أعلن فصيل "أنصار التوحيد" العامل في إدلب والأرياف المحيطة بها، استقلاله الكامل وفك ارتباطاته بكل الكيانات الداخلية والخارجية، ومن بينها غرفة عمليات "وحرض المؤمنين" الذي كان منضوياً فيها.
وقال الفصيل في بيان يوم أمس الأحد، "نعلن ونبين للأمة عامة وأهلنا في الشام خاصة بأن هدفنا هو قتال العدو الصائل، وأننا جماعة مستقلة لا تربطنا بيعة تنظيمية خارجية أو داخلية وسرية كانت أو علنية".
فصيل "أنصار التوحيد" المقدّر عدده - بحسب مراقبين للجماعات الجهادية في سوريا -، بنحو 700 -900 عنصر، أكد في بيانه على أنه لا ينضوي مع أي غرفة عمليات وليس له تحالف مع أي جماعة أو فصيل، وأن أي "حلف" أبرمه في السابق فإنه "في حلٍّ منه".
وأشار البيان إلى أن معارك "أنصار التوحيد"، "قائمة على الاستقلالية أو بالتنسيق مع بعض الفصائل".
مَن هو "أنصار التوحيد"؟
في تشرين الأول من عام 2016 شنّت فصائل المعارضة وحركة أحرار الشام الإسلامية هجوماً ضد تنظيم "جند الأقصى"، لاتهامه باغتيال وتصفية عدد من قيادات المعارضة، وانتهى الهجوم باتفاق بين أحرار الشام وجبهة فتح الشام (هيئة تحرير الشام حالياً)، يقضي بانضمام تنظيم جند الأقصى لجبهة فتح الشام، في التاسع من تشرين الأول 2016.
وتجددت الاشتباكات بين "جند الأقصى" وفصائل المعارضة في كانون الثاني 2017، لعدم التزام "الجند" باتفاق انضمامها لجبهة فتح الشام، وأعلنت جبهة فتح الشام في 23 كانون الثاني 2017 فكّها بيعة "جند الأقصى" لها، بحجة "عدم انصياع الجند لأي من بنود البيعة".
وفي السابع من شباط 2017 شنت مجموعات جند الأقصى الرافضة لبيعة جبهة فتح الشام والتي أطلقت على نفسها اسم "لواء الأقصى" الذي اتُّهم حينها بأنه مبايع لتنظيم الدولة، هجوماً على مقار فصائل الجيش الحر في ريف حماة الشمالي بغية تحويلها إلى منطقة سيطرة مطلقة للاحتماء من هجمات الفصائل، وتجميع كتائبه في هذه المنطقة، واعتقل التنظيم العشرات من عناصر الجيش الحر المرابطين في نقاط التماس مع قوات النظام وأعدم عدداً منهم.
ونتيجة لاستمرار خروق "لواء الأقصى" للاتفاقات واستمرار "بغيه" على الفصائل وتكفيرها جميعاً، أعلنت هيئة تحرير الشام في 13 شباط 2017 ببيان صادر عنها عن بدء عملياتها العسكرية ضده.
وفي منتصف شباط 2017 وبعد بدء المعارك بين هيئة تحرير الشام ولواء الأقصى، ارتكب الأخير مجزرة بحق نحو 70 مقاتلاً من فصائل المعارضة في منطقة الخزانات بالقرب من مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي.
وبعد 5 أيام من الاشتباكات العنيفة بين هيئة تحرير الشام ولواء الأقصى في أرياف حماة وإدلب، ومقتل العشرات من الطرفين، توصّل الفصيلان إلى اتفاق يقصي بالسماح لعناصر اللواء بالخروج باتجاه مناطق سيطرة تنظيم الدولة حينها في الرقة بسلاحهم الخفيف فقط، وإطلاق سراح الأسرى لدى الطرفين.
وفي آذار من عام 2018 أعلنت المجموعات التي كانت منضوية ضمن تنظيم "جند الأقصى" في بلدة سرمين عن تشكيل فصيل "أنصار التوحيد" في الفترة التي شهدت عمليات اغتيال وخطف وتفجيرات استهدفت فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام وأيضاً وصول عدد من الهاربين من عناصر تنظيم الدولة إلى مناطق المعارضة بعد خسارة التنظيم لمساحات واسعة لصالح قسد والتحالف الدولي.
وفي أواخر نيسان من عام 2018، أعلن تنظيم "حرّاس الدين" التابع لـ تنظيم "القاعدة" وفصيل "أنصار التوحيد"، اندماجهما ضمن حلف واحد حمل اسم "حلف نصرة الإسلام".
وذكر بيان مشترك لـ"التنظيمين" نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هدف اندماجهما "إقامة دين الله تعالى، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ودفع العدو الصائل"، وذلك مِن "باب التعاون على البر والتقوى"، طبقاً للبيان.
وشكّل "أنصار التوحيد" مع كل من تنظيم حراس الدين وجبهة أنصار الدين وجبهة أنصار الإسلام، غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، في تشرين الأول 2018، وأعلنت الفصائل رفضها لاتفاق سوتشي في أيلول 2018، بخصوص إنشاء منطقة منزوعة السلاح.
دلالات "بيان الاستقلالية المطلقة" لأنصار التوحيد
يفسر الباحث السوري أحمد أبازيد والمتابع لملف التنظيمات الجهادية في سوريا، الغاية من صدور بيان "أنصار التوحيد" في هذا التوقيت، بأنه إعلان انتهاء التحالف مع تنظيم "حراس الدين" التابع لتنظيم القاعدة، واللذين تجمعهما غرفة عمليات وحرض المؤمنين و"حلف نصرة الإسلام".
وأشار أبازيد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن هذين التنظيمين هما آخر فصيلين يمثلان التيار السلفي الجهادي في سوريا، إلا أن خلافات وقعت بينهما كان آخرها الموقف من التدخل التركي في إدلب، والذي ظهر في تصريحات المنظرين الجهاديين مثل أبو محمد المقدسي وأبو محمود الفلسطيني وغيرهم، حيث يعتبر في أدبيات الجماعات الجهادية أن الجيش التركي هو جيش "علماني وكافر" ويجب مواجهته.
وبعد هذه الخلافات، وجدت الجماعات الجهادية نفسها في موقف حرج، فهي بحسب أبازيد غير قادرة على مواجهة الجيش التركي وتخشى من هجوم تحرير الشام عليها، ولذلك فإن الهدف من بيان "أنصار التوحيد"، هو إعلان استباقي لعدم وجود أي روابط وتحالفات مع تنظيم "حراس الدين" الذي قد يشهد هجوماً من قبل هيئة تحرير الشام. وبالتالي فهم غير معنيين بالدفاع عن "حراس الدين" في تعرضه لأي هجوم.
ويرجّح أبازيد سيناريو هجوم تحرير الشام على تنظيم حراس الدين، لأن قائد الهيئة أبو محمد الجولاني قد يقوم في إطار إعادة تقديم نفسه وكسب الشرعية، بالتضحية بهذه الجماعات والهجوم عليها، وليظهر أنه مشارك في "الحرب على الإرهاب"، وتنظيم حراس الدين هو الهدف الأبرز باعتباره الممثل الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا.
وأوضح أبازيد أن تنظيم "حراس الدين" يعتبر بالمجمل من القيادات السابقة لجبهة النصرة ومَن عملوا مع الجولاني ثم انشقوا عنه بسبب تحولات الجولاني البراغماتية ويعتبر في واجهة الجماعات الجهادية المتبقية باعتباره الممثل الرسمي لتنظيم القاعدة.
هل ستهاجم هيئة تحرير الشام الفصائل الأكثر تشدداً في إدلب؟
أعلنت هيئة تحرير الشام في الـ 16 من الشهر الجاري تشكيل 3 ألوية جديدة "لواء طلحة بن عبيد الله" بقيادة المدعو "أبو حفص بنش"، "لواء الزبير بن العوام" بقيادة المدعو "أبو محمد شورى" و"لواء علي بن أبي طالب" بقيادة المدعو "أبو بكر مهين"، وقالت إن هذه الخطوة "تنسجم مع تحضيرات القوى الثورية في الساحة لاستحقاقات المرحلة القادمة"، بحسب تعبير مكتب العلاقات الإعلامية في الهيئة.
تحركات الجولاني وقيادة الهيئة المتسارعة بعد اتفاق موسكو في الخامس من آذار الفائت، تسعى إلى عدم ترك انطباع بتزعزع أركان الهيئة وكذلك ضبط البيت الداخلي للتنظيم بعد انشقاق القيادي جميل زينية (أبو مالك التلي) وبسام صهيوني رئيس مجلس الشورى العام التابع لتحرير الشام، في السابع من الشهر الجاري.
ومن غير المستبعد أن يرحّل الجولاني مشكلات بيته الداخلي، وأيضاً أن يحقق مكسباً سياسياً يحافظ على وجوده ضمن "إدلب القادمة"، وذلك عبر تنفيذه مهمة القضاء على التنظيمات الأصغر والأكثر تطرفاً والمتهمة بالوقوف وراء التفجير الذي أودى بحياة 3 جنود أتراك في الـ 20 من آذار الفائت قرب بلدة محمبل بجبل الزاوية.
وتوجهت أصابع الاتهام إلى الفصائل المنضوية في غرفة عمليات "وحرض المؤمنين"، وعلى رأسها تنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة، وسبق الهجوم على الدورية التركية في محمبل، تسجيل بثته حسابات مناصرة لتنظيمي حراس الدين وأنصار التوحيد، يظهر عناصر من التنظيمين على الطريق الدولي M4، هددوا فيه القوات التركية والروسية، وتلا البيان عنصر من حراس الدين ينحدر من بلدة حاس التي انسحب منها قبل سيطرة النظام عليها بساعات، بحسب مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا.
ويرى الصحفي عقيل حسين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا قبل أيام، أن تحرير الشام "أثبتت باستمرار براغماتية بلا حدود"، ولا يستبعد أن تقدم الهيئة على تفكيك هذه الفصائل الأكثر تشدداً "مقابل مكسب سياسي مُغرٍ، مثل أن يتم رفعها من لوائح الإرهاب أو أن تحظى بعلاقات طبيعية مع المحيط الإقليمي ليعترف بها".
وأكد أن الهيئة هي الأكثر قدرة على استئصال هذه الجماعات التي لا تخفي عداءها الشديد لتحرير الشام، وبعضها يكفّر الهيئة، إلا أنها تفضل استمرار وجود هذه الجماعات كورقة مساومة مع تركيا والدول الفاعلة في الملف السوري، بحيث تبقي على الحاجة إليها قائمة من خلال التأكيد على أنها الوحيدة القادرة على تفكيك هذه الجماعات بالشكل الذي لا يمكن لبقية الفصائل المتحالفة مع تركيا فعله.
وفي حال أقدمت تحرير الشام على هذه الخطوة سواء باتفاق ما مع تركيا أو ببادرة منها لإظهار أنها الجسم الوحيد القادر على ضبط المنطقة أمنياً وإدارياً، فإنها ستواجه تحديات ما بعد ذلك مثل العمليات الانتقامية من خلايا هذه التنظيمات ضد عناصر الهيئة، وإصرار تركيا على اجتثاث الهيئة، لأنه لا يمكن أن يتم تأمين الطريقين الدوليين إلا بالقضاء الكامل على أي تنظيم يغرد خارج السرب التركي في إدلب، فلا يمكن حماية الطريق الدولي M4 تحديداً من أي هجمات عليه بحكم التضاريس التي تساعد على ذلك.