مر عقد من الزمان تقريباً على قيام الشعب السوري ضد بشار الأسد ومطالبته بالحرية. وفي الوقت الذي أبدى فيه العالم تردده تجاه دعم المتظاهرين، تدخلت القوى الشريرة لتقف في صف الأسد، ما خلق كارثة كبيرة دمرت سوريا، ووصلت موجاتها الارتدادية إلى مختلف بقاع العالم. إذ تشرد نصف الشعب أي ما يقارب من 13 مليون نسمة، وهرب أكثر من ربعه خارج البلاد. كما تم تدمير أكثر من 50% من البنية التحتية الحساسة وأكثر من 80% من الشعب أصبح يعيش تحت خط الفقر، كما أصبح جيل كامل من السوريين لم يسمع عن الحرب قط يعيش في خيام متداعية، ضمن مخيمات ذات ظروف معيشية سيئة. إلا أنه مايزال بوسعنا معالجة الأزمة بطريقة واضحة ومجدية وذلك عن طريق أهم عنصر فعال على الساحة الدولية، ألا وهو الولايات المتحدة الأميركية.
اقرأ أيضا: مهندس معركة الرقة.. ماذا تعرف عن مرشح بايدن لوزارة الدفاع؟
فقد بذلت كل من إدارتي أوباما وترامب ما بوسعهما لوضع استراتيجيات متماسكة تجاه سوريا، ولهذا أصبح أمام الإدارة القادمة فرصة لتصحيح أخطاء الماضي، ولوضع سوريا على طريق التعافي. فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على خوض ذلك التحدي، وفي حال اختار الرئيس المنتخب بايدن أن يفعل ذلك، بل يتعين عليه أن القيام بذلك، عندها لابد وأن يحصد نتائج مذهلة. إذ عبر الدفع نحو مرحلة انتقالية سياسية في سوريا، يمكن للولايات المتحدة أن تعود لارتداء عباءة القيادة المبدئية للعالم، كما يمكنها أن تستعيد ثقة الآخرين بها على المستوى الإقليمي، لتقوم مرة أخرى بفرض القوانين والأعراف الدولية التي داس عليها فاعلون آخرون مثل روسيا وسوريا بفضل إفلاتهم من العقاب، وهذا الهدف الأخير يتمتع بأهمية كبيرة على المستوى الدولي نظراً لعجز مجلس الأمن عن مواجهة الانتهاكات المريعة التي وقعت في سوريا على مدار عقد من الزمان، والتي تجرأت بسببها جهات فاعلة شنيعة من مختلف بقاع العالم على القيام بشيء مماثل، وبذلك خسرت المؤسسات الدولية ثقة العالم بها. إن النظام العالمي الذي ساهمت الولايات المتحدة بإقامته ورسم ملامحه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي نتجت عنه أطول فترة ساد فيها السلام في التاريخ المعاصر، هذا النظام بات يواجه اليوم تحديات لم يسبق لها مثيل. ولهذا صرنا بحاجة ماسة إلى دعم هذا النظام حتى يتمكن من التصدي لموجة الاستبداد الصاعدة في مختلف أنحاء العالم، وسوريا تعتبر خير مكان للقيام بذلك.
اقرأ أيضا: آراء دائرة بايدن "الضيقة" بالملف السوري
ولهذا يجب أن يكون الهدف الأساسي لإدارة بايدن في سوريا هو القيام بانتقال سياسي حقيقي تماماً كما رسمه بيان جنيف والقرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في عام 2015. إذ لن ينتهي النزاع طالما بقي الأسد في السلطة، بل إن هذا النزاع سيتطور، وسيفقد ملايين اللاجئين الأمل بالعودة إلى ديارهم بسلام. وفي الوقت الذي يمثل فيه الهدف الذي يقضي بإطلاق عملية انتقال سياسي وكثير من الخطوات اللازمة لبلوغ تلك الغاية عبئاً ثقيلاً، نجد بأن إدارة بايدن تتمتع بمزايا عديدة تفوق ما كان لدى الإدارتين السابقتين قبلها، ومنها أن الأسد تسبب بخلق حالة من الانهيار المالي بعد سنوات من سوء إدارة الاقتصاد وإهمال البلاد والالتفات إلى تمويل الجيش، وهذا الوضع أدى إلى ظهور اضطراب وتململ ضمن القاعدة السياسية للنظام بل حتى ضمن عائلة الأسد نفسها. وهنالك ميزة أخرى مهمة وهي أنه عندما يتولى الرئيس بايدن السلطة، ستكون الولايات المتحدة قد أكملت عشر سنوات من الخبرة المؤسساتية في سوريا بحيث يمكنها أن تعتمد عليها في أي شيء تقوم به مستقبلاً. إلا أن ذلك لن يتحقق ما لم تقم أميركا بمحاسبة نفسها بصدق على أخطاء الماضي في سوريا والتعلم منها. وإليكم أهم ثلاثة دروس يجب على إدارة بايدن أن تضعها نصب عينيها:
- النفوذ مهم وحساس: لقد قام النظام ومن يدعمه بخرق كل الاتفاقيات ذات الأطراف المتعددة التي وقع عليها، وبعد سنوات من محادثات قامت على نوايا سيئة، تبين بأنه لابد للولايات المتحدة أن تخوض مفاوضات في المستقبل ولكن بوجود ما يكفي من النفوذ لدفع الأسد وروسيا وإيران على أخذ تلك المفاوضات على محمل الجد. وهذا يعني إبقاء القوات الخاصة الأميركية في شمال شرقي سوريا، ومواصلة دعم المعارضة السورية، والتعاون عن قرب مع تركيا في دعم اتفاق وقف إطلاق النار الهش في إدلب، إلى جانب مواصلة حملة الضغوطات السياسية والاقتصادية بالتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة.
- أعمال الردع: لكي تصبح الدبلوماسية الأميركية فعالة في سوريا يجب أن يدعمها استخدام القوة بشكل معقول. ففي بداية الأمر ارتأى بعض المسؤولين الأميركيين بأن أي ضربة موجهة للأسد ستتحول إلى صراع أكبر وأوسع، بيد أن هذا النفور من ذلك الخطر أعاق إدارة أوباما ومنعها من اتخاذ أي قرارات بهذا الشأن، ما نجم عنه ذلك الفشل الذريع في رسم حدود الخط الأحمر الذي حدده الرئيس أوباما بالنسبة لاستخدام الأسلحة الكيماوية. ولهذا عندما نسترجع الأحداث يتبين لنا بأن ما حدث كان خطأ، لأنه مع زوال خطر الانتقام الحقيقي، قام نظام الأسد وداعموه بتصعيد هجماتهم إلى مستويات غير مسبوقة، فكان الشعب السوري هو من دفع الثمن. وبالمقابل، عندما شن النظام هجمات كيماوية في نيسان 2017 ونيسان 2018، أصدر الرئيس ترامب أمراً للرد تمثل بضربات صاروخية انتقامية. فبالإضافة إلى أن هذه الضربات لم تتسبب بظهور نزاع أوسع، تمكنت وبشكل فعال من منع الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة، ما يعني أن تلك الضربات وغيرها من العمليات العسكرية التي قامت منذ عام 2016، تؤكد على الحقيقة القائلة بإنه يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم القوة الموجهة في سوريا لحماية حلفاء أميركا، وللتمسك بالخطوط الحمراء التي حددتها دون التورط في تعقيدات أكبر وأعمق.
- ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا: تقع سوريا عند نقطة تقاطع الحضارات، ولهذا ترددت أصداء ما مر عليها خلال عقد من المآسي في مختلف بقاع العالم، فقد امتلأت دول الجوار باللاجئين السوريين، وتسبب هؤلاء بزعزعة استقرار أوروبا. وقد استخدم المطبلون والمزمرون من أصحاب الدعاية اللاجئين السوريين لتأجيج الحركات القومية الصاعدة التي ينادي بها اليمين المتطرف، ولتبرير السياسات الرجعية المعادية للمهاجرين في الولايات المتحدة وأوروبا، كما شجع ذلك بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبعد استخدام سوريا كحقل لتجريب الأسلحة الجديدة والتكتيكات ولتدريب الميليشيات، في ظل غياب تداعيات ذلك، استخدمت روسيا وإيران إمكانيات جيشهما القوية بطريقة أدت إلى ظهور نزاعات جديدة بدءاً من أوكرانيا وصولاً إلى اليمن. وبما أن نتائج النزاع السوري أصبحت عالمية، لهذا يتعين على السياسة الأميركية أن تعمل على تقييم سوريا ضمن الإطار الأوسع للسياسة الخارجية، وينطبق الأمر ذاته على الاتفاقية النووية مع إيران. إذ عندما تسعى إدارة بايدن للعودة إلى تلك الاتفاقية، فلابد لها أن تفكر بشكل واضح بالآثار الذي ستخلفها تلك الاتفاقية على النزعة التوسعية لدى إيران على المستوى الإقليمي، كما يجب أن يكون لدى تلك الإدارة خطة لمواجهة العواقب الخطيرة التي قد تترتب على هذه الاتفاقية.
إذن بعدما أصبحت تلك الدروس بمتناول اليد، وتم تحديد الأهداف بدقة، كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تحرز تقدماً على هذا الصعيد؟
بداية، تحتاج إدارة بايدن إلى فريق قوي يهتم بالشأن السوري، ويترأسه دبلوماسي صاحب خبرة بحيث يشير مجرد تعيينه على أن الإدارة الجديدة ستتعامل مع الأمور بجدية. وينبغي لهذا الفريق أن يكلف بمهمة إنجاز عملية الانتقال السياسي وذلك ضمن استراتيجية يتم تحديدها بدقة ووضوح، تدعمها سلطة تسمح باتخاذ القرارات، مع مجموعة متكاملة من الأدوات السياسية، ويدعم كل ذلك التلويح باستخدام القوة بشكل معقول. إذ في ظل الإدارتين السابقتين، تعثر عمل الفريق المختص بالملف السوري بسبب غياب عنصر أو أكثر من تلك العناصر الداعمة. فمثلاً، في ظل إدارة أوباما التي كانت تهاب المخاطر، لم يكن بوسع المبعوثين إلى سوريا الاعتماد على فكرة التلويح بالقوة عند الحاجة إليها، ولهذا لم تجد نفعاً تلك الضغوطات التي مارسها جون كيري عندما كان وزيراً للخارجية من أجل القيام برد عسكري على الهجوم بغاز السارين الذي نفذه الأسد في عام 2013 ولم تصل إلى أية نتيجة. كما قوبلت دعواته للرد باستخدام القوة على خرق الأسد لوقف إطلاق النار بتجاهل مماثل، الأمر الذي قوض موقف أميركا التفاوضي في محادثات جنيف. أما إدارة ترامب فقد قامت بتعيين فريق متميز ترأسه السفير جيمس جيفري ونائب معاون وزير الخارجية جويل رايبورن، غير أن هذا الفريق عانى أيضاً بسبب غياب استراتيجية شاملة أو عدم وجود تنسيق فعال بين الوكالات. بيد أن اللافت في الموضوع هو أن هذا الفريق نجح في توسيع النفوذ الأميركي عبر سن عقوبات جديدة قاسية، ودفع حلفاء الولايات المتحدة إلى مواصلة الضغط على النظام على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي.
اقرأ أيضا: رأيه بسوريا.. 9 أمور عن مرشح بايدن للخارجية الأميركية
ولهذا يتعين على إدارة بايدن أن تقوم بتوطيد وتوسيع النفوذ الذي سترثه عن جيفري ورايبورن، وهذا يعني تفعيل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا والذي استهدف أخبث العناصر الفاعلة داخل النظام، مع السعي لتوسيع العقوبات التي تستهدف مزيدا من الشخصيات. وبالطريقة نفسها، يتعين على إدارة بايدن أن تتجاوز عملية مواصلة الضغوطات الأميركية الأحادية على النظام وداعميه، وذلك عبر دفع حلفاء الولايات المتحدة إلى التعهد والالتزام باتخاذ الإجراءات نفسها ضد النظام، وقد يأتي ذلك على شكل قمة مهمة تعقد في عام 2021 يقوم خلالها المشاركون بالالتزام وبشكل جماعي بقطع التمويل اللازم لإعادة الإعمار، ورفض التطبيع الدبلوماسي مع النظام إلى حين قيام عملية انتقال سياسي حقيقية.
وبالنسبة للمفاوضات، يمكن القول بإن العملية الدبلوماسية قد تحولت اليوم إلى محادثات هزلية تجريها اللجنة الدستورية وتهيمن عليها روسيا. وهذه المحادثات التي يعتبرها غالبية السوريين غير مهمة، قد توقفت لأكثر من سنة، واستغلتها كل من روسيا والنظام لتأجيل تلك العملية، في الوقت الذي قام فيه كل منهما بتعزيز مكاسبه العسكرية وترسيخها. إذن، فقد حان الوقت حتى تعود الولايات المتحدة لتسلم زمام الأمور، إذ بعد العودة لدعم المعارضة السورية، يتعين على إدارة بايدن أن تطلق جولة جديدة من المحادثات حول المرحلة الانتقالية بالتعاون مع حلفائها ومع الأمم المتحدة.
وبالنسبة للاتفاق النووي مع إيران، يتعين على إدارة بايدن أن تخوض مفاوضات جديدة لمواجهة اعتداءات إيران على مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، وقد كتب الرئيس المنتخب بايدن مؤخراً بأن الولايات المتحدة قد تقوم برفع العقوبات والعودة للاتفاق وذلك كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات. ولكن ما هو الحافز الذي قد يدفع إيران للتفاوض مرة أخرى بعدما حققت ما تريده؟ منذ المفاوضات الأولى، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على المؤسسات المالية الإيرانية، إلى جانب إجراءات أخرى اتخذتها ضدها، الأمر الذي خلق لها نفوذاً أكبر ساعدها في الضغط من أجل صياغة بنود أفضل. لذا ينبغي على الإدارة الجديدة ألا تضيع هذا النفوذ الجديد عبر رفع كامل العقوبات دون مناقشة التهديدات الإقليمية التي تمثلها إيران، ويشمل ذلك سلاحها الأكثر فتكاً، وشبكة الميليشيات الواسعة التي تعمل بالوكالة لديها. ثم إن إيران تعتبر الضامن الأساسي لحرب الأسد، لذا فإن أي تخفيف للعقوبات المفروضة على إيران دون تحديد الهدف بدقة، لابد وأن يسهم في تسليح وتدريب الميليشيات الموجودة في سوريا، تماماً كما حدث مع مبلغ 8 مليارات دولار الذي قامت إدارة أوباما بفك تجميد أصوله. ولذلك يجب على الولايات المتحدة ألا تكرر ذلك الخطأ المتمثل بالتضحية ببقية المنطقة على مذبح هذه النهاية الانفرادية وذلك عبر منح إيران مكاسب غير مشروطة يمكنها من خلالها زعزعة استقرار المنطقة. بل يجب على الإدارة الأميركية أن تقوم بدلاً من ذلك باتخاذ خطوات ملموسة داخل الاتفاق وخارجه لردع إيران ومنعها من التوسع ووقف سلوكها الخبيث في المنطقة.
اقرأ أيضا: كيف سيتعامل "بايدن" مع تركيا
ولخلق أرض خصبة لعملية انتقالية سياسية وطنية ناجحة، يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تعيد النظر في سياساتها تجاه المعارضة السياسية والمسلحة وتجاه قوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الكرد. إذ ثمة حاجة ماسة لمعارضة سياسية يمكن الوثوق بها لتقوم بتمثيل الشعب السوري بشكل فعال في المفاوضات. ولكن بوجود الائتلاف الذي يمثل الجسم الرئيسي للمعارضة والذي يعتمد على تركيا، وبوجود الهيئة العليا للمفاوضات التي تدين بالفضل للسعودية، تحول المعارضون إلى وكلاء للقوى الإقليمية، ولهذا يتعين على إدارة بايدن أن تعيد الاستثمار في المعارضة السياسية السورية، وأن تساعد المعارضين على استعادة استقلاليتهم بما يؤهلهم لأن يصبحوا موضع ثقة وأن يدخلوا المفاوضات ويسعوا مجدداً لإعادة إرساء شرعيتهم على الأرض.
وفيما يتصل بالمعارضة المسلحة، يمكن القول بإن الولايات المتحدة أخطأت عندما تخلت عن المقاتلين المعتدلين المعروفين وانحازت لوحدات حماية الشعب، وضيقت من مجال عملها في سوريا ليقتصر على محاربة تنظيم الدولة فقط. إذ إن وحدات حماية الشعب الكردية هي المجموعة التي تقف وراء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تشكلت لتقدم نفسها باسم جديد على أنها شريك يحظى بقبول أوسع. وبالرغم من أن قسد كانت حليفاً يعتمد عليه في محاربة تنظيم الدولة، إلا أن هذه الجماعة عجزت عن أن تتحول إلى قوات تحارب من أجل الديمقراطية كما رسمتها أميركا بخيالها. ففي عام 2017 كتب أنطوني بلينكين الذي كان حينذاك مسؤولاً في إدارة أوباما (وسيصبح مستقبلاً وزيراً للخارجية) افتتاحية في إحدى الصحف حول موضوع تسليح الكرد، وذكر في تلك الافتتاحية بأنه يتعين على الولايات المتحدة أن: "تصر على التزام وحدات حماية الشعب بعدم استخدام أي سلاح ضد تركيا، وتسليم الرقة المحررة للقوات المحلية، واحترام وحدة الأراضي السورية، وفك ارتباطها بحزب العمال الكردستاني" إلا أن هذه النصيحة قوبلت بالتجاهل، وحتى اليوم لم تبذل الولايات المتحدة أي جهد لمحاسبة حلفائها من كرد سوريا. فلقد حافظت وحدات حماية الشعب على علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني (المصنف كمنظمة إرهابية)، كما فشلت في خلق تنوع داخل صفوفها، ورفضت التنازل عن السيطرة للسلطات المحلية، وأخذت تتقرب من نظام الأسد وروسيا وإيران، وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المواطنين الكرد والعرب.
اقرأ أيضا: بايدن: لن تكون ولايتي بمثابة ولاية ثالثة لـ"أوباما"
وبما أن وحدات حماية الشعب على خلاف مع تركيا، وكردستان العراق وباقي الكرد السوريين، والمجتمعات العربية المحلية، وجماعات المعارضة السورية، لذا فإنها تعتبر قوة تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة وتفتقر إلى شرعية محلية وإمكانيات حكم على المدى البعيد. ولهذا يتعين على إدارة بايدن أن تعالج هذا الوضع العقيم وأن تفرض شروطها لتقديم الدعم المخصص لقيام إصلاحات كبيرة، هذا في حال لم تكن الإدارة تخطط لإبقاء الجنود الأميركيين في سوريا لأجل غير مسمى. كما يجب على الإدارة أن تعود لتقديم الدعم لقوات المعارضة المعتدلة، خاصة تلك الموجودة في الجنوب. إذ منذ أن أوقفت إدارة ترامب كل الدعم المقدم لهؤلاء الشركاء وسمحت للأسد بإعادة درعا إلى سيطرته في عام 2018، أصبحت الظروف في تلك المنطقة أسوأ مما كانت عليه، ولم تتحسن مطلقاً. بل قامت قوات النظام باغتيال المئات من مقاتلي المعارضة الذين دخلوا في اتفاق مصالحة مع النظام، فأصبح الناس هناك يعيشون في خوف من الاعتقال والاغتيال والتمرد ضمن نطاق ضيق والذي يتحول إلى عنف بشكل متكرر. أي أنه هنالك حاجة ماسة لمعارضة مسلحة موضع ثقة لنشر الأمن والاستقرار في المناطق المحررة ذات الغالبية العربية ولمنع تنظيم الدولة من العودة إلى الظهور.
كما يجب أن يكون الشعب السوري والمجتمع المدني محور الاستراتيجية الأميركية، نظراً للحاجة لوجود مجتمع مدني قوي من أجل ترسيخ الاستقرار والصمود على المدى البعيد. لذا ينبغي على الإدارة القادمة أن تعيد التمويل المخصص لنشر الاستقرار في سوريا مع توسيع ذلك الدعم في المناطق المحررة الواقعة شمال غربي البلاد حيث أخذت منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الحكم المحلي تذوي وتضمحل بعد تعرضها للإهمال على مدار سنوات. وبالطريقة ذاتها ينبغي على الولايات المتحدة أن تقدم المساعدات الإنسانية للمجتمعات الأكثر تضرراً سواء في الركبان الواقعة جنوب البلاد، أو في إدلب الواقعة شمال غربي سوريا، كما يجب عليها أن تتعاون مع حليفتها تركيا على نشر الاستقرار بين الأهالي هناك. وذلك لأن ملايين النازحين السوريين ظلوا في إدلب، والآلاف منهم باتوا يعيشون في مخيمات النزوح التي تهدد بالتحول إلى مراكز لنشر فيروس كورونا على نطاق واسع إقليمياً في ظل غياب التحرك الدولي الذي يجب على الولايات المتحدة أن تترأسه.
اقرأ أيضا: كي لا يفاجئنا بايدن في سوريا
وأخيراً يجب على إدارة بايدن أن تصبح مثالاً يحتذى في القيادة بالنسبة لأزمة اللاجئين السوريين، إذ بوسعها أن تحقق ذلك عبر العودة لقبول لجوء اللاجئين السوريين، ورفع السقف المحدد للمقبولين منهم ليتجاوز الأعداد التي تم تحديدها فيما مضى. وهذه الخطوة ستتحول إلى تأكيد جديد على القيم الأميركية وموقف واضح ضد المتاجرة القبيحة بالخوف المتأصل الذي يصور ضحايا الحرب هؤلاء على أنهم إرهابيون. وإضافة لما سبق، يجب على الإدارة الأميركية أن تسمح للسوريين المقيمين في الولايات المتحدة في ظل حالة من التشكيك خلقها برنامج الحماية المؤقتة بالتقديم للحصول على البطاقة الخضراء، كما سمحت بذلك لليبيريين خلال العام المنصرم. وذلك لأن النازحين السوريين الذين أقاموا في الولايات المتحدة لسنوات أصبحوا أفراداً فاعلين ومهمين ضمن مجتمعاتهم، ولذلك لا يمكنهم العودة إلى سوريا التي يحكمها بشار الأسد دون التعرض لخطر التعذيب والقتل.
اقرأ أيضا: ترامب يفرض جدول أعمال بايدن الإيراني
تبدو الأوضاع في سوريا اليوم قاتمة ومظلمة، ولهذا يتطلب تحويل الزخم التزاماً كبيراً من قبل الولايات المتحدة بهذا الملف، بل إن هذا الالتزام ممكن وضروري. ولذلك يجب على إدارة بايدن القادمة أن تؤلف فريقاً يضم أعضاء يدركون كل ما فقدناه عندما سمحنا للأزمة بالاستفحال في سوريا. أي أن الوقت قد حان لتصحيح أخطاء الماضي. وعبر التصدي للتحديات التي تفرزها سوريا اليوم، يمكن للرئيس المنتخب بايدن أن ينقذ أرواح البشر، وأن يخلف تركة دائمة سواء في الداخل أو في الخارج، وأن يجعل قيم أميركا متوافقة مع أفعالها.
المصدر: هوفر إنستيتيوشن