أين مصلحة إيران بما يجري في سوريا؟

2023.10.06 | 16:33 دمشق

مسيرة تركية تسقط وأخرى تصطاد جنود للنظام.. من الفاعل
+A
حجم الخط
-A

24 ساعة ساخنة جداً ومليئة بالأحداث الميدانية والسياسية، فبعد إعلان وزير الخارجية التركي السيد هاكان فيدان عن أن جميع قواعد ومراكز تدريب ووجود ميليشيات قسد وأيضا كل المرافق الحيوية بما فيها المنشآت النفطية هي أهداف مشروعة للجيش التركي، رداً على عملية أنقرة الإرهابية، وقد طالب السيد هاكان الأطراف الثالثة بالابتعاد عن هذه الأماكن، نفذت المسيرات التركية هجوما على نقاط وقواعد تتبع لقسد، لكن المفاجأة كانت حين أسقطت الولايات المتحدة مسيرة تركية اقتربت من قاعدة أميركية للتحالف في ريف الحسكة، ويبدو أن حالة ارتباك أصابت الأتراك بعد هذا الاستهداف المباشر لهم من قبل حليفهم في حلف الناتو، إذ سارعت وزارة الدفاع التركية لتقول إن المسيرة التي أسقطها التحالف ليست تركية، لكن التوضيح الأميركي لاحقا أكد أنها تركية وتم استهدافها دفاعا عن النفس!
 وبعد أقل من ساعتين على إسقاط أميركا للمسيرة التركية حدث هجوم عنيف على الكلية الحربية في حمص، في أثناء احتفال تخريج دفعة جديدة من طلاب الكلية، الهجوم تم عبر مسيرات متفجرة انتحارية غالباً أو أنها تحمل مواد متفجرة، وأسفر الهجوم عن وقوع العشرات من القتلى ومئات الجرحى، وسارع النظام فورا لاتهام فصائل المعارضة وشن على إثرها هجوماً عنيفاً طال مناطق عديدة في أرياف حلب وإدلب أسفر عنه استشهاد 13 مدنياً وكثير من الجرحى.

إيران لها مصلحة بإضعاف النظام أكثر ليبقى أداة في يدها ولتكون قدرته على المناورة خارج حدود مصالحها معدومة

بدورها شخصيات معارضة سياسية وعسكرية سارعت إلى اتهام النظام بأنه هو من دبر هذا الهجوم، لأنه يريد الهرب إلى الأمام من الأزمة الاقتصادية الخانقة ومن تبعات حراك السويداء المستمر والمتصاعد والذي قض مضاجع النظام وأركانه، بعض المعارضين رجح أن تكون إيران هي من قامت بهذا العمل لأجل توجيه رسالة للنظام بأنها لن تقبل منه أي تقارب مع العرب والأتراك من دون إذن منها، وبعد التنسيق معها. كل الفرضيات ممكنة فإيران لها مصلحة بإضعاف النظام أكثر ليبقى أداة في يدها ولتكون قدرته على المناورة خارج حدود مصالحها معدومة، والنظام يريد شد عصب الموالين له بعد أن أنهى حراك السويداء مقولة حماية الأقليات، معظمُ قتلى هجوم الكلية الحربية من العلويين لأن العدد الأكبر من ضباط الجيش هم من العلويين كما يحرص نظام الأسد دائما على استمرار سيطرة الطائفة على مفاصل الجيش والأجهزة الأمنية لضمان بقائه بعد أن صار وجوده مرهوناً بالعصبة الطائفية ووجود الطائفة مرهون ببقائه. سارع النظام إلى محاولة احتواء غضب حاضنته من ذوي القتلى وأعلن الحداد لمدة ثلاثة أيام ثم بدأ هجوما عنيفا على مناطق مختلفة في شمالي سوريا وشاركت الطائرات الروسية أيضا في هذا القصف، وسارع حلفاء نظام الأسد للتواصل معه لتعزيته بقتلى الكلية الحربية وللتأكيد على دعمهم له بما يسمونه محاربة الإرهاب، بوتين ورئيس بيلاروسيا ووزير خارجية إيران كلهم أرادوا الوقوف مع النظام بعد هذه الضربة الكبيرة والمؤلمة، هذه العملية النوعية سيكون لها ارتدادات ميدانية وسياسية.
وقوف بعض الفصائل في الشمال خلف الهجوم أمر مستبعد نظرياً لأن معظم الفصائل بما فيها المجموعات الجهادية الصغيرة لا تمتلك مسيرات تستطيع حمل متفجرات لمسافة طويلة تصل إلى الكلية الحربية في محافظة حمص، لكن بعض هذه المجموعات الصغيرة وخصوصا الجهادية منها دائما ما كانت تبتكر آليات وطرق لأجل استهداف خصومها خصوصا أننا نشهد منذ سنوات توقفاً للمعارك الكبرى، أي أن هناك وفرة بالوقت تتيح التفكير بآليات هجوم جديدة قد يكون منها تسلل خلف الخطوط الأمامية للعدو ثم تنفيذ عملية من داخل مناطق سيطرة النظام، بما يشبه عملية انغماسية ثم إطلاق للمسيرات، يبقى هذا الاحتمال وارداً من ضمن الاحتمالات الأخرى.

أراد الأميركي أن يقول للجانب التركي أسمح لك باستهداف مواقع قسد وهو ما يحصل بكثرة منذ بداية هذا العام لكني لا أقبل منك الاقتراب من قواعدي

بغض النظر عن الفاعل لكن ما حدث في الأمس هو بمنزلة إعلان للتصعيد العسكري والميداني في سوريا بعد توقف للمعارك منذ سنوات، وهذا الإعلان سيحمل معه تغييراً محتملاً في خرائط السيطرة الحالية. فالجيش التركي أراد اختبار ردة الفعل الأميركية بعد أن اقتربت المسيرة من قاعدة للتحالف وجاء الرد الأميركي مباغتاً، وأعتقد أنه لم يكن متوقعا من قبل الجانب التركي، خصوصا أننا نقترب من موعد جلسة البرلمان للتصويت على انضمام السويد للناتو، لكنَّ الأميركي أراد أن يقول للجانب التركي أسمح لك باستهداف مواقع قسد وهو ما يحصل بكثرة منذ بداية هذا العام لكني لا أقبل منك الاقتراب من قواعدي وهذا خط أحمر سيتجنبه الأتراك لاحقا، لأن الرسالة وصلت. وإيران تريد التصعيد الميداني بعد أن استشعرت الخطر على نفوذها من أي تطبيع عربي وتركي محتمل مع نظام الأسد، وإذا تتبعنا التصريحات الإيرانية تجاه الوجود التركي في سوريا في آخر فترة ندرك أن إيران تعتبر تركيا الآن عدوها الأول في سوريا، وليس الولايات المتحدة الأميركية كما يحاولون الترويج لذلك عبر تصريحاتهم وفي إعلامهم.
سياسياً يأتي هذا التصعيد الميداني الكبير مع إعلان النظام عبر إعلامه من أن بيدرسن رفض المقترح الذي ينص على انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية في مسقط، وهذا يشبه نعياً لكل المسار السياسي حالياً وتوقف الحديث عنه، وسواء كانت الفصائل الجهادية هي الفاعل أو إيران أو نظام الأسد أو أي طرف آخر فإن تاريخ 5/10/2023 سيكون مفصلياً وسيبدأ معه تبدل في خرائط النفوذ والسيطرة، وستبقي معه سوريا التي أردناها جميلة وسعيدة كمدفئة في كانون بعيدة المنال لأن سوريا اليوم تعيسة كعظمة بين أسنان كلب كما وصفها الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين.