طوال عقود مضت، واصلت دول الشرق الأوسط استيراد أحدث الطائرات الحربية الأميركية بكميات كبيرة وبأعداد حطمت الأرقام القياسية في بعض الأحيان.
فقد اشترت السعودية 84 طائرة إف-15 بمبلغ 60 مليار دولار عام 2017 ضمن أكبر صفقة أميركية لبيع الأسلحة لدولة أجنبية، وفي عام 2021، اشترت الإمارات بمبلغ 19 مليار دولار 80 طائرة داسو رافال، لتصبح تلك أكبر صفقة أجنبية لشراء هذا النوع من الطائرات.
يوجد في هذه المنطقة ثاني وثالث ورابع أكبر أسطول في العالم من طائرات إف-16، ولدى إسرائيل أسطول كبير ومتوسع من طائرات الشبح إف-35.
هذا وتظهر الصفقات المحتملة مع تركيا والعراق وإيران ومصر بأن هذا التوجه لن يتغير في المستقبل القريب، إذ على الرغم من أن هذه الصفقات لم تسجل أي رقم قياسي، إلا أنها ما تزال تخلف أثراً عميقاً على مشتريها في المنطقة.
طائرات فايبر التركية
طائرة إف-16 تركية- تاريخ الصورة: آب 2021
خططت تركيا منذ أمد بعيد لاقتناء 100 طائرة من نوع إف-35 لتستعيض بها وبالتدريج عن 270 طائرة من نوع إف-16، والتي تعتبر العمود الفقري لقواتها الجوية، إلا أن الولايات المتحدة أخرجت أنقرة من برنامج إف-35 بعدما اشترت الأخيرة منظومة الدفاع الجوي إس-400 الروسية.
اقترحت أنقرة بديلاً في عام 2021 يمنح تركيا 40 طائرة من أحدث طائرات إف-16 المعروفة باسم فايبر، إلى جانب 79 صندوق معدات للتحديث وذلك لتجدد الأسطول الموجود لديها، بيد أن هذه الصفقة قوبلت بمعارضة شديدة من النواب الأميركيين.
كانت أنقرة قد بدأت بتحديث 35 طائرة من طائرات إف-16 القديمة لديها بموجب برنامج أوزغور للتحديث، والذي يشتمل على تزويد تلك الطائرات بأجهزة حاسوب وطيران للقيام بمهامها، وتخطط تركيا أيضاً لتزويد طائراتها برادار مراد الذي طورته لديها.
ولكن، على الرغم من النجاحات التي حققها برنامج أوزغور، من المرجح لأنقرة أن تظل بحاجة لمعدات التحديث ولطائرات إف-16 جديدة لضمان حداثة أسطولها خلال العقد المقبل، كما تنتظر الجيل الخامس المطور لديها من الطائرات الحربية التي تعرف باسم تي إف كان.
أردوغان في قمرة القيادة ضمن طائرة تي إف كان
هذا ويعارض النواب الأميركيون بيع طائرات إف-16 لتركيا، ويعود أهم سبب لذلك إلى سلوك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الداخل، ونظراً لاستهدافه قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المتحالفة مع أميركا في سوريا، وتهديده لليونان، ومنعه للسويد من دخول حلف شمال الأطلسي على الصعيد الخارجي.
إلا أن تراجع أردوغان عن منع السويد من دخول حلف شمال الأطلسي في 10 تموز الحالي قد ينهي هذا الطريق المسدود، وهذا ما دفع إدارة بايدن للتصريح في اليوم التالي لذلك عن عزمها على المضي قدماً في صفقة بيع طائرات إف-16، كما أجرى السيناتور بوب مينينديز، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ سبق أن عارض بشدة تلك الصفقة، محادثات مع الإدارة الأميركية، لذلك قد يسحب اعتراضاته قريباً، على الرغم من سعيه لانتزاع تنازلات أخرى من أنقرة.
وفي حال المضي قدماً بالاتفاقية، ستصبح تلك أكبر صفقة لبيع الأسلحة منذ أن بدأت العلاقات الأميركية-التركية بالتدهور قبل عقد من الزمان.
من المهم بالنسبة لأنقرة التي لم تحصل على أية طائرة جديدة من طائرات إف-16 منذ عام 2012، أن تتمم تلك الصفقة لتحصل على طائرات إف-16 حديثة لابد لها أن تسد الثغرة في سلاحها الجوي إلى أن تحصل على طائرات تي إف كان، على الرغم من أن أحداً لا يرجح لتلك الطائرات أن تكون متطورة كطائرات إف-35.
طائرات الفلانكر الإيرانية
فلاديمير بوتين برفقة إبراهيم رئيسي
وصلت العلاقات العسكرية بين إيران وروسيا إلى مستويات جديدة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ خلال العام الماضي، فقد استنزفت الحرب الترسانة الروسية وأجبرتها على البحث عن جهات جديدة لتمدها بالسلاح، ومن جانبها، قدمت لها إيران مسيرات وذخائر، ووضعت أسطولها المدني سواء الجوي أو البحري تحت خدمة روسيا لتنقل الأسلحة عبر بحر قزوين.
ولهذا أعلن البيت الأبيض في كانون الأول الماضي عن ظهور معلومات استخبارية تشير إلى أن إيران ستحصل على طائرات سوخوي-35 من نوع فلانكر من روسيا خلال وقت ما من هذا العام، وبما أنه لم يتضح عدد الطائرات التي ستصلها، يرى البعض بأن موسكو ستبدأ بتسليم نحو عشرين طائرة من نوع سوخوي-35 تم تصنيعها لصالح مصر.
وفي الوقت الذي تصنف فيه طائرات سوخوي-35 على أنها رابع أحدث جيل من الطائرات الحربية، نجد بأنها تفتقر للميزات الأساسية الموجودة في هذا النوع من الطائرات، وعلى رأسها الرادار المتطور AESA.
لم تستورد إيران الجيل الرابع من الطائرات الحربية منذ أن اشترت طائرات ميغ-29 من الاتحاد السوفييتي عام 1990، لهذا فإن معظم طائراتها تعود لحقبة ما قبل عام 1979، وذلك عندما كانت إيران حليفة للولايات المتحدة وحصلت على أسطول كبير من طائرات إف-15، لتصبح بذلك المشغل الأجنبي الوحيد لهذا النوع من الطائرات.
طائرة إف-14 الإيرانية في عرض عسكري بطهران في نيسان 2012
لا يدري أحد متى ستستلم إيران طائرات فلانكر الحديثة، نظراً لظهور تصريحات متناقضة عبر الإعلام الإيراني بخصوص ذلك.
إذ في شهر كانون الثاني الماضي، عبر أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني عن تفاؤله حيال حصول إيران على تلك الطائرات في المستقبل القريب، أي بعد حلول رأس السنة الفارسية الموافق لـ21 آذار، ولكن في أيار الماضي، زعم تقرير بأن تلك الطائرات ستصل في غضون أسبوع.
وجاءت تصريحات وزير الدفاع الإيراني لتدندن النغمة ذاتها، إذ في 6 آذار، عبر الرجل عن تفاؤله حيال تسليم الطائرات، بيد أنه خفف من غلواء هذا التفاؤل في 28 أيار، عندما ذكر بأن المفاوضات حول صفقة الشراء كانت في أغلبها تكهنات، وبعض الصفقات تحتاج لسنين حتى تتم عملية التسليم.
طائرات رافال العراقية
جنود فرنسيون وهم يعملون على طائرة رافال في قاعدة بالخليج العربي خلال العمليات المناهضة لتنظيم الدولة في تشرين الثاني 2015
دخل العراق في مفاوضات للحصول على 14 طائرة من نوع رافال، ضمن صفقة قد تبدو الأولى من نوعها بالنسبة لبغداد التي شرعت بشراء طائرات حربية من فرنسا منذ أن طلب منها نظام صدام حسين 133 طائرة ميراج خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وخلال السنوات التي تلت عام 2003، أي في الفترة الذي كان فيها سلاح الجو العراقي يعاني ليستعيد وضعه في خضم حرب العراق ومحاربة تنظيم الدولة، كانت أهم صفقة قامت بها بغداد لشراء الطائرات هي عندما اشترت 36 طائرة إف-16 الأميركية، على الرغم من شرائها لأسطول متواضع من طائرات تي-50 التدريبية من كوريا الجنوبية وطائرات إل-159 التشيكية الخفيفة.
حصل العراق على أول دفعة من طائرات إف-16 عام 2015، فأصبحت تلك الطائرات عماد سلاحه الجوي، ولكن في غضون خمس سنوات احتاجت الطائرات لصيانة دائمة وظهرت فيها مشكلات تقنية شككت بمستقبلها، ومع ذلك، وخلال الشهور القليلة الماضية، أصبحت تلك الطائرات أهم طائرات عراقية في عمليات الإغارة على فلول تنظيم الدولة، ويعود أحد أسباب ذلك للحرب على أوكرانيا التي منعت روسيا من تزويد العراق بالقطع التي يحتاجها لإصلاح مروحياته روسية الصنع.
طائرة إف-16 العراقية في تموز 2015
لا يرجح أحد للعراق أن يطلب طائرات رفال لرفد أسطوله الكبير من طائرات-16 في عمليات الإغارة على المقاتلين الموجودين على الأرض، ولكن المرجح لبغداد أن تسعى للحصول على تلك الطائرة الفرنسية الأنيقة لإضافتها لسلاح الجو لديها.
سبق للعراق أن توجه لفرنسا بهدف الحصول على رادار طويل المدى، ليدشن بذلك أول طائرة من نوع تاليس غراوند ماستر 403 في أيلول، ولعل ذلك ملائم جداً للظروف، بما أن منظومة الدفاع الجوي المتكاملة التي بنتها فرنسا لصالح العراق في أواخر ثمانينيات القرن الماضي قد دُمرت في حرب الخليج.
في الوقت الذي تبدو فيه طائرة إف-16 قادرة على القتال في مجال الدفاع الجوي، لم تقم الولايات المتحدة ببيع صواريخ إيه آي إم-120 جو-جو للعراق، وبالتالي، قد يأمل العراق عبر توجهه لفرنسا بالحصول على طائرات حربية قادرة على الدفاع الجوي ومزودة بصواريخ ميتيور جو-جو، ليعزز إمكانياته المحدودة في مجال الدفاع الجوي.
طائرات إيغل المصرية
طائراتان مصريتان من نوع ميغ-29 تابعتان لسلاح الجو المصري في تدريبات بالسودان في أيار 2021
منذ أن عقدت مصر سلاماً مع إسرائيل عام 1979 تحولت إلى زبون دائم لدى الولايات المتحدة في شراء السلاح، فأصبح لديها عدد كبير من طائرات إف-16 ومروحيات إيه إتش-64 الهجومية، ودبابات إم1.
وبالمقابل، لم يُسمح لمصر بشراء طائرات إف-15 من نوع إيغل على الرغم من موافقة الولايات المتحدة على فكرة بيعها، إذ باعتها الولايات المتحدة للسعودية وقطر على الرغم من أن كلتا الدولتين لم تقيما أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وفي عام 2002، توصلت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مجموعة من التفاهمات تتصل بصفقات بيع الأسلحة الأميركية لمصر، ومن بينها منع مصر من شراء طائرات إف-15.
في الوقت الذي حصلت فيه مصر أخيراً على طائرات إف-16، وأصبح أسطولها الجوي اليوم يصنف كرابع أكبر أسطول في العالم، إلا أنها لم تحصل أبداً على طائرات إيه آي إم-120، وهذا ما حد إمكانياتها في الدفاع الجوي إلى حد بعيد.
وبما أنها حرمت من الحصول على طائرات إف-14 لنحو أربعين سنة، توجهت مصر إلى روسيا، فطلبت شراء أربعين طائرة ميغ-29 بمبلغ ملياري دولار في عام 2014، ثم اشترت عشرين طائرة سوخوي-35 بمبلغ ملياري دولار في عام 2018. وبما أن الطائرات الروسية لا يمكنها تبادل المعلومات والبيانات مع الطائرات المصرية المصنوعة في الولايات المتحدة، لذا تأمل القاهرة أن تتمكن طائراتها من العمل كسلاح جو ضمن سلاح جو آخر، لتعوض ولو بشكل جزئي عن النقص في إمكانياتها المحدودة في مجال الدفاع الجوي.
طائرة إف-16 المصرية خلال تدريبات جرت في شمالي مصر في أيلول 2021
ومنذ ذلك الحين خرجت مصر من صفقة سوخوي-35، ولعل السبب الأرجح في ذلك يعود إلى التلويح بالعقوبات الأميركية وللحرب الروسية على أوكرانيا التي تسببت بأضرار على صادرات السلاح الروسي.
لحسن الحظ، ترتبت على ذلك فرصة كبيرة لمصر للحصول أخيراً على طائرات إف-15، إذ في آذار من عام 2022، ذكر فرانك ماكينزي الذي ترأس القيادة الأميركية الوسطى في ذلك الحين، ذكر أنه يرى بأن: "الخبر المفرح بالنسبة لنا هو أننا سنزودهم بطائرات إف-15 بعد طول عناء".
بيد أن موافقة إسرائيل على أي صفقة مصرية لشراء طائرات إف-15 تعتبر حاسمة، لكنها ستوافق على الأرجح، إذ بدأت إسرائيل بالحصول على طائرات إف-35 الأكثر تطوراً منذ عام 2016، وتقدمت بطلب جديد لشراء 25 طائرة أخرى منها، وهكذا سيصبح لديها 75 طائرة شبح في الوقت الذي ستحصل فيه القاهرة على أول دفعة من طائرات إف-15.
ما تزال طائرات إف-15 تعتبر من أعلى الطائرات الحربية تفوقاً في مجال الحرب الجوية بعد 50 عام على دخولها الخدمة، ولهذا فإن حصول مصر على أي عدد من تلك الطائرات يعتبر أمراً جديراً بالملاحظة، بما أن القاهرة انتظرت دهراً لتحصل عليها.
المصدر: Business Insider