في كارثة هي الأكبر في تاريخ ليبيا منذ 4 عقود، كان ليلة الإثنين عصيبة جداً على سكان مدينة درنة في شرقي ليبيا، بعد أن جرف السيل أحياء كاملة نحو البحر، وسط تقارير تتحدث عن آلاف القتلى والمفقودين من جراء العاصفة التي أطلق عليها اسم "دانيال".
بدأت العاصفة على سواحل اليونان ثم تحركت من هناك باتجاه سواحل البحر الأبيض المتوسط واصلة إلى ليبيا، في إحدى الظواهر النادرة التي رافقت سقوط الأمطار خلال 24 ساعة.
وبلغت قوة الرياح 70 كيلومتراً في الساعة، حيث استهدفت العاصفة مدن الساحل الشرقي الليبي، في مقدمتها درنة والبيضاء وتكنس والمرج وأجزاء من بنغازي وما يحيط بهذه المدن من قرى ومناطق.
مدينة منكوبة
وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي دماراً هائلاً في مدينة درنة، ما دفع الحكومة الليبية لإعلانها منطقة منكوبة، في الوقت الذي قال فيه وزير الطيران المدني في الحكومة الليبية المعينة من قبل البرلمان وعضو لجنة الطوارئ، هشام شكيوات، الثلاثاء، إن ربع مدينة درنة قد اختفى، بعد إعصار دانيال، الذي تسبب في خسائر كارثية.
وأضاف الوزير الليبي أنه لا توجد حصيلة إجمالية للقتلى في درنة، مشيراً إلى أنه "تم انتشال أكثر من ألف جثة في مدينة درنة بعد السيول.. الأمر كارثي للغاية"، بحسب رويترز.
وتابع أن "عدد القتلى كبير وكبير جداً، والجثث في كل مكان"، مبرزاً "لا أبالغ عندما أقول إن 25% من المدينة قد اختفى.. العديد من المباني انهارت".
ومساء الإثنين، خلال اجتماع طارئ لمجلس الوزراء في غربي البلاد بثه التلفزيون أعلن الدبيبة "الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام"، مؤكداً "وحدة جميع الليبيين" في مواجهة هذه الكارثة.
ووصف مسؤول في المجلس البلدي لمدينة درنة الوضع بأنه "كارثي" و"خارج عن السيطرة" ويتطلب "تدخلاً عاجلاً محلياً ودولياً"، وذلك في تصريحات لقناة "ليبيا الأحرار" المحلية. وأكد انهيار أربعة جسور في المدينة وسقوط مبنيين.
كيف حصلت الكارثة؟
تعد درنة البالغ عدد سكانها نحو 100 ألف، مدينة جبلية على ساحل البحر الأبيض المتوسط على الجزء الشمالي الشرقي من ليبيا، وفي جنوبها هناك سلسلة من تلال الجبل الأخضر، وفيها وادي درنة، أحد أكبر الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا.
وبعد أن بدأت العاصفة، بدأت الأمطار المتساقطة بغزارة ولساعات طويلة تتجمع في الوادي الذي يبلغ طوله نحو 50 كيلومتراً، وارتفع منسوب مياهه مما شكل ضغطاً على السدين المائيين اللذين يحجزان المياه في الوادي، فانهارا ليجرف الطوفان الأحياء الواقعة بين الوادي والبحر، هذا الأمر جعل حجم الدمار هائلاً وعدد الضحايا كبيراً، في كارثة لم يشهدها تاريخ ليبيا الحديث.
وقد أعلنت السلطات الليبية درنة ومدناً أخرى مناطق منكوبة، إذ صرح المتحدث باسم قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) أحمد المسماري خلال مؤتمر صحفي أن الكارثة أتت بعد انهيار السدود فوق درنة، لتجرف أحياء بكاملها وبسكانها إلى البحر.
وصرح متحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي للجزيرة بأن عدم صيانة السدود في درنة كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات.
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن المتحدث باسم هيئة الطوارئ الليبية أسامة علي قوله إن المنازل والطرق دمرت بعد انهيار سدي درنة تحت ضغط مياه الأمطار الغزيرة.
وأضاف المتحدث "كل المياه اتجهت إلى منطقة قريبة من درنة، وهي منطقة ساحلية جبلية"، وتابع أن "المنازل في الوديان التي كانت على خط الفيضان جرفتها تيارات المياه الموحلة القوية التي حملت المركبات والحطام".
ويضم شرقي ليبيا حقول ومحطات النفط الرئيسية. وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط "حالة التأهب القصوى" وإيقاف الرحلات الجوية" بين مواقع الإنتاج التي انخفض نشاطها بشكل كبير.
أرقام هائلة
وتتضارب الأنباء بشان أعداد القتلى في مدن شرقي ليبيا ما يكشف حجم التناقض في المعطيات بين مختلف المؤسسات والأجهزة الليبية حيث كشف وزير الصحة الليبي في الحكومة المكلفة من البرلمان عثمان عبد الجليل مقتل 3 آلاف شخص بسبب الإعصار متوقعاً ارتفاع العدد إلى 10 آلاف.
وهذه التصريحات تأتي بعد يوم من تأكيد رئيس حكومته أسامة حماد مقتل أكثر من ألفي شخص بينما أفاد قيس الفاخري رئيس الهلال الأحمر في بنغازي أن الإعصار تسبب في مقتل 150 شخصاً على الأقل في مدينة درنة على مدى اليومين الماضيين مرجحاً أن يرتفع العدد إلى 250.
وأفاد عبدالجليل في مقابلة مع قناة "المسار" الليبية أن "عدد المفقودين بالآلاف" متوقعاً أن "يصل العدد إلى نحو مئة ألف شخص".
وقال إن "الأوضاع في مدينة درنة تزداد مأساوية، ولا توجد إحصائيات نهائية لأعداد الضحايا" مشيراً إلى "تعذر الوصول إلى الكثير من الأحياء".
وطالب عبد الجليل "الدول الصديقة بالمساعدة في إنقاذ ما تبقى من درنة في مناطق الجبل" ما يكشف حجم الدمار في المدينة المنكوبة.