ما تزال خطوط التهريب تنشط بين لبنان وسوريا مع فارق تراجعها باتجاه لبنان إثر الحملات العنصرية، مقابل تزايد السوريين العائدين إلى بلادهم تهريباً، خوفاً من المضايقات الأمنية والترحيل وتداعياته على المطلوبين للنظام السوري.
وقال محمد حسن مدير مركز وصول لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية تتابع أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان) في تصريحات صحفية إنّ "موجة من الكراهية المنسقة والعنف ضد اللاجئين، تدفع البعض إلى المغادرة خوفًا من أن يتم ترحيلهم قسرًا".
وأضاف، أنّ الطريق من لبنان إلى إدلب "تسيطر عليه عصابات تهريب لبنانية وسورية مرتبطة بميليشيات محلية وعابرة للحدود وليس آمنا".
العودة تهريبا إلى سوريا
سالم محمد (32 عاماً) كان أحد اللاجئين في لبنان، لكنه قرر العودة تهريباً إلى ريف دمشق خوفاً من ترحيله وتسليمه للنظام السوري، ويقول لموقع تلفزيون سوريا "لا أملك إقامة في لبنان وأعمل في ورشة باطون وعملي يستلزم التنقل بين أحياء عدة وهو ما أصبح مستحيلاً جراء حواجز الجيش اللبناني وقوى الأمن في الفترة الأخيرة".
وعليه، عاد محمد إلى ريف دمشق سالكاً طرق التهريب "انتقلت من بيروت إلى البقاع ومنها إلى وادي خالد، وبعدها تجاوزنا الحدود عبر معبر غير شرعي ليلاً رفقة مهربين وصولاً إلى قرية حديدة بريف حمص"، كما يقول.
وقضى سالم يومين خلال رحلته من بيروت إلى ريف دمشق وصولاً إلى منزل ذويه، انتقل خلالها بسيارات المهربين ومشياً على الأقدام وتجاوز حواجز النظام السوري من حمص إلى ريف دمشق بعد دفع المهربين الرشى لعناصرها مقابل السماح لهم بالمرور دون اعتقالهم.
اقرأ أيضا: هربوا من العنف ليواجهوا الموت: رحلة السوريين من لبنان إلى إدلب عبر طرق التهريب
على غرار سالم، يعود كثيرون تهريباً إلى سوريا خاصة مَن دخل خلسة إلى لبنان وذلك بعد سياسة التضييق التي يتبعها ضد السوريين بتهمة الدخول بطريقة غير شرعية، "عاد معي في الرحلة 6 آخرون إلى ريف دمشق وحمص، وهناك آخرون ينتظرون دورهم مع المهربين للعودة إلى سوريا"، يضيف محمد لموقع تلفزيون سوريا.
وكان سالم دخل لبنان في عام 2014 واستقر في منطقة البقاع حيث يعمل في الزراعة، ويوضح "لم أتمكن من الحصول على إقامة وبقيت مخالفا لسنوات، لكن الوضع زاد سوءا ما دفعني للعودة بعد إرسال عائلتي إلى ريف دمشق في وقت سابق".
العودة خلسة من لبنان إلى الرقة
في المقابل لا تقتصر عودة السوريين من لبنان على مناطق سيطرة النظام السوري فقط، إنما هناك من يعود إلى مناطق السيطرة الأخرى في إدلب وشمال شرقي البلاد.
وهذا ما حدث مع خالد (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) الذي أرسل عائلته إلى الرقة بطريقة شرعية عبر معبر المصنع. ويقول لموقع تلفزيون سوريا "دهم الأمن العام المخيم الذي نعيش فيه في منطقة المرج (البقاع) بذريعة البحث عن مطلوبين وتم إجبارنا على إخلائه، ما دفعني للتفكير بالعودة".
ويروي الرجل الخمسيني لموقع تلفزيون سوريا أنه اضطر وعائلته للعيش لمدة أكثر من أسبوع في العراء في إحدى الأراضي الزراعية ريثما تدّبر أمور تسفير عائلته، يتابع "أرسلت عائلتي وبقيت حتى أتمكن من بيع بعض الأغراض الخاصة بنا ومنها الخيمة التي كنا نعيش بها".
باع خالد أغراضه بنصف قيمتها حتى الخيمة باعها بـ 300 دولار بينما سعرها يتجاوز 600 دولار أميركي، ويذكر تفاصيل العودة قائلا "تواصلت مع مهرب بقصد الوصول إلى الرقة خوفاً من الاعتقال على حواجز النظام السوري.. طلب المهرب 300 دولار أميركي لقطع المسافة من لبنان إلى الرقة تهريباً دون اعتقاله".
وعقب الاتفاق مع المهرب، قطع الرجل الخمسيني مسافة مدتها أربع ساعات مشياً على الأقدام من وادي خالد اللبنانية وصولاً إلى ريف حمص، حيث اضطر للانتظار يومين ريثما يستطيع إكمال رحلته إلى الرقة. ويقول "بعد وصولي إلى ريف حمص انتظرت هناك يومين لحين اتفاق المهربين مع عناصر حواجز النظام للمرور دون حدوث أية مشاكل".
وفي اليوم الثالث انطلق خالد في رحلته نحو الرقة وتجاوز حواجز النظام السوري بدون أية عوائق وصولاً إلى مدينته حيث كانت عائلته بانتظاره هناك، "كان سائق الحافلة التي تحوي نحو 14 شخصاً وجميعهم مطلوبون للنظام.. كنا ندفع رشى عند كل حاجز تفتيش بعد أخذ الهويات الشخصية دون تعرضنا للاستجواب من قبل تلك الحواجز".
وهكذا انتهت حياة خالد وعائلته كلاجئين في لبنان بعد أكثر من ثمانية سنوات في بلد لا يعترف به كلاجئ ولم يوقع على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، ويستمر في ترحيل السوريين عبر ما يعرف بـ"قوافل العودة الطوعية".
هجرة مستمرة إلى لبنان
بينما عاد من لبنان إلى سوريا (إدلب) نحو 1500 شخص خلال الشهرين الفائتين، وفق ما نقلت جريدة "الشرق الأوسط" عن حكومة الإنقاذ في إدلب، تستمر موجات الهجرة من سوريا إلى لبنان تهريباً لأسباب مختلفة منها الوضع الاقتصادي والخدمة العسكرية في قوات النظام السوري.
ويقصد سوريون لبنان كمحطة للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ويخرج يومياً عشرات وربما مئات السوريين من البلاد إلى لبنان تهريباً حسب الطريق ودرجة تأمينه، وفق ما قال أبو عدي لموقع تلفزيون سوريا (طلب عدم ذكر اسمه) وهو مهرب سوري مقيم في وادي خالد ويعمل بالتنسيق مع مهربين بالداخل السوري.
ويضيف أبو عدي أن "التشديد على خطوط التهريب من قبل الجيش اللبناني لم يوقف تلك الخطوط نهائياً، إذ هناك مجموعات تعمل في التهريب وتنسق مع عناصر عسكرية في البلدين لمرور الأشخاص تهريباً مقابل حصولهم على رشى".
ويؤكد أن خطوط التهريب تعمل في الاتجاهين وإن كانت بنسب أقل من السابق، وأنه في حال تعرض أية رحلة تهريب للاعتراض من قبل الجيش اللبناني في أراضيه، فإن هناك مهربين في سوريا يعيدون هؤلاء مرة أخرى بعد إعادتهم من قبل الجيش اللبناني إلى الحدود السورية.
ويشرح المهرب أن أغلب من يخرج من سوريا تهريباً في الوقت الحالي لا يمكث في لبنان طويلاً، إذ يغادر هؤلاء إلى ليبيا أو الإمارات العربية عبر مطار بيروت هرباً من التجنيد الإجباري.
وفي السياق ذاته، أعلن الجيش اللبناني عن إحباط تسلل نحو 1100 سوري بطريقة "غير شرعية" عبر الحدود مع سوريا وذلك خلال شهر أيار الفائت، وأضاف، بأن عناصره سلّموا الموقوفين إلى الجهات المختصة لاتخاذ التدابير اللازمة بحقهم.
إلى جانب ذلك يستمر لبنان في سياسته المعلنة تجاه ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم رغم معارضة الاتحاد الأوروبي خطة العودة في مؤتمر بروكسل الثامن وتأكيده بأنّ "شروط العودة الآمنة غير متوفرة".