icon
التغطية الحية

إسرائيل في سوريا.. كيف أثرت تل أبيب وتأثرت بالحدث السوري؟ (1)

2020.12.06 | 04:22 دمشق

web_design.jpg
إسطنبول - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب انتهاء العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ومضي نحو تسع سنوات على الثورة السورية، المطالبة بالحرية وبناء دولة ديمقراطية، وما حملته هذه السنوات من تحولات دراماتيكية وتطورات الأحداث التي حولت سوريا إلى ساحة حرب وصراع داخلية وإقليمية ودولية، انخرطت فيها أطراف متعددة ذوات أهداف وأجندات متباينة ومتشابكة، أثرت فيها وتأثرت إلى درجة تحولت فيها الأرض السورية إلى نقطة ارتكاز لرسم واقع جيوسياسي جديد لدول الإقليم والقوى الدولية.

التأثير في الملف السوري والتأثر به لم يسلم منه المحيط الإقليمي عموماً، إلا أن إسرائيل هي الوحيدة تقريباً، بقيت بعيدة عن التأثر المباشر من تداعيات الزعزعة الأمنية التي اكتسحت المنطقة خلال العقد الحالي، وكأنها تعيش في جزيرة معزولة يفصلها مياه عن محيطها.

نحاول في هذه المادة الصحفية تتبع سياسة إسرائيل في التعامل مع الحدث السوري، وما هي طبيعة هذه السياسة وما طرأ عليها من تغييرات، ومحاربتها للوجود الإيراني في سوريا، مع استعراض لأهم الضربات الجوية التي تنفذها إسرائيل داخل الأراضي السورية، وتسليط الضوء على التغييرات الجيوسياسية التي شاركت إسرائيل في تشكليها انطلاقاً من الحدث السوري، وكيف يصور الإعلام العبري ما يحدث.. للوقوف على تفاصيل مدى التأثير الإسرائيلي على الملف السوري؟

 

قوات إسرائيلية في الجولان السوري المحتل (APF)

 

النأي بالنفس

اعتمدت تل أبيب منذ البداية سياسة النأي بالنفس عن الحرب السورية، ولكن الأمر لم يخل من بعض الهوامش التي اختارتها إسرائيل بنفسها للعب دور يتوافق مع مصالحها في الحفاظ على "أمنها القومي"، وتمثلت في جوهرها بمحاربة إيران على الأرض السورية، من دون الانخراط في أي نشاط سياسي أو عسكري فيما يخص الصراع السوري وثنائية النظام من جهة، والشعب الثائر ومن ثم لاحقاً المعارضة من جهة أخرى، على عكس معظم دول الإقليم والقوى الكبرى.

مع ذلك، لا يصح القول بأن إسرائيل كانت بموضع المتفرج، وإن لم تنخرط بشكل مباشر، فالجبهة الشمالية تمثل أهم مرتكزات الأمن القومي لتل أبيب، إضافة إلى تلازم المسارين الأميركي والإسرائيلي وأهمية أمن إسرائيل في السياسة الخارجية الأميركية، أمر يجعل إسرائيل في قلب الحدث السوري.

اختارت إسرائيل النأي بالنفس على الرغم من أنها كانت أمام فرصة للتخلص من بشار الأسد، باعتباره "نظام ممانعة"، واستغلال الاضطرابات في الشوارع السورية لتحقيق ذلك، لكنها فضلت عدم الانخراط.

هذا ما يشير إلى أن إسرائيل كانت أمام لحظة الحقيقة مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي، ما بين منظر الشباب المتظاهرين في شوارع دول عربية محيطة بها وقريبة منها ومعادية لها يطالبون بالحرية والخلاص من الاستبداد؛ ولكنه واقع جديد غير معروف النتائج يثير ريبتها - من جهة، وبين مساندة أنظمة عسكرية ترفع شعارات العداء لإسرائيل وتقمع شعوبها؛ إلا أنها أنظمة عرفت إسرائيل عبر عقود كيف تتعامل معها - من جهة أخرى.  

ويقول أستاذ تاريخ الشرق الأوسط ‏بجامعة تل أبيب البروفيسور إيتمار رابينوفيتش، في دراسة نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي، عندما اتضح حجم الانتفاضة ضد نظام الأسد، في ربيع عام 2011، كانت إسرائيل أمام خيارين رئيسيين: الأول هو التدخل في الانتفاضة من خلال مساعدة المعارضة المعتدلة وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان. والثاني هو التنحي جانباً والتأكد من حماية مصالح إسرائيل الحيوية. ويضيف الباحث الإسرائيلي، "كان إغراء مساعدة المعارضة والإطاحة بنظام الأسد كبيراً".

مع مرور الوقت، أصبحت المعالجة السياسة للثورة السورية أكثر تعقيداً، بعد عسكرتها وتصدر العناصر الإسلامية للمشهد، ما دفع نحو زيادة تدويل ما يحدث في سوريا، وبات يشار إليها بـ "الأزمة السورية"، وانخراط قوى إقليمية ودولية وتنظيمات عسكرية، متعددة ومتباينة الأهداف والأجندات بالأزمة.

في هذه المرحلة نشأ تلازم المسارين الإسرائيلي والأميركي حيال إيران وتدخلها العسكري العميق في الأراضي السورية، ليس بسبب وقوف الأخيرة لجانب نظام الأسد في قمع الثوار، وإنما لمنعها من التأسيس لموطئ قدم على حدود إسرائيل الشمالية، أي أن الموضوع مرتبط بالأمن القومي الإسرائيلي.

فيما عدا محاربة الوجود الإيراني في سوريا، لم تنخرط إسرائيل سياساً في الملف السوري ولم تشارك في المسارات السياسية الدولية، التي رسمت ملامح الأزمة السورية، كمؤتمرات جنيف وأستانا وسوتشي وغيرها، كما لم تمر عليها أزمة اللاجئين التي أغرقت دول الجوار وأوروبا بأعباء اقتصادية واجتماعية وأمنية، باستثناء استضافة بعض الجرحى وتقديم بعض المساعدات الإنسانية لسكان الجنوب، بشكل محدود جداً، وذلك بهدف الاستغلال الإعلامي لتبيض صورتها إنسانياً، وإتاحة الفرصة لنتنياهو لالتقاط الصور مع الجرحى ومادة إعلانية لأفيخاي أدرعي الإسرائيلي النشط على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما على الصعيد العسكري، فقد تجنبت تل أبيب الانخراط في الاقتتال بسوريا، وحتى الضربات الجوية التي تنفذها داخل الأراضي السورية، والتي ازدادت وتيرة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، هدفها ضرب الوجود الإيراني، وإن طالت هذه الضربات أهداف لقوات الأسد، لم يكن الهدف منها إضعاف الأسد لصالح المعارضة، وإنما رسائل تدعوه للتخلي عن طهران.

خطوط إسرائيل الحمراء

توضيحاً لما سبق، فضلت إسرائيل تجنب التورط المباشر في القتال في سوريا، ولكنها رسمت خطوطاً حمراء، منذ البداية وهي ثلاثة، حددت فيها الشروط والمواقف التي ستضطرها للتدخل في حال حدوث:

أولاً - إطلاق النار أو ضرب إسرائيل ومرتفعات الجولان من داخل الأراضي السورية.

الثاني - منع نقل أنظمة الأسلحة المتطورة إلى حزب الله اللبناني.

والثالث - منع سقوط أسلحة الدمار الشامل (كيماوية أو بيولوجية) في أيدي "الإرهابيين".

ومع تعرجات مسار الحدث السوري وما لحقه من تعقيدات وتطورات في السنوات اللاحقة، بما في ذلك صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" والتهديد المتوقع منه، والدخول المكثف لإيران وحزب الله في القتال والتدخل العسكري الروسي في عام 2015.

بدأت إسرائيل بزيادة نشاطها وتحركاتها لمنع إيران والميليشيات الموالية لها من الاقتراب من حددوها، عبر زيادة ضرباتها الجوية لأهداف إيرانية في سوريا، كما طورت آلية "منع التصادم" مع الروس في الأجواء السورية، إضافة إلى محاولات استمالة المنطقة الجنوبية السورية عسكرياً وإغاثياً لمنع الاقتراب الإيراني من حدودها.

 

وباتت استراتيجية تل أبيب الأهم في سوريا هي منع التموضع الإيراني، وتمثل إسرائيل رأس الحربة في محاربة إيران سياسياً وعسكرياً عبر تشكيل محور إقليمي ودولي، بدأت ملامحه بالظهور في الآونة الأخيرة.

محاربة الوجود الإيراني

بعد انتصار الأسد النسبي على المعارضة بمساعدة روسيا وإيران في كانون الأول/ ديسمبر 2016 (نهاية معركة حلب)، وجهود النظام لاستعادة قبضته على جميع الأراضي السورية، واجهت إسرائيل واقعاً جديداً يتمثل بوجود الجيش السوري وحزب الله وميليشيات شيعية أخرى موالية لإيران بالقرب من حدودها.

إسرائيل أبدت استعدادها وموافقتها، بعد التدخل العسكري لروسيا الذي قلب الكفة لصالح النظام (تشرين الأول/ أكتوبر 2015)، لعودة الوجود العسكري للنظام في منطقة الجولان والعودة إلى العلاقات معه وفقاً لما هو محدد في اتفاقيات "فض الاشتباك" الموقعة في 1974، ولكن ليس لوجود القوات الإيرانية أو حزب الله أو الميليشيات الشيعية بالقرب من الحدود.

جدير بالذكر أن الزخم الروسي في سوريا دفع واشنطن إلى دور ثانوي، وإنعاش دور إيران، يضاف إليه خيبة أمل إسرائيلية من إدارة أوباما التي أبرمت الاتفاق النووي مع طهران، وكانت خيبة أمل لدول الخليج أيضاً.

وسط هذه الأجواء، بدأت طهران وموسكو الحليفتان الرئيسيتان للأسد بالتأسيس لوضع دائم في سوريا، من خلال إنشاء قواعد عسكرية دائمة والاستحواذ على مقدرات الشعب السوري عبر استثمارات طويلة الأجل.

 

تعاظم الدور الإيراني شكّل مصدر قلق كبير لتل أبيب، فقد ازدادت شهية الإيرانيين للتمدد في سوريا، عسكرياً وسياسياً وثقافياً، وباتوا يعتبرونها المحافظة الـ 35 لإيران، لرسم طريق بري يربط طهران بالبحر المتوسط، وهو بمنزلة طريق إمداد يصل إلى جنوب لبنان معقل حزب الله اللبناني.

تخشى تل أبيب من أن تأسس الميليشيات الموالية لإيران لفتح جبهة شمالية أخرى ضد إسرائيل، ومن محاولات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس ربط الجنوب السوري مع الجنوب اللبناني، وإنشاء بنية تحتية استراتيجية موازية لتلك التي بنتها إيران في لبنان.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الجهود الإيرانية، في الثلاثة سنوات الأخيرة، اتجهت لوضع صواريخ دقيقة التوجيه في سوريا تصل إلى أهداف استراتيجية في عمق إسرائيل، ما دعا تل أبيب ‏لوضع بنك أهداف ‏واسع الانتشار داخل الأراضي السورية لضرب القواعد الإيرانية.

صفقة روسية - إسرائيلية.. نظام الأسد مقابل الوجود الإيراني
تعزيزات عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل، 10 من أيار/مايو 2018 (رويترز)

 

مع بداية عام 2018 بدأت ذروة التصعيد، فقد زادت تل أبيب من نشاطها العسكري ضد الأهداف الإيرانية، وشكل العاشر من شباط/ فبراير نقطة تحول في التصعيد الإسرائيلي، يومها أطلق الحرس الثوري طائرة مسيرة من داخل الأراضي السورية تجاه إسرائيل، وعلى الرغم من اعتراضها وإسقاطها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في سماء الجولان السوري المحتل من دون حدوث خسائر أو أضرار، ردت تل أبيب على الفور بإرسال أربع طائرات لشن عدة غارات على أهداف سورية وإيرانية أوقعت خسائر، ويذكر أن إحدى الطائرات المهاجمة أسقطت.

كادت تلك الحادثة أن تشعل حرباً حينها بين تل أبيب وطهران، ولكنها لم تحدث لعدم رغبة الطرفين بخوض مواجهة مباشرة، وإنما أفضت إلى تكثيف إسرائيل ضرباتها الجوية على أهداف إيرانية في عموم سوريا وليس فقط في منطقة الجنوب، بشكل متواتر ومنتظم، وتجاوز عدد الغارات المئات بحسب تصريحات نتنياهو.

في غضون ذلك، حافظت تل أبيب على تنسيق عالي المستوى مع موسكو، وفتحت غرفة عمليات مباشرة لتنسيق مع قاعدة حميميم "الروسية" ولمنع التصادم، وبالفعل امتنعت روسيا عن التدخل في الصراع العسكري الإسرائيلي الإيراني في سوريا.

وما بين الحياد الروسي والترحيب الأميركي في ظل الصداقة الحميمية التي جمعت ترامب ونتنياهو، خلقت إسرائيل لنفسها هامش حرية التحرك في الأجواء السورية المزدحمة لمواصلة تحقيق هدفها الاستراتيجي بطرد إيران.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية في أيار/مايو 2018 عن صفقة إسرائيلية روسية  تضمن بقاء الأسد مقابل طرد إيران، وهي عبارة عن تفاهمات وتنسيق بين موسكو وتل أبيب حول عودة سيطرة قوات النظام على الحدود مع إسرائيل، مقابل إبعاد إيران عن الجبهة الجنوبية السورية.

ولكن الأمور لم تجر دوما على ما يرام، ففي 18 أيلول/سبتمبر 2018 اتخذت السياسة الروسية منعطفاً مؤقتاً، عندما أسقط الدفاعات الجوية للنظام ‏طائرة عسكرية روسية عن طريق الخطأ وسوء تقدير فوق الساحل السوري، كانت تظنها طيرانا "إسرائيليا معاديا".

إسقاط الطائرة الروسية حدث بالتزامن مع فارق توقيت ضئيل بعد غارة إسرائيلية فوق اللاذقية، وردت روسيا بحدة على إسرائيل وألقت باللوم عليها في الحادثة. تلك الحادثة وتّرت العلاقة والتنسيق بين تل أبيب وموسكو إلى حد ما، وعلى إثرها تعطل النشاط العسكري ‏الإسرائيلي في سوريا جزئياً لعدة أشهر.

لكن سرعان ما تدارك الإسرائيليون حدوث أزمة مع بوتين عبر زيارات أمنية وسياسية قادها نتنياهو ووزير دفاعه، وقتذاك، أفيغدور ليبرمان إلى موسكو واستغلال التنافس والتوتر الذي يشوب الشراكة الروسية الإيرانية في سوريا.

وتوصلت الجهود الإسرائيلية إلى إعلان موسكو، في ذلك الوقت، طلب انسحاب "القوات الأجنبية" من سوريا، من دون تحديد من هي القوات التي يجب أن تنسحب، ولكن الأمر كان يمس القوات الإيرانية بالدرجة الأولى، وعلق حينها محلل الشؤون الأمنية والسياسية في صحيفة يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، على المطلب الروسي بأنه "لم يكن نابعاً من حب صهيون"، وإنما من إدراك فلاديمير بوتين أن وجود القوات الإيرانية وميليشياتها في سوريا سيعرقل جهوده، بعد انتهاء "الحرب الأهلية"، في فرض حل للصراع وبالتالي منعه من تحقيق مكاسبه الاقتصادية التي يريدها أو كما يريدها.

كانت تل أبيب تطمح بمشاركة فعالة من قبل الروس مع إسرائيل وأميركا في إخراج إيران من سوريا، ولكن مع مرور الوقت عادت موسكو إلى "حيادها السلبي" من وجهة نظر إسرائيلية، أي أن روسيا لم تشارك ولكنها لا تتدخل في نشاطات إسرائيل، طالما تحرص الأخيرة على عدم المساس بالمصالح الروسية أو بأهداف تابعة للأسد.

 

أهم الضربات الإسرائيلية

لم تقتصر الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية على ضرب الوجود الإيراني في سوريا، كما يحدث في السنوات الأخيرة، وإنما تمتد لتاريخ وقائمة طويلتين، فهي أمر اعتيادي حيث دأب سلاح الجو الإسرائيلي على تنفيذ غارات جوية، وأحيانا عمليات اغتيال داخل العمق السوري قبل اندلاع أحداث الثورة السورية في 2011.

قبل 2011 وبعده كانت الضربات الجوية الإسرائيلية والغارات والاستفزازات ضد نظام الأسد أمراً اعتيادياً ومألوفاً، ويمر من دون عقاب أو رد من قبل نظام الأسد، الذي كان يقتصر رد فعله، ولا يزال، على تصريح رسمي شهير "سنرد بالوقت والزمان المناسبين"، تصريح بات محط سخرية من عموم السوريين ومن منتقدي الأسد و"نظام الممانعة".

وهدف إسرائيل من الضربات هو لمنع الأسد من امتلاك الأسلحة النووية أو الكيميائية، ولوقف دعمه لحزب الله اللبناني وحركة حماس، واستمرت الضربات على هذه الوتيرة والهدف بعد الثورة أيضاً، إلا أنها تصاعدت وازدادت كثافة في السنوات الثلاث الأخيرة، بشكل شبه أسبوعي وأحيانا أكثر من مرة في الأسبوع، لطرد إيران من سوريا من منطلق "الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي"، بعد تمدد قوات الحرس الثوري والميليشيات الموالية لإيران على طول البلاد في سوريا لاسيما في المنطقة الجنوبية.

ويشكل التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في بداية عام 2018 نقطة تحول بارزة ومفصلية في الضربات الإسرائيلية عما كانت عليه في السابق، وتشير الوقائع أنه لم يكن مجرد تصعيد وإنما أشبه بحرب بين إسرائيل وإيران، وإن لم تكن وجهاً لوجه.

في هذا التصعيد، الذي لا يزال مستمراً، حشدت تل أبيب كل أدواتها على كافة الأصعدة عسكريا ودبلوماسيا وسياسياً، وإقليمياً ودولياً، لمحاربة إيران في الأرض السورية وفي بعض الأحيان ذهبت إلى داخل العمق الإيراني، كعملية حصول الموساد على أرشيف الوثائق النووية الإيراني عبر عملية إنزال جنوب طهران.

الضربات الإسرائيلية هي رسائل نارية تود تل أبيب إيصالها للأسد وإيران على أرض الميدان مباشرة، تعتمد تكتيك الضربات الجوية الخاطفة، كانت متقطعة في السابق وتحولت إلى شبه متواترة في السنوات الأخيرة.

كما لم تستثن الضربات الإسرائيلية بعد 2018 مواقعاً عسكرية تابعة للأسد، على الرغم من تركيزها على الأهداف الإيرانية، ووجه الإسرائيليون رسائل عديدة غير مباشرة عبر موسكو تدعوه للتخلي عن إيران.

قليل ما كانت ترد إيران أو الأسد على الغارات الإسرائيلية، سوى محاولات إيرانية محدودة النطاق عبر تحريك حزب الله اللبناني لجبهة جنوب لبنان، أما نظام الأسد تكتفي وكالة أبنائه الرسمية "سانا" بالإعلان عن حدوث اعتداءات إسرائيلية وتبدأ أخبارها بـ"كليشه"، "دفاعاتنا الجوية تصدت لطيران معادي...".

ونادراً ما تعلن إسرائيل عن تنفيذها هذه الضربات أو تتبناها، ولا تسمح بالنشر عنها، ولكنها لا تنفي التقارير الإعلامية التي تنسب إليها هذه الضربات، ويعود السبب في ذلك لخلق حالة من الإرباك وإبقاء الأمور غير واضحة، ولكن مع بدء التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق منذ 2018 ضد الوجود الإيراني في سوريا تركت إسرائيل سياسة التكتم، وبات الترويج الإعلامي وأحيانا الاستعراض الهوليودية من قبل نتنياهو لنتائج هذه العمليات عبر وسائل الإعلام وفي أروقة الأمم المتحدة، من أدوات محاربة إيران والتحشيد ضدها.

ففي 13 كانون الثاني/ يناير 2019، نقلت يديعوت أحرونوت تصريح لنتنياهو يعترف به أن الجيش الإسرائيلي هاجم مخازن أسلحة إيرانية في دمشق، وأن عدد الهجمات بلغ المئات، ووصفت الصحيفة تصريحات بأنها "غير اعتيادية".

فما هي أبرز الضربات والعمليات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية قبل 2011:

-2003 التحليق فوق قصر بشار الأسد وقصف "عين الصاحب".

في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2003 حلقت طائرات إسرائيلية فوق قصر بشار الأسد، بينما كانت طائرات أخرى تقصف موقع "عين الصاحب" مستهدفة مركز تدريب فلسطيني.

-2006 التحليق فوق قصر بشار الأسد في اللاذقية (المقر الصيفي).

في حزيران/يونيو 2006 حلقت أربع طائرات إسرائيلية فوق قصر بشار الأسد القريب من مدينة اللاذقية، ويعتبر بمنزلة المقر الصيفي، هذه العملية جاءت رداً على أسر حركة حماس للجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في قطاع غزة.

-2007 تدمير منشأة الكُبر "النووية" في ريف دير الزور.

في 6 أيلول/ سبتمبر 2007 نفذت ثماني طائرات إسرائيلية من طراز F-15 وF-16 ضربة جوية استهدفت منشأة "الكُبر" شرقي دير الزور، يشتبه بأنها "مفاعل نووي".

وجدير بالذكر أن إسرائيل لم تعترف بالضربة إلا في ربيع 2018، وإعلان مسؤوليتها عن ضرب المنشأة على غير عادتها في التكتم، وتوقيت الإعلان المتأخر له دلالات أرادت إسرائيل من خلالها إيصال رسائل للأسد وإيران ونوع من استعراض القوة.

-2008 اغتيال عماد مغنية والعميد محمد سليمان.

في الأول من أب/أغسطس 2008 نفذت قوة من الكوموندوس التابعة للبحرية الإسرائيلية عملية اغتيال العميد محمد سليمان قرب طرطوس، بأربع أعيرة نارية أطلقها القناصة الإسرائيليون من البحر أصابت رقبة سليمان ورأسه وهو على طاولة العشاء في منزله.

حاول النظام التكتم على عملية الاغتيال كما ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها، ولكن في عام 2015 كشف تقرير استخباري أميركي مسرب هذه التفاصيل، وتعتبر أول عملية اغتيال من نوعها تستهدف فيها إسرائيل مسؤولاً حكومياً سورياً.

ويوصف العميد محمد سليمان بـ "الصندوق الأسود" لبشار الأسد وهو مسؤول عن ملفات شديدة الحساسية بما يخص التسليح لدى النظام، وهو شخصية غير مشهورة لدى عموم السوريين.

ولم يكن اغتيال سليمان العملية الوحيدة التي نفذتها إسرائيل في 2008 داخل الأراضي السورية، فقد سبقتها عملية اغتيال عماد مغنية من أبرز قيادي حزب الله اللبناني في حي كفرسوسة القريب من المربع الأمني وسط دمشق، نفذها الموساد الإسرائيلي في 12 شباط/فبراير 2008.

أما الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية بعد عام 2011 كانت:

-في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر2012 إسرائيل تطلق نيران مدفعية باتجاه سوريا رداً على سقوط قذيفة على الجولان المحتل، وذلك بعد يوم من إطلاقها "أعيرة تحذيرية" على قذيفة مماثلة في أول قصف من نوعه منذ 1974.

-أما أول هجوم إسرائيلي في سوريا بعد الثورة فيعود تاريخه إلى 30 كانون الثاني/ ينار 2013، استهدف مركز الأبحاث الأسلحة الجرثومية والكيميائية في موقع جمرايا خلف جبل قاسيون بدمشق. وفي أيار/ مايو من العام ذاته استهدفت غارة إسرائيلية مجدداً ذات الموقع، وأسفر الهجوم عن مقتل 42 عنصراً من قوات الأسد.

وبعدها شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية داخل الأراضي السورية مستهدفة شحنات أسلحة لحزب الله وأهدافاً إيرانية، من أبرزها غارة قتلت القيادي في حزب الله سمير القنطار، الأسير السابق لدى إسرائيل، في 19 كانون الأول/ديسمبر 2015 بدمشق.

وبعد 2018 أخذت الضربات الإسرائيلية منحى يشبه الحرب لطرد إيران، بعد حادثة إطلاق الحرس الثوري طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، المشار إليها سابقاً.

ومن أبرز المواقع التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية، هي مطار دمشق الدولي ومطار المزة العسكري في دمشق، ومطار التيفور شرقي حمص، ومواقع متعددة على امتداد الأرض السورية في حلب والساحل وتدمر والمنطقة الجنوبية.