الالتزام بأخلاقيات وعادات المجتمع، رومانسية وعلاقات حب نظيفة، تأكيد على التعلق بالجذور، بيئة جميلة وأنيقة.
أغاني الشتاء
يكاد مسلسل "أغاني الشتاء" من بطولة "باي يونغ جن" و"تشوي جي وو"، ذو العشرين حلقة، أن يكون الأشهر عالميًا من بين المسلسلات الكورية. عرض المسلسل في كوريا لأول مرة عام 2002 على قناة "كي بي اس" وصُوِّر في سول على جزيرة ناميسوم.
عرض المسلسل عام 2008 على القنوات الكورية الموجّهة للعرب مترجمًا إلى العربية، ولاقى رواجًا كبيرًا، وأعيد عرضه عدّة مرّات. أذكر أنّي شاهدت المسلسل ثلاث مرّات، هذا عدا يوم الجمعة، فقد كانت القناة تعرض حلقات الأسبوع مجتمعة لمن فاته متابعتها.
ولهذا المسلسل الفضل في متابعة المشاهدين العرب للقناة الكورية ولباقي المسلسلات التي عرضت بعده. ويبقى مسلسل "أغاني الشتاء" الأكثر حضورًا في ذاكرة المشاهد العربي والأجنبي. فقد كان السبب في ارتفاع عدد السائحين سنويًا في كوريا الجنوبية من خمسة ملايين في عام 2000 إلى ما يقارب الـ 18 مليون سائح في عام 2019 قبل بدء جائحة الكورونا.
وأقيم تمثال لبطلي المسلسل في المدينة التي صُوّر فيها يقصده السيّاح دائمًا.
ولا ينحصر الأمر في "أغاني الشتاء" فقط أو في باقي المسلسلات، بل كان للأغاني الكورية "الكي بوب" دور كبير في جذب السيّاح ورفع اقتصاد البلاد.
يطرح السؤال نفسه علينا: ما الذي يميّز المسلسلات الكورية عن غيرها حتى لاقت رواجًا كهذا وبالأخص بين الإناث؟
للدراما الكورية العديد من المميزات التي تجعلها محل التفضيل عند شريحة كبيرة من الناس وبالأخص الفتيات.
الدراما الكورية متنوعة للغاية بإمكانك مشاهدة المسلسلات التاريخية، المسلسلات الرومانسية، مسلسلات الرعب، مسلسلات فنتازيا، مسلسلات اجتماعية؛ والمسلسلات المبنية على قصص واقعية.
على عكس الدراما العربية الرائجة في الوقت الحالي والتي يستنسخ معظمها المسلسلات التركية، تعمل الدراما الكورية على تقديم المجتمع الكوري كما هو من دون أيّ تغييرات أو تقليد للمسلسلات الأميركية أو الغربية. الاحترام الذي هو ربما مبالغ به بالنسبة للبعض يقودك الى التفكير بالمدينة الفاضلة، لكن هذا هو واقع الأمر بالنسبة للشعب الكوري، الاحترام هو أساس المجتمع والذي يستند بشكل كبير إلى التعاليم الكونفوشيوسية.
الاحترام الذي هو ربما مبالغ به بالنسبة للبعض يقودك الى التفكير بالمدينة الفاضلة، لكن هذا هو واقع الأمر بالنسبة للشعب الكوري
يعمد الأفراد بشكل أساسي إلى معرفة عمر الشخص وحالته الاجتماعية فور مقابلته لمعرفة الطريقة التي يجب عليه مخاطبة الشخص بها، وتملك اللغة الكورية العديد من كلمات الاحترام التي يخاطب بها الأفراد بعضهم بعضا. ومعظم المسلسلات ترسخ أخلاقيات المجتمع الثابتة من خلال عرضها بشكل لطيف ومن دون صخب، فتمررها من خلال تصرفات الشخصيات كي لا تبدو درسًا أخلاقيا.
وترسخ معظم المسلسلات احترام الأبوين والعائلة وكبار السن، كما أنه توجد آداب معينة يجب على الأشخاص اتباعها على المائدة، عند شرب الكحول، وفي أماكن العمل.
الرقابة في المسلسلات الكورية أيضًا متشددة من هذه الناحية، فمن الممنوع في المسلسلات الكورية المشاهد الفاضحة وحتى مشاهد القبل لا تعدو عن كونها واحدة أو اثنتين في المسلسل بأكمله، وفي معظم المسلسلات لا تلامس الشفاه بعضها بعضا. وهذا يستدعي لذكر الأزياء التي يرتديها الممثلون، فمعظم تلك الأزياء محتشمة وفي غاية الأناقة ولم تتأثر بموجة الغرب وأميركا في صناعة الأزياء، بل لها طابعها الخاص المنسجم مع المجتمع والمعبّر عن البيئة.
ولا يقتصر الاهتمام على نوعية المسلسلات الرومانسية والواقع الحالي، فالدراما الكورية تهتم بشكل واضح بالمسلسلات التاريخية وعلى الأخص أحداث عهد "جوسون"، منها مسلسلات توثيقية وأخرى فنتازيا، وتمتاز الأخيرة بقصص لم يطرح مثلها من قبل على الشاشات المحلية والعالمية، قصص تسرق القلوب وبالأخص بالنسبة للأجيال التي تربت على مشاهدة أفلام ديزني الخيالية عن الأميرات.
وساد العرف بسبب هذه المسلسلات وغيرها بأن الشاب الكوري شاب رومانسي للغاية، محترم، وسيم وأنيق. فكما كان الممثل الأميركي "كلارك جيبل" بطل فيلم "ذهب مع الريح" في زمن مضى فتى أحلام الفتيات، صار في عصرنا "باي يونغ جن" فتى الأحلام الرومانسي الأنيق صاحب النظرة الحزينة النبيلة والمشاعر الرقيقة، والصوت الدافئ. فقد انقلبت المفاهيم والتطلعات والمقاييس الجمالية خلال المدة الزمنية التي تفصل جيل كلارك جيبل وفيفيان لي، والمطرب فرانك سيناترا عن الجيل الحالي جيل "باي يونغ جن وتشوي جي وو".
ويعتمد المسلسل عادة على جهود الممثلين فهم الواجهة التي تشد المشاهد، وتجعله يتعلّق بالمسلسل لكن ذلك لا يلغي دور الكادر العامل من مخرجين، ومنتجين، وكتّاب سيناريو، ومصورين، ومهندسي إضاءة.
كل الفريق العامل في المسلسل يكون وراء نجاحه، فذكاء المخرج المبدع يجعله يستخدم الطبيعة كركن أساسي في المشهد، فالطبيعة الكورية التي تخطف الأنظار جزء من نجاح المسلسل، إذ تتميز كوريا بالجبال الخضراء والشواطئ الذهبية والجزر، بالإضافة للمعالم التاريخية كالمعابد وقصور الإمبراطوريات القديمة، وكلّ هذا يحرص المخرج على استخدامه وإبرازه في العمل الدرامي. فهو عامل لجلب المشاهد والسائح معًا. أي إنّ المسلسل يضرب عصفورين بحجر واحد.
في "أغاني الشتاء" كان حضور الثلج والبرد والأزياء الشتوية مبهرًا، كما صوّرت مشاهد على البحر للنوارس مذهلة، ولا يمكن للمرء أن يتخيّل أنّها مصنوعة بأيدي العاملين الذين استطاعوا حصر تلك الأعداد الهائلة من النوارس في لقطة فريدة لا تنسى.
وتتميز الممثلات في المسلسلات الكورية عن غيرهنّ بأناقتهن المفرطة، وقد لفتت أناقتهن أنظار المهتمين بالموضة عالميًا، وحازت على رضا واهتمام العديد من الفتيات في المجتمعات العربية منها والغربية، فاشتهرت مساحيق التجميل الكورية ومنتجات العناية بالبشرة، والستايل الكوري للملابس بشدة، وأصبحت معظم الفتيات تبحث عن أسرار جمال البشرة الكورية ونضارتها. وهذا أيضًا رفع من مستوى الاقتصاد بتصدير الملابس، وأدوات الزينة، والمكياج.
لا شكّ أنّ الرومانسية لم تكتسح الساحة وحدها، بل رافقتها مسلسلات الأكشن والتاريخ والقصص الأسطورية وذلك يدل على حرص المنتج الكوري على استقطاب شرائح كبيرة من المجتمع، وليس المراهقات فقط. فجاءت تلك المسلسلات لترضي أذواق الفتيان والرجال وكبار السن أيضًا.
لا بدّ من الإشارة إلى أن المسلسلات الكورية مسلسلات عائلية بامتياز يمكن للعائلة أن تشاهدها مجتمعة من دون الشعور بالحرج من مشهد إباحي مفاجئ، أو لقطة فاضحة، أو أجساد عارية، أو أفكار هدّامة، فهي تبتعد عن العلاقات المعقدة المفتوحة والسكن المشترك وتلك الأمور التي يخشى منها مجتمعنا العربي، ومن تأثيرها على الأجيال الناشئة.