قررت ألمانيا، أمس الأربعاء، طرد دبلوماسيَين روسيَين بعد أن حكم القضاء في برلين على روسي بالسجن مدى الحياة لإدانته بقتل معارض شيشاني بأمر مباشر من موسكو.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، "أبلغنا السفير (الروسي في ألمانيا) بأن اثنين من دبلوماسيي سفارة روسيا أُعلنا شخصين غير مرغوب فيهما"، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأكدت الوزيرة الألمانية الجديدة، التي تعهّدت اعتماد نبرة أكثر صرامة من حكومة أنغيلا ميركل السابقة حيال روسيا، على أن هذه الجريمة التي ارتكبت في وضح النهار في برلين، شكلت "مساساً خطيراً بسيادة الدولة الألمانية".
من جانبها، نددت روسيا التي تنفي باستمرار أي تورط لها في العملية، بالحكم الذي قد يرفع مستوى التوتر الدبلوماسي مع ألمانيا، معتبرة أنه "قرار سياسي".
وقال السفير الروسي في ألمانيا، سيرغي نيتشاييف، "نعتبر أن هذا الحكم ليس موضوعياً، إنه قرار سياسي يسيء بشكل خطير إلى العلاقات الروسية - الألمانية الصعبة أساساً".
قضية كافتاراشفيلي
وتتهم السلطات الألمانية روسيا بالوقوف خلف مقتل الزعيم السابق للانفصاليين الشيشان، والذي قاتل في القوات الروسية بين عامي 2000 و2004، ويعيش حالياً مع عائلته في ألمانيا منذ العام 2016، حيث تقدم بطلب للحصول على اللجوء.
وقُتل تورنيك كافتاراشفيلي، 40 عاماً، بثلاث رصاصات في وضح النهار في قلب العاصمة الألمانية في العام 2019، في قضية صعّدت من حدة التوتر في العلاقات المتوترة أصلا بين روسيا وألمانيا.
واتّهمت المحكمة مباشرةً السلطات الروسية بأنها "أعطت الأمر للمتّهم بتصفية الضحية"، وفق رئيس محكمة أولاف أرنالودي.
وكان قد سافر منفّذ الجريمة، الذي قال المدّعي إنه "قائد في وحدة خاصة من جهاز الاستخبارات الروسية"، من موسكو إلى باريس ثمّ إلى وارسو ووصل أخيراً إلى برلين.
وجرت الوقائع في وقت الغداء عندما اقترب القاتل على دراجة من ضحيته وأطلق النار مرتين بمسدس كاتم للصوت، قبل أن يقضي عليه نهائياً برصاصة من مسافة قريبة في رأسه، وفق المدعي العام.
وطوال محاكمته، نفى المتهم الهوية التي نسبتها إليه النيابة، مشيراً إلى أنه "لا يعرف أحداً باسم كراسيكوف"، مؤكداً أنه يُدعى فاديم سوكولوف، 50 عاماً، وأنه "روسي أعزب ومهندس إنشاءات".
وعند إصدار الحكم، أكد رئيس محكمة أولاف أن الضحية قتل "بدم بارد"، فيما حرم القضاة المُدان من إمكانية طلب الإفراج المشروط بعد 15 عاماً.
العلاقات الصعبة
لطالما نفى الكرملين بشدة تورطه في اغتيال تورنيك كافتاراشفيلي، إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين وصف الضحية بأنه "مقاتل قاس ودموي"، وأكد أنه طلب استرداده لكن برلين نفت ذلك.
وطردت ألمانيا نهاية العام 2019 دبلوماسيين روسيين احتجاجاً على عدم تعاونهما في إجراء ردت عليه موسكو بإبعاد اثنين من الدبلوماسيين الألمان.
وأثار اغتيال كافتاراشفيلي وقضية تسميم المعارض للكرملين، أليكسي نافالني، الذي تمت معالجته صيف العام 2020 في العاصمة الألمانية قبل سجنه في روسيا، مثل الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا في العام 2018، شكوكاً جدية بشأن دور لقوات الأمن الروسية في عمليات عنيفة.
إلا أن التورط الروسي لم يتم إثباته حتى الآن في هذه القضايا، فيما ينفى الكرملين دائما أي مسؤولية له.
وتضاف هذه القضايا إلى العديد من الخلافات الدبلوماسية بين برلين وموسكو منذ الهجوم على مجلس النواب الألماني "بوندستاغ" في العام 2015، والذي نسب إلى روسيا.
وقبل أسبوعين من الانتخابات التشريعية الألمانية، في 26 من أيلول الماضي، فتح النظام القضائي أيضاً تحقيقاً في تجسس إلكتروني لنواب ألمان تشتبه برلين بوقوف الكرملين وراءه.
كما أن هناك العديد من الخلافات الجيوسياسية بين ألمانيا وروسيا، مثل الوضع في سوريا، وضم شبه جزيرة القرم، والنزاع المسلح في شرق أوكرانيا.
وفي إشارة إلى الصرامة القادمة من ألمانيا تجاه روسيا، حذّر المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتس، الأسبوع الماضي من أن موسكو ستدفع "ثمناً باهظاً" في حال هجمت القوات الروسية على الحدود الأوكرانية.