نهبت القوات الروسية من أوكرانيا عشرات الآلاف من القطع الفنية، بما في ذلك اللوحات الزيتية العريقة والذهب العائد إلى الثقافات السكيثو- سيبيرية. ضمن عملية نهب وسرقة فنية صنّفها الخبراء بأنها الأكبر منذ النازيين في الحرب العالمية الثانية، والهدف منها تجريد أوكرانيا من تراثها الثقافي.
صحيفة "نيويورك تايمز" أوردت أمس السبت تقريراً مهماً وثّقت فيه سرقة الروس آلاف القطع الفنية والتراثية من المتاحف والمراكز التاريخية الأوكرانية وخاصة في مدينة خيرسون التاريخية.
ونقل التقرير عن شهود من خيرسون كيف عمدت القوات الروسية إلى إغلاق شارع في وسط المدينة وحاصرت مبنى قديماً جميلاً بعشرات الجنود.
وأضافوا: "توقفت خمس شاحنات كبيرة. وكذلك فعلت مجموعة من المركبات العسكرية تنقل عملاء روس دخلوا عبر عدة أبواب. لقد كان هجوماً عسكرياً مخططاً بعناية ومنظماً بدرجة عالية -على متحف فني".
ووصف الشهود كيف تم إفراغ متحف خيرسون الإقليمي للفنون على مدى الأيام الأربعة التالية، حيث أخرج حمالون آلاف اللوحات، والجنود يلفونها على عجل بالأقمشة.
ألينا دوتسينكو، مديرة متحف خيرسون منذ فترة طويلة وعادت مؤخراً من المنفى. نقل عنها التقرير ما رواه لها الموظفون والشهود الذين قالوا: "كانوا يحمّلون مثل هذه الروائع، التي لم تعد موجودة في العالم، كما لو كانت قمامة".
وبعد عودتها إلى المتحف في أوائل تشرين الثاني الماضي وشاهدت مقدار ما تمت سرقته، قالت: "كدت أفقد عقلي".
الممرات داخل متحف خيرسون للتراث المحلي، يذكر التقرير أن أخاديد طويلة حُفرت فيها بسبب الجنود الذين كانوا يسحبون القطع الأثرية ذات الأوزان الثقيلة والتي تعود إلى قرون. وفي بعض الأحيان لم ينجحوا بسحبها فتُكسر وتُهشّم.
اللوحات المسروقة
ومن اللوحات الكلاسيكية الثمينة التي نهبت من متحف خيرسون، لوحة "بيكيه على ضفة النهر". و"غروب الشمس" لرسام المنمنمات إيفان بوكيتونوف، و" وقت الخريف" للمخرج هيورهي كورناكوف التي ظهرت مؤخراً في متحف في شبه جزيرة القرم التي انتزعتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014.
وبعد أن استولت روسيا على شبه جزيرة القرم، قال الإنتربول الدولي إنه يبحث عن 52 لوحة لفنانين أوكرانيين تم نقلها بشكل غير قانوني إلى متحف فني في سيمفيروبول، ثاني أكبر مدينة في شبه الجزيرة.
كما نهبت روسيا أيضاً المؤسسات الثقافية في البلاد لبعض أهم المساهمات التي تحميها أوكرانيا بشكل مكثف منذ آلاف السنين، وفق التقرير الذي أضاف بأن خبراء الفن الدوليون وصفوا عملية النهب بأنها قد تكون أكبر عملية سرقة فنية جماعية منذ أن نهب النازيون أوروبا في الحرب العالمية الثانية.
نهب أكثر من 15 ألف قطعة فنية فريدة
من جهتهم، يقول المدعون العامون الأوكرانيون ومديرو المتاحف إن الروس سرقوا، في خيرسون لوحدها، أكثر من 15 ألف قطعة من الفنون الجميلة والتحف الفريدة من نوعها. فقد سحبوا التماثيل البرونزية من الحدائق، وأخدوا الكتب من مكتبة علمية على ضفاف النهر، ووضعوا في صناديق عظام متهالكة عمرها 200 عام لغريغوري بوتيمكين، عاشق كاترين العظيمة. وسرقوا حتى حيوان راكون من حديقة الحيوانات، تاركين وراءهم خزائن وركائز فارغة وزجاج مهشم.
ويضيف مسؤولون أوكرانيون بأن القوات الروسية سرقت أو ألحقت أضرارا بأكثر من 30 متحفاً، بما في ذلك العديد منها في خيرسون، التي تمت استعادتها في تشرين الثاني الماضي، وغيرها في ماريوبول وميليتوبول، التي لا تزال تحت الاحتلال الروسي.
وفي ظل استمرار المحققين الأوكرانيين في فهرسة خسائر اللوحات الزيتية المفقودة، واللوحات القديمة، والأواني البرونزية، والعملات المعدنية، والقلائد، والتماثيل النصفية، من المرجح أن تكون حصيلة المسروقات أكبر من الأعداد المذكورة.
ويؤكّد مسؤولون أوكرانيون مع خبراء دوليين بأن النهب ليس حالة سوء سلوك عشوائي بل هجوم متعمد على الثقافة والهوية الأوكرانية، بما يتفق مع الموقف الإمبريالي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قلل باستمرار من فكرة أوكرانيا كدولة منفصلة واستخدم ذلك كأساس منطقي مركزي لغزوه.
خبراء سرقة!
في أحد متاحف مدينة ميليتوبول جنوبي أوكرانيا التي استولى عليها الروس في الأيام الأولى من الحرب، قال شهود عيان إن رجلاً غامضاً يرتدي معطف مختبر أبيض قد وصل لاستخراج الأشياء الأكثر قيمة من المجموعة بعناية، بالقفازات والملاقط، بما في ذلك القطع الذهبية من الإمبراطورية السكيثية التي صنعت قبل 2300 عام. وبينما كان يرفع الآثار التي لا تقدر بثمن، وقفت فرقة من الجنود الروس خلفه بحزم، في حال حاول أي شخص إيقافه.
وفي كل حالات النهب، يفيد الشهود، بمن فيهم القائمون على رعاية المتحف وحراس الأمن وغيرهم من موظفي المتحف، بأنهم تعرضوا لضغوط وأجبروا على المساعدة (لنهب القطع من قبل الروس)، وبأن كل عملية كان يقودها خبراء يتم التحكم فيها مركزياً.