع عليها بـ 860 كيلومتراً مربعاً.
والخط الحدودي 29، والذي يقدمه الجانب اللبناني يقدر المساحة المتنازع عليها بـ 2290 كيلومتراً مربعاً.
وفي عام 2012، قدمت الولايات المتحدة عبر موفدها آنذاك، فريدريك هوف، اقتراحاً لحل النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها، برسم خط عرف في ذلك الوقت بخط "هوف"، يعطي لبنان نحو 500 كم مربع، وإسرائيل نحو 360 كيلومتراً مربعاً من أصل كامل مساحة 860 كيلومتراً مربعاً.
وعلى الرغم من العداء المعلن بين البلدين فإنهما يسارعان إلى حل هذه القضية نظراً لزيادة الطلب على الطاقة عالمياً.
من جهة، لبنان يمر بحالة انهيار اقتصادي "غير مسبوقة"، في حين تسعى إسرائيل لتكون مصدراً إقليمياً للغاز والاستفادة من اكتشافات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط.