icon
التغطية الحية

"أين دُفن ابني؟".. والدة صحفي أميركي قتل في سوريا تتحدث عن لقائها مع قاتل ابنها

2024.02.09 | 11:54 دمشق

ديانا فولي والدة الصحفي القتيل جيمس فولي
ديانا فولي والدة الصحفي القتيل جيمس فولي
Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد ساعات من الحديث عن الإيمان والأسرة، والخلاص والحرب، بقي لدى الأميركية التي فجعت بمقتل ابنها سؤال آخر توجهه لعنصر تنظيم الدولة الذي أدين بقتله، وهو: هل تعرف أين دُفن ابني؟

 هذا المشهد ورد في كتاب جديد تروي من خلاله ديانا فولي ما ورد في اللقاءات التي جمعتها وجهاً لوجه مع مقاتل بريطاني المولِد قاتل إلى جانب تنظيم الدولة واتهم بقطع رأس الصحفي جيمس، ابن ديانا، بطريقة وحشية في سوريا.

حوار يستحق العناء

تصف ديانا في مقابلة أجريت معها بأن الجلوس في قاعة اجتماعات بلا نوافذ وسط قاعة محكمة برفقة رجل أسهم في قتل ابنها يعني الاقتراب ولو خطوة صغيرة من عملية جبر الضرر، إذ إنه سيبدأ حسب قولها: "باستيعاب الخلفية التي جئنا منها، أما بالنسبة لي فسأحاول أن أسمعه".

لقد قدمت تلك الحوارات لديانا فرصة لتخلد ذكرى ابنها جيمس، والذي كان فضولياً مفعماً بالطاقة، يتملكه إحساس قوي بضرورة التمسك بالأخلاق، وعلى الجانب الآخر من الطاولة يجلس آلكساندا كوتي، وقدماه مقيدتان بالسلاسل، ليعبر عن تعاطفه مع أسرة فولي وما عانته، وليعبر عن استيائه أيضاً مما ارتكبته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مع إصراره على أنه تصرف كما يفعل أي جندي في زمن الحرب.

لم يستطع إخبار الأم أين دفن جثمان ابنها، وتمنى لو كان يعرف المكان حسب قوله، لكنه لا يعرفه، ولكن بالنسبة للأم كانت الحوارات تستحق هذا العناء، إذ تقول: "كل ما أردته هو أن أبني جسراً، فالألم والكره يستمران إن لم نعطِ أنفسنا الوقت لنحاول أن نسمع بعضنا بعضاً".

من المستبعد أن يقوم أحد أقارب الضحية بالتواصل بشكل فعال مع شخص أدين بإيذاء ابنهم، أي إن هذه الحالة خالفت المألوف، ولم تعبر في الوقت ذاته عن شيء مؤكد.

كان جيم فولي بين ثلة من الصحفيين الغربيين والعاملين في مجال الإغاثة الذين أُسروا ثم قتلهم مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة تعود أصولهم لبريطانيا في سوريا خلال الفترة التي حكم فيها الرعب وسيطر على تلك المنطقة ونفذت فيها عمليات إيهام بالغرق بحق الضحايا إلى جانب عمليات الإعدام الوهمية التي نفذتها فرقة البيتلز أو الخنافس التي سميت كذلك بسبب اللهجة التي تجمع بين أفرادها.

محاكمة مع استبعاد عقوبة الإعدام

وبعد مرور قرابة أربع سنوات على مقتل جيمس فولي في عام 2014 عن عمر ناهز 40 عاماً، ألقي القبض على كوتي وزميله الشافعي الشيخ على يد ميليشيا كردية تدعمها الولايات المتحدة. بيد أن غارة نفذتها مسيرة أميركية قتلت المقاتل المسؤول بشكل فعلي عن قتل فولي، واسمه محمد إموازي المعروف باسم الجهادي جون.

وبعد مشاحنات قانونية، خضع المقاتلان للمحاكمة في عام 2020 أمام القضاء الأميركي بعد أن وافقت وزارة العدل الأميركية على إسقاط عقوبة الإعدام المحتملة بحقهما.

يتتبع الكتاب هذه القصة الملحمية مع تعمقه في الرعب الذي انتاب ديانا بسبب ما وصفته بالرد البيروقراطي البارد للحكومة الأميركية بشأن اختفاء ابنها وذلك قبل عامين من مقتله.

يذكر أن الخاطفين طلبوا فدية قدرها ملايين الدولارات، إلا أن إدارة أوباما حذرت ديانا من مغبة دفع الفدية لأنها ستتعرض إثر ذلك للمحاكمة، في حين حاول المسؤولون بصعوبة أن يطلعوها على معلومات جديدة ومهمة.

تخبرنا فولي أن أولى المؤشرات على حدوث مكروه لابنها هو أن مراسلاً صار يتواصل معها وليس الحكومة، على الرغم من أنها لو نظرت نظرة استبطانية، فإنها لا بد أن تكتشف وجود دليل أوضح قبل أن يحل ذلك الصباح الذي أتى فيه عنصران من مكتب التحقيقات الفيدرالية إلى بيتها في نيوهامبشاير ليطلبا الحمض النووي لابنها جيم.

أعلن الرئيس السابق أوباما عن مقتل ابنها ثم اتصل بالأسرة ليؤكد لها بأن الإدارة قامت بكل ما بوسعها لإنقاذ جيم وكشف لهم بأن الحكومة نفذت عملية عسكرية لإنقاذ الأسرى، إلا أن النجاح لم يكن حليفها. غير أن أسرة فولي لم تقتنع بكل ذلك، وخلال زيارة للبيت الأبيض، تخبرنا ديانا أنها انزعجت من تأكيد أوباما بأن ابنها كان أهم أولوية لديه، فردت عليه بأن أهالي الأسرى شعروا بأن الحكومة تخلت عنهم.

"مثال للأميركي الأبيض"

غير أن ديانا حولت حزنها إلى فعل، فضغطت على الحكومة حتى تحسن أداءها، وبذلك حسنت الإدارة الأميركية في عام 2015 من نهجها في التعامل مع حالات الأسرى، إذ أعلن أوباما أنه سمع تعليقات غير مقبولة من الأهالي عن تواصل الحكومة معهم، بعد ذلك شكل فريق لاستعادة الرهائن يقوده مكتب التحقيقات الفيدرالية، إلى جانب استحداث وزارة الخارجية لمنصب المبعوث الخاص.

بيد أن جوهر كتاب: "أم أميركية" الذي ألفه الأيرلندي كولوم ماكان يدور حول حديث ديانا مع كوتي، تلك الحوارات التي قامت بموجب اتفاقية التماس لتخفيف الحكم عن كوتي في عام 2021 بعدما أدين الشيخ في المحاكمة.

داخل قاعة الاجتماعات في إحدى المحاكم الفيدرالية بولاية فيرجينيا، طلبت ديانا من كوتي أن يصف لها رأيه بجيم، فرد عليها بالقول: "مثال للأميركي الأبيض" إلى جانب أنه ساذج ومتفائل. بيد أنها أخبرته بأنه كان باحثاً عن الحقيقة ومعلماً وصحفياً، وأضافت: "لو جمعتكما الأقدار في عالم آخر لأصبحتما صديقين".

ذكر كوتي تفاصيل عن حياته الشخصية هو أيضاً، وأخرج صوراً التقطت في مخيم للاجئين بسوريا لابنتيه وإحداهما ترتدي فستاناً أزرق والأخرى وردي، فتأثرت ديانا على الفور بجمال البنتين.

اعترف الرجل بدوره في أسر جيم بيد أنه ذكر بأن دوره كان محدوداً، كما اعترف بأنه لكمه وكتب له الرسالة التي قرأها جيم أمام الكاميرا قبل مقتله، وأضاف بأنه لم يحضر من أجل عملية القتل فحسب، كما أن لائحة الاتهامات لم تذكر بصراحة بأن هنالك أدوارا محددة للمتهمين في عمليات قتل الرهائن الغربيين، أي إن كل ما فعله كوتي هو ما وُجّه لفعله بوصفه جندياً في حرب.

وفي مرحلة من المراحل، فتح كوتي علبة مناديل ومسح عينيه وهو يصف مدى تأثره بما شاهده في فيلم وثائقي يتحدث عن حياة جيم على إحدى القنوات، وخاصة عندما رأى والده يبكي، وقال بأنه يحس بالأسى والأسف لأنه تسبب بإيلام تلك الأسرة.

لكنه ذكر أنه أراد لفولي أن يستوعب كيف وصل لتلك المرحلة من الاستياء، وسرد كيف قام في إحدى المرات بسحب بقايا رضيعة من تحت الركام الذي أحدثته غارة بمسيرة أميركية، ورثى لحال تلك الرضيعة التي لم يكترث لها أي أحد، ولم يقم أي مخرج بصناعة فيلم وثائقي عنها كما فعلوا مع جيم بما أن تلك الطفلة لم تكن بيضاء مثله.

حدث أول لقاءين على مدار يومين خلال شهر تشرين الأول عام 2021، أي بعد مرور أسابيع على إدانة كوتي، ثم عادت ديانا في الربيع الذي أتى بعد ذلك، أي قبل أسابيع على بدء تنفيذ حكم المؤبد بحقه، وذلك بعدما وصلتها منه رسالتان كتبهما بخط يده، وتحدث فيهما عن تعاطفه مع حزنهم وألمهم بوصفهم أسرة، لكنه أعرب عن تردده عندما عرف بأن شقيق جيم طيار لدى الجيش الأميركي، وذكر بأنه كره أن يتطرق لهذا الأمر خلال اجتماعاتهم الأولى.

كما ذكر بأنه تعذب وهو يحاول أن يفصل خطايا الحكومة الأميركية عما وصفه بـ"ردودنا المبنية على الضلالة والظلم تجاه هذه المظالم"، غير أنه أصبح اليوم يرى الأمور بوضوح أكبر.

في لقائهما الأخير، عاد كل منهما لموضوع الندم، فأخبرها بأنه كان يتمنى لو لم يقم بأشياء معينة طلبت منه، ودمعت عيناه وهو يتذكر نظرة جيم عندما ضربه في إحدى المرات.

ثم أخبرها بأن زوجته وطفلتيه غادرن مخيم اللاجئين وأصبحن يعشن في تركيا، وبأنه يأمل أن يتمكن في نهاية الأمر من قضاء حكمه في إنكلترا، عندئذ مدت ديانا يدها وصافحته، وذكرت بأنها قد تصلي من أجله، وتمنت له أن يعيش بسلام.

وبنهاية اللقاء الذي جمعهما معا، خيم الحزن بشكل واضح على القاعة التي كانا فيها، فأحس الجميع بطعم الخسارة حسبما وصفت، إذ خسرت هي ابنها، وخسر كوتي الذي يصغر ابنها بأعوام حريته وأهله وبلده دفعة واحدة.

ولهذا تعلق على الأمر بقولها: "بالنسبة لي كان ذلك مؤثراً إلى أبعد الحدود، غير أن تجربة إصغاء أحدنا للآخر برأيي خلقت فهماً أعمق بطريقة أو بأخرى".

 

المصدر: Associated Press