إذا استمر النظام السوري في تصعيده العسكري في ريفي حماة وإدلب بالاعتماد على سلاح الجو السوري فإن 3 ملايين سوري على الأقل لن يجدوا "شمالاً" مكانا يذهبون إليه بسبب إغلاق الحدود السورية – التركية بشكل كامل وهو ما يجعل مصير السوريين النازحين لأكثر من مرة والمتمركزين في إدلب أشبه بدفعهم نحو الموت المحتم، فطريقة تعامل النظام السوري مع المعارضة المسلحة التي قبلت شروط المصالحة في درعا والغوطة الشرقية تدفعهم إلى القول إن القتال حتى الرمق الأخير هو الحل الوحيد، كما أن هيئة تحرير الشام التي غيرت اسمها من تنظيم القاعدة ليس لها مكان آخر لتذهب إليه فمبرراتها للقتال حتى النهاية تقودها لخوض معركتها الأخيرة بغض النظر عن تكلفتها.
إذا كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون وصف معركة حلب في عام 2016 بأنها جهنم على الأرض فإن معركة إدلب ستكون جهنم الحقيقية
وإذا كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون وصف معركة حلب في عام 2016 بأنها جهنم على الأرض فإن معركة إدلب ستكون جهنم الحقيقية بسبب التكلفة العالية على المدنيين ولجهة التكاليف البشرية الهائلة التي ربما يدفعها المدنيون السوريون الذين لا يريدون العودة لحكم الأسد بأي شكل من الأشكال وليس هناك من أي سبب يدفع تركيا لاستقبال هذا العدد الهائل من الموجات البشرية من النازحين السوريين واللاجئين ولذلك فتأمل السيناريوهات المعدة لمعركة إدلب كلها تقود إلى خيارات كارثية بالنسبة لسوريا والسوريين، ويبقى الحل الوحيد أن تستجيب إدارة ترامب لرسالة أعضاء الكونغرس الأمريكي عبر الانخراط الأكبر في الملف السوري ولعب دور قيادي في ربط قضية الانتقال السياسي بملف إنهاء المنظمات الإرهابية، تغريدات التويتر وحدها لن تحل الأزمة السورية فهي تتطلب نوعا من الجهود الدولية لتنسيق الأدوار الدولية وممارسة الضغوط القصوى على روسيا التي من شأن رعايتها للنظام السوري أن تتوقف عند حد وأن تضع نهاية للمأساة السورية ليس عبر ترحيل ملف إدلب لأيام أو شهور أخرى وإنما حل سياسي يعيد السوريين إلى سوريتهم وينهي معاناة النزوح واللجوء وينهي كابوس النظام السوري في الاعتقال والتعذيب الذي لم يتوقف للحظة واحدة وفق تقارير المنظمات الدولية التي كشف تقاريرها الأخيرة عن وفاة الآلاف في معتقلات الأسد.
وحسنا فعل الرئيس ترامب بتغريدته الأخيرة عن وقف العملية العسكرية في إدلب محذرا النظام السوري وروسيا، لكن لن يكون لهذه التغريدة أي معنى إذا لم يقم الرئيس الأمريكي بمجموعة فاعلة من الضغوط السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية عبر الاستفادة من وجود القوات الأمريكية المتبقية هناك.
كما أن الدور الأمريكي من شأنه أن ينسق ويعيد جهود التوازن الإقليمي في المشرق العربي بعد اختلاله بشكل كبير لصالح الطرف الإيراني على حساب الدول العربية حيث باتت إيران بمثابة الكاسب الأكبر لهزيمة داعش في العراق وسوريا، وهو ما يعمق من بزوغ وتعميق الصراع الطائفي السني – الشيعي بدل أن تقود جهود هزيمة داعش إلى مصالحة واستقرار مجتمعي طويل المدى.
يبقى الحل الوحيد أن تستجيب إدارة ترامب لرسالة أعضاء الكونغرس الأمريكي عبر الانخراط الأكبر في الملف السوري ولعب دور قيادي في ربط قضية الانتقال السياسي بملف إنهاء المنظمات الإرهابية
ولذلك يجب أن تفكر الإدارة الأمريكية في الملف السوري من منظور أبعد من تحمل التكاليف الهائلة للكارثة الإنسانية في سوريا وتنظر إلى الحل النهائي للمسألة السورية من باب استعادة التوازن الاستراتيجي الإقليمي الذي سيزداد سعيره ما دامت إيران قادرة على ضم محور كامل لها يبدأ من العراق وسوريا ولبنان وغير قادرة على إعادة التوازن عبر حل سياسي يضمن الانتقال الكامل للسلطة في سوريا إلى مؤسسات ديمقراطية منتخبة، وهو ما يتقاطع مع ما أشار له وزير الخارجية بومبيو في خطابه الذي ركز على سياسة إيران في منطقة الشرق الأوسط والحد من نفوذها الإقليمي فسوريا اليوم تمثل خطاً فاصلا لتوسع أو انحسار هذا النفوذ.
وتكشف معركة إدلب الحالية مدى قدرة الولايات المحدود على تغيير مسار الأمور في سوريا فالرئيس ترامب يشعر أن الاستثمار في سوريا قضية خاسرة بكل الأحوال، ولذلك وللأسف ربما لن يذهب أبعد من التغريد عبر التويتر في حين أن مصير الملايين من السوريين في الشمال على المحك.
وهو ما يدفع السوريين في الخارج وخاصة الولايات المتحدة لبذل المزيد من الجهود بهدف إقناع الكونغرس والإدارة الأمريكية بالتدخل بطريقة استراتيجية لضمان الحل السياسي وليس فقط التعويل على "النصائح" التي لن يستمع لها لا الجانب الروسي وبالتأكيد ليس نظام الأسد الذي أصبح أكثر شراسة ودموية منذ التدخل الروسي في سبتمبر 2015 حيث أمده هذا التدخل بالكثير من القوة والثقة أنه محمي على مستوى مجلس الأمن ومحمي على الأرض في حين انسحبت الولايات المتحدة من الملف السوري نهائيا لتصبح مجرد مراقب يبدي ملاحظاته التي لا يستمع لها في الكثير من الأحيان.