يشهد واقع التيار الكهربائي في مدينة جرمانا تدهوراً كبيراً، مقارنةً بما كان عليه سابقاً، حيث كانت المدينة تنعم بالكهرباء طوال الليل مع تقنين منتظم خلال النهار، وبات الوضع فيها أسوأ من أي مكانٍ في عموم مناطق دمشق وريفها، التي دخل إليها سوق "الأمبيرات".
ويؤكّد سكّان جرمانا، أنه منذ رفض مجلس المدينة دخول الأمبيرات، شهر نيسان الماضي، تدهورت حالة التيار الكهربائي بشكل كبير، ما زاد أيضاً من أزمة المياه في المدينة، مشيرين إلى أنّ الكهرباء تصل ساعة واحدة كل ست ساعات، وهذه الساعة غير مستقرة وتتخلّلها عدة مرات من الانقطاع والوصل.
ويقول سكّان من مدينة جرمانا، التقى بهم موقع تلفزيون سوريا، إنّ وصل الكهرباء لا يتوافق مع موعد وصل المياه، ما يجبرهم على شراء المياه عبر الصهاريج بكلف مرتفعة جداً، مطالبين بضرورة إيجاد حلول سريعة، خاصّةً مع دخول فصل الصيف.
مواقف رسمية متناقضة
ينقسم الشارع في مدينة جرمانا بين مؤيد ومعارض للأمبيرات، حيث يرى المؤيدون أنها الحل الوحيد المتاح في ظل تخلّي حكومة النظام عن قطاع الكهرباء، وأنها ستخفّف الضغط عن الشبكة الكهربائية، بينما يرى المعارضون بترخيصها، انسحاب الحكومة من ملف الكهرباء، وترك المدينة عرضةً لابتزاز تجّار الأمبيرات وأسعارها المرتفعة، بالإضافة إلى مشكلات التلوث والضجيج.
وبين القبول والرفض، يعيش "مجلس مدينة جرمانا" صراعات خفية حول الملف، فرئيس المجلس كفاح الشيباني، الذي قبل في أيار من العام الفائت، دخول الأمبيرات للمدينة، عاد ليرفضها هذا العام، مقدّماً مبررات متناقضة.
في أيار من العام الفائت، أعلن "مجلس مدينة جرمانا" موافقته على منح رخص إشغال أملاك عامة لوضع مراكز توليد كهرباء خاصة (أمبيرات) ضمن أحياء وشوارع المدينة.
ونقلت صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام السوري، عن "الشيباني"، حينذاك، إنّه شكّل لجنة لشروط تراخيص الأمبيرات، بهدف تخفيف الحمولات عن شبكة الكهرباء في المدينة وتنظيم آلية واضحة لتأمين مختلف احتياجات المواطنين من الطاقة الكهربائية ضمن الظروف الحالية.
لكن في نيسان هذا العام، أعلن "الشيباني" أن "المجلس اتخذ قراراً بعدم قبول ترخيص الأمبيرات في المدينة رأفةً بالسكان، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة"، مشيراً إلى أن المجلس قد يوافق على ذلك فقط للفعاليات التجارية، مبرراً رفضه بعدم وجود مساحات كافية في جرمانا لوضع الأمبيرات إلا في الحدائق وبين المنازل، مما سيجعلها مصدر إزعاج وتلوث.
صراع بين متنفذين
رغم تشديد "الشيباني" على رفضه دخول الأمبيرات إلى مدينة جرمانا، بدأت الخدمة بالدخول فعلياً ومن دون ترخيص رسمي، حيث وُضعت عدّادات الاشتراكات في عددٍ من أحياء جرمانا وحملت إعلانات لمِن يودّ الاشتراك بالخدمة، ما يشير إلى تحدِّ وفرض من قبل متعهدي الأمبيرات.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنّ ما يحدث هو نتيجة رفض "مجلس مدينة جرمانا" للهيمنة التي يحاول فرضها مستثمرون مرتبطون بأجهزة أمنية أو حكومية، إذ يريد هؤلاء التحكّم بملف الأمبيرات بعيداً عن أي رقابة وبأسعار يحدّدونها هم.
وتتعقّد القضية، في ظل زيادة عدد سكّان جرمانا إلى أكثر من 2.5 مليون، ما يزيد من الضغط عليهم عبر التقنين الجائر، بهدف تأجيجهم للمطالبة بتشريع الأمبيرات، حيث تفيد المصادر بأنّ الخدمة دخلت بالفعل إلى بعض الأحياء ومن دون ترخيص رسمي، وذلك عبر أحد الأطراف المتصارعة.
إرث "أبو علي خضر"
في شباط الماضي، نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن أحد أصحاب الأمبيرات في دمشق، أنّ المشكلة في جرمانا هي صراع ونزاع بين مستثمرين، معظمهم من ضباط "الفرقة الرابعة" في قوات النظام، وكبار المسؤولين في "الدولة".
وبحسب المتحدّث، فإنّ أساس الصراع هو إرث "أبو علي خضر"، الذي يملك أسطولاً من المولدات للطاقة الكهربائية في سوريا، وذلك منذ أن استحوذ على عقد مع وزارة "الإدارة المحلية" في حكومة النظام، عام 2020، لتأجير الأمبيرات في دمشق وريفها.
ورغم نفي رئيس "مجلس مدينة جرمانا" كفاح الشيباني، أي صراع حول ملف الأمبيرات، إلا أن عودة نقاشها على الساحة تشير إلى ضغوط متزايدة على المجلس، لإعادة النظر بقراره السابق بمنعها.
والأسبوع الفائت، نشرت صفحة "شبكة أخبار جرمانا" على "فيس بوك"، تقريراً عن عودة دراسة إمكانية السماح بدخول الأمبيرات إلى جرمانا، وذلك بعد رصد تركيب علب في بعض شوارع وحارات المدينة، للاشتراك بالخدمة من دون ترخيص.
بحسب مصادر "شبكة أخبار جرمانا" أو ربما يكون "الشيباني" نفسه، فإنّه لم يصدر أي موافقة رسمية بعد لبيع الأمبيرات، لكن يبدو هذه المرة، أنّه "لم يتم إغلاق الباب بشكل نهائي أمام عودة الأمبيرات، مع الإشارة إلى إعادة طرح القضية في اجتماع لاحق لمجلس المدينة".
وفي حال وافق "مجلس جرمانا" رسمياً على قبوله ببيع الأمبيرات للسكّان، قد يحتاج "الشيباني" -وفق المصادر- إلى سوق مبرّرات جديدة حول هذا القبول، مع تأكيد المصادر بأنّ الخدمة أساساً بدأت تدخل المدينة، سواء وافق المجلس أم لم يوافق.