يبدو أن الكوارث الطبيعية والجوائح التي يتعرض لها كوكبنا قد فرضت نفسها على الروائي والكاتب اللبناني -الفرنكفوني- أمين معلوف.
نهاية العالم
باتت الكتابة عن نهاية العالم، تياراً أدبياً يحرص العديد من الروائيين والكتاب على تقديم سيناريو لتنبؤاتهم وتخيلاتهم حول كيفية انتهاء الحياة على كوكبنا، بعد أن بلغ التطور التكنولوجي والعلمي أشواطاً ما كان الإنسان يتوقع أن يبلغها من قبل، ومع هذا التقدم الهائل تمت خلخلة عوامل التوازن في كوكبنا، فبتنا نرى كل سنة أرقاماً قياسية في ازدياد درجات الحرارة، نتيجة ارتقاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من المعامل والمصانع، والحرائق الهائلة التي تلتهم غابات بأكملها.. ومعها يزيد انحسار البساط الأخضر الذي يحافظ على التوازن البيئي، وبالتالي ترتفع نسبة التصحر والجفاف، اللذين يضربان بقوة في منطقتنا.
حرب نووية
دائماً كانت الأسلحة النووية، والحرب القائمة عليها هي ما سيؤدي إلى نهاية العالم في نظر الروائيين، ولم يحد أمين معلوف عن هذا الخط في روايته "إخوتنا الغرباء" التي صدرت بالفرنسية العام الماضي، قبل أن تترجمها نهلة بيضون وتصدر عن دار الفارابي مؤخراً، وإن حاول معلوف كعادته أن يعود للتاريخ كي يقدم أدلة على الحاضر، ويتنبأ بالمستقبل، كمثقف شامل مسكون بتاريخ ومستقبل منطقتنا بشكل خاص والعالم بأسره.
يقول معلوف في إحدى المقابلات التلفزيونية إن هذه الرواية قد كتبها قبل اندلاع جائحة كورونا، ولكنه لا ينكر أن هذا الوباء قد جعله يسرع في نشر الكتاب.
يقول معلوف في إحدى المقابلات التلفزيونية إن هذه الرواية قد كتبها قبل اندلاع جائحة كورونا، ولكنه لا ينكر أن هذا الوباء قد جعله يسرع في نشر الكتاب.
الحل عند الإغريق
حسب أحداث الرواية تتعرض مدينة ميريلاند الأميركية لهجوم نووي يُتهم به حاكم جبلي قوقازي اسمه "ساردار سارداروف"، ويعطل الهجوم أغلب أنواع الاتصالات حتى موجات البث الإذاعي في العالم، وتبدأ أنواع من الأمراض بالانتشار نتيجة الإشعاع النووي، بل إن الرئيس الأميركي "هاوارد ميلتون" يتأثر بهذا المرض، ويسود العالم الذعر والخوف، حتى يأتي إخوتنا غير المتوقعين: "أقل وحشية منا، وأكثر موثوقية، وأكثر احتراماً لمصير الضعفاء. لكنهم أقوياء إلى درجة مثيرة للخوف" القادمين من سلالة حضارة عريقة قدمت الكثير للبشرية، هؤلاء أتباع الفيلسوف اليوناني أمبادوقليس، فيلسوف سابق لمرحلة أفلاطون وسقراط وأرسطو، وهو الذي تُنسب إليه نظرية عناصر الطبيعة الأربعة "الهواء والماء والتراب والنار" واقترح كذلك إضافة الحب إلى هذه العناصر.
وبعد أن "أفلست الحضارة الغربية" حسبما تقول الرواية على لسان بطلتها إيف سان جيل، يأتي هؤلاء اليونانيون بطب متطور ليفاجئوا العالم ويقدموا له علاجاً للإشعاعات النووية عبر مستشفيات عائمة، حتى الرئيس الأميركي عالجوه واستطاعوا أن يعيدوا له شبابه، رغم اللغط الذي ثار بعد قبوله بعلاجهم على أنه خيانة للمبادئ الوطنية الأميركية، حيث تم عزله لفترة ولكنه ما لبث أن أقنع المشرعين الأميركيين بصوابية خطوته، لتتوج الرواية باللقاء بين الرئيس الأميركي هاوارد ميلتون والملكة الإغريقية إلكترا.
هجوم روسي
وكأن الرواية تريد أن تقول لنا إن من سيطلق الحرب النووية هم الروس، لأن اسم الزعيم الجبلي القوقازي المتهم بالهجوم النووي" سارداروف " روسي كما هو واضح، في حين أن من يقدم الحل لهذا العالم المتداعي هم الإغريق، أصحاب واحدة من أعظم الحضارات في العالم، الذين قدموا له الفلسفة والطب والديمقراطية.
الجزيرة الفرنسية الصغيرة المعزولة في المحيط الأطلسي التي تجري عليها أحداث الرواية سماها "أنطاكيا"، على اسم المدينة التركية المشرقية المعروفة، فرغم أن هذه الرواية تزيح عن خط التاريخ المشرقي الذي عرفت روايات معلوف به، إلا أنه أبى إلا أن يدخل شيئاً من مشرقيته في هذه الرواية، حتى وإن كان اسماً خالياً من أية رمزية.
خيال علمي وفنتازيا
هذه الرواية وعلى عكس أعمال معلوف الفكرية والروائية، يبدو أنها متفائلة بأن مشكلات العالم يمكن حلها، وأن التشاؤم ليس قدرنا. "إخوتنا الغرباء" تأتي كذروة للسلسلة التي بدأها معلوف من الهويات القاتلة إلى اختلال العالم، وصولاً إلى غرق الحضارات، التي كانت دقاً لناقوس الخطر، وربما كنهاية حزينة، كما أغلب روايات معلوف! التي لا تغيب عنها مسألة الهوية وصراع الأيديولوجيات والخوف على مصير العالم، وضرورة التعايش بين الثقافات المختلفة، على قاعدة من العدل والمساواة وليس الإقصاء والتهميش من رواية " التائهون" إلى رواية القرن الأول بعد "بياتريس" ورواية "سلالم الشرق".
الرواية التي هي خليط ما بين الخيال العلمي والفنتازيا، تأتي بخطها العام متشابهة في أحداثها البوليسية للعديد من الكتاب ومن ضمنهم دان براون، الذي تناول في روايته "الحصن الرقمي" الصادرة عام 1998 تأثير الهجوم النووي على هيروشيما وناغازاكي في اليابان، وعن الرغبة في الانتقام من السطوة الأمريكية على العالم.
مستوى أقل!
لم تقدم الرواية المعرفة التاريخية التي قدمتها "سمرقند" و"ليون الأفريقي" و"صخرة طانيوس" ولا حتى التحليل الفكري والاجتماعي والسياسي لواقع منطقتنا والعالم كما في "غرق العالم واختلال الحضارات" ولم تكن بحثاً أنثروبولوجيا شيقاً كـ "الهويات القاتلة"، وبالتالي فإن الرواية لم تستطع أن تقدّم المتعة المعرفية المرجوة من كاتب بعراقة أمين معلوف.
أمين معلوف..
أمين معلوف، المفكّر والأديب اللبناني من مواليد بيروت 1949. درس الاقتصاد والعلوم الاجتماعيّة وعمل في صحيفة النهار” اللبنانية، وهاجر معلوف بعيد الحرب الأهلية إلى فرنسا ليعمل في مجلّة "جون أفريك". انتخب عضوًا في الأكاديميّة الفرنسيّة المرموقة في شهر حزيران عام 2011 خلفا لعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي ستروس، وحاز العديد من الجوائز الأدبية والأوسمة، منها: جائزة غونكور الفرنسية، والوشاح الأكبر لوسام الأرز اللبناني، ووسام الاستحقاق الوطني الفرنسي.