تستعد إدارة ترامب لتصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن الذين تدعمهم إيران على أنهم يمثلون تنظيماً إرهابياً وذلك قبل مغادرتها للسلطة في شهر كانون الثاني المقبل، مما قد يغذي المخاوف بأن هذا التحرك قد يعطل الجهود الإغاثية الدولية ويعكس مسار الجهود التي تبذل من أجل السلام بوساطة الأمم المتحدة بين الحراك الشيعي والحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية، بحسب ما أوردته العديد من المصادر الدبلوماسية.
وقد حاولت الوكالات الإغاثية الأممية والدولية أن تثني إدارة ترامب عن تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي أجنبي، إلا أن القرار الوشيك قد يحقق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نصراً جديداً في استراتيجيته المعادية لإيران في الوقت الذي يقوم فيه بزيارة لكل من إسرائيل والسعودية والإمارات خلال هذا الأسبوع. هذا وسبق للرياض التي دخلت في حرب مع الحوثيين قبل خمس سنوات، أن صنفت الحوثيين كتنظيم إرهابي، وظلت تحث واشنطن على أن تحذو حذوها.
وحول ذلك يعلق مصدر دبلوماسي فيقول: "لقد فكروا بذلك ملياً وقلبوا الأمر من جوانبه طيلة فترة من الزمن، إلا أن بومبيو يريد أن يمضي بسرعة في هذا الأمر، وهذا جزء من سياسة الأرض المحروقة التي سيقطف البيت الأبيض حصرمها".
إذ خلال الأسابيع الماضية، قام المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفثس، بالضغط على الولايات المتحدة للعدول عن هذه الفكرة كما توسل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس للتدخل والتوسط مع بومبيو، بحسب ما أوردته مصادر دبلوماسية. وهكذا حث غوتيرس خلال الشهر الماضي المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت على إعادة النظر في الخطط التي تسعى لإدراج الحوثيين على لائحة التنظيمات الإرهابية. كما ضغطت كل من ألمانيا والسويد على الولايات المتحدة لترجع عن ذلك القرار، إلا أن تلك المساعي قد تعثرت كما هو واضح، ولهذا بدأت الولايات المتحدة بتجهيز الأساس المناسب للقرار الأميركي الذي يقضي بإدراج الحوثيين ضمن القائمة السوداء.
وقد ورد بأن وزارة الدفاع الأميركية والخبراء المحترفين في وزارة الخارجية عارضوا هذه الخطوة، وفي الوقت ذاته تقوم مجموعة تضم منظمات خيرية دولية بإعداد بيان مشترك مع توقعها لذلك التصنيف، حيث تعقد مقارنة بين الآثار المحتملة التي تمثلت بوقوع مجاعة كتلك التي حدثت في الصومال عقب تصنيف الولايات المتحدة لحركة الشباب على أنها تنظيم إرهابي في عام 2008.
ويرى جورج جونسون وهو عضو غير مقيم في معهد بروكينغ بأن: "هذا خطأ، لأنه عبارة عن تحرك محموم وتحريضي من قبل وزير الخارجية مايك بومبيو وإدارة ترامب ولابد لهذا الإجراء أن يحاصر الرئيس الجديد عندما يريد اتخاذ نهج جديد بالنسبة للحرب في اليمن، وقطع دعم الولايات المتحدة عن الحرب السعودية".
هذا ولقد حاول الدبلوماسيون الذين عارضوا هذه الحركة أن يثنوا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وهو حليف قوي للرئيس الأميركي دونالد ترامب كونه ترأس لجنة الشؤون الخارجية التابعة للجنة الاعتمادات في الكونغرس، وذلك ليعبر عن معارضته هو الآخر لهذا التصنيف. كما أن الديمقراطيين في الكونغرس الذين طالبوا إدارة ترامب منذ فترة طويلة بمحاسبة المملكة العربية السعودية بسبب الدور الذي لعبته في تلك الحرب عبروا عن قلقهم إزاء ذلك التصنيف الذي يمكن أن يقوض محادثات السلام الهشة في تلك الدولة التي مزقتها الحرب.
أما السيناتور كريس مورفي وهو عضو ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية التابعة للجنة الشيوخ، فقد ذكر بأن أي تصنيف من هذا القبيل لابد وأن يمثل "محاولة مكشوفة من قبل إدارة ترامب لمحاصرة وإعاقة أية مفاوضات للسلام مستقبلاً".
وأضاف مورفي: "أن الحوثيين ومن يدعمهم مالياً قد خضعوا بالأصل للعقوبات الأميركية، لذا فإن الأثر العملي لهذا التصنيف لابد وأن يعمل وبصورة حصرية على إعاقة عملية التفاوض مع قادة الحوثيين كما قد يؤثر على عمليات تسليم المواد الإغاثية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والتي يقيم فيها غالبية الشعب اليمني. لا شك أن الحوثيين قادوا حملة عسكرية بربرية أدت إلى تجويع وحبس وقتل الكثير من المدنيين، إلا أنه في حال قررت الحكومة الأميركية تصنيف الفاعلين الدوليين الذين تسببوا عن قصد بالإضرار بالمدنيين في اليمن، عندها لابد وأن يأتي التحالف الذي تترأسه السعودية على رأس تلك القائمة".
وتبدو هذه الخطوة جزءاً من عملية أوسع يقودها البيت الأبيض وبومبيو بغرض زيادة الضغوطات على إيران وحلفائها في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة للإدارة في السلطة، ومن المحتمل لهذا التطور أن يعقد مسار الجهود التي سيقوم بها الرئيس المنتخب جو بايدن وذلك في سياق العودة إلى مسار الحوار مع إيران بشأن برنامجها النووي. إذ خلال حملته الانتخابية، تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية التي قامت إدارة أوباما بالتفاوض بشأنها في عام 2015 غير أن ترامب انسحب منها قبل عامين.
إذ إن إدارة ترامب التي تعمل بالتنسيق مع إسرائيل وعدد من دول الخليج ميالة إلى فرض الكثير من العقوبات الجديدة على إيران وداعميها قبل تنصيب بايدن رئيساً للبلاد في 20 من كانون الثاني، بحسب ما ورد في تقرير صادر عن آكسيوس، إذ أعلنت تلك المنظمة الدولية التي تقوم بإدارة الأزمات بأن: "هذه الحركة يتم رسمها بموجب مداولات داخلية بهدف توسيع حملة الضغوطات القصوى التي أطلقتها إدارة ترامب ضد طهران. فيما يرى آخرون بأن نقاشات حول التصنيف قد انطلقت بفعل طلبات مباشرة من قبل السعودية والإمارات ودولتين خليجيتين تتصدران التحالف الذي تدخل ضد الحوثيين".
كما ذكر مسؤولون آخرون وغيرهم من المطلعين على هذا الموضوع بأنه بوسع إدارة ترامب تصنيف القيادة الحوثية ضمن تصنيف خاص مخصص للإرهابيين العالميين، بدلاً من تصنيف كامل الحركة على أنها تنظيم إرهابي أجنبي. فمن بين تلك الخيارات ضمن تلك السياسة، اعتبر التصنيف الأوسع للإرهاب على أنه متشدد، كونه لا يشتمل على فرض عقوبات على شخصيات ضمن هذا التنظيم فحسب، بل أيضاً يمكن أن يخضع بموجبه أي شخص يقوم بدعم هذه المجموعة لعقوبات جنائية، وهذا بحد ذاته قد يتحول إلى عنصر بالغ التعقيد بالنسبة للمنظمات الإنسانية التي تحاول أن تقدم المساعدة للمدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
بيد أن الولايات المتحدة عبرت عن ذعرها وخوفها تجاه اعتماد الحوثيين على إيران بشكل متزايد، بما أن إيران تقوم بتزويد هذه الحركة بالصواريخ والطائرات المسيرة وبالتدريب أيضاً، ما سمح لتلك المجموعة باستهداف المطارات وغيرها من البنى التحتية الحساسة. ولهذا تأتي الخطوة الساعية لتصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي بعد مرور عام على تصنيف إدارة ترامب للحرس الثوري الإسلامي في إيران كمنظمة إرهابية أجنبية.
هذا وقد مرت السياسة الأميركية تجاه اليمن خلال فترة إدارة ترامب عبر مصفاة مثلتها حملة الضغوطات القصوى على إيران، إذ لم تفكر تلك الإدارة إلا قليلاً بما قد ينجم عن ذلك من ضرر بالنسبة لاستقرار اليمن، وذلك بحسب رأي دبلوماسيين وغيرهم من المسؤولين.
فقد تعرض بومبيو لانتقادات حادة من قبل النواب وذلك لاستعجاله في صفقات بيع السلاح للإمارات وفي تجاوزه للكونغرس والالتفاف عليه عبر التصريح عن ذلك بشكل مفاجئ خلال السنة الماضية ليتحول ذلك إلى مصدر للتحقيقات التي تجريها الرقابة الداخلية في وزارة الخارجية.
هذا ومايزال التوتر حيال طريقة معالجة السياسة تجاه اليمن يطبخ على نار هادئة في الإدارة الأميركية، بحسب ما أوردته بعض الشخصيات المطلعة على الموضوع، وذلك بوجود بعض الخبراء في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية ممن عارضوا هذا القرار بشدة والذي يقضي بتصنيف حركة الحوثيين على أنها تنظيم إرهابي أجنبي.
إذ يرى أحد الخبراء في الشؤون الإنسانية في اليمن رفض الكشف عن اسمه بأن: "المؤسف في الموضوع هو ذلك الشق السياسي وتلك الرسالة التي ترسلها إدارة ترامب، إلا أنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب اليمني، لذا سيكون من الصعب التراجع عن هذا الأمر أعني هذا الإجراء عندما تتولى إدارة بايدن السلطة والتي ستكتشف أن الكثير من الخراب قد حل قبل وصولها. ثم إننا لا نقوم بمناقشة المداولات التي تتصل بتلك التصنيفات أو غيرها من التصنيفات المحتملة بصورة علنية".
المصدر: فورين بوليسي